«بلومبرج»: وعد بشطبه من قائمة الإرهاب.. كيف يعرقل ترامب نهوض السودان؟

«بلومبرج»: وعد بشطبه من قائمة الإرهاب.. كيف يعرقل ترامب نهوض السودان؟

ساسة بوست

كان رَفْع اسم الخرطوم من قائمة رعاة الإرهاب بمثابة الخطوة الصحيحة التي يجب اتِّخاذها، لكن ربطها بالاعتراف بإسرائيل لم يكن كذلك.

نشرت وكالة بلومبرج الإخبارية مقالًا لـ بوبي غوش، كاتب عمود في «بلومبرج» ويهتم بالشؤون الخارجية مع التركيز على الشرق الأوسط وأفريقيا، تناول فيه تعامل إدارة ترامب الخاطئ مع السودان، موضحًا أن الإدارة اتخذت قرارًا صائبًا برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ولكن كان يجب ألا يكون ذلك مقابل مطالبة السودان بتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

وفي بداية مقاله، يقول الكاتب حتى في تلك المرَّات القليلة النادرة التي تتخذ فيها إدارة ترامب قرارًا صائبًا بشأن السياسة الخارجية، عادةً ما تكون طريقتهم خاطئة ودوافعهم خاطئة. وخير مثال على ذلك قرارها برَفْع السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب. وكانت الإدارة الأمريكية قد قَدَّمت مكافأة مُستحقَّة للحكومة الانتقالية السودانية حسنة النية على حسن تصرفاتها ولكن بطريقة تُقوِّض مصداقية الأخيرة.

قرار صائب

وأوضح الكاتب أن الرئيس ترامب أعلن يوم الاثنين، عبر تويتر، أن عملية رفع اسم السودان ستتم بمجرد أن تنتهي الحكومة في الخرطوم من دفع 335 مليون دولار تعويضًا لعائلات الضحايا الأمريكيين الذين قتلوا في تفجير يو إس إس كول في عام 2000 (تفجير انتحاري وقع ضد المدمرة الأمريكية يو إس إس كول بينما كانت راسية على ميناء عدن اليمني، وأسفر عن مقتل 17 بحارًا أمريكيًّا) وتفجيرات السفارات الأمريكية في كينيا وتنزانيا عام 1998. وخطَّط تنظيم القاعدة لتلك الهجمات خلال المدة التي قضاها أسامة بن لادن في ملاذه في السودان الذي منحه إياه الديكتاتور عمر البشير، بحسب الكاتب.

يضيف الكاتب: إن رَفْع اسم السودان من قائمة الإرهاب قرار صائب، كما قلتُ منذ مدة طويلة. وقد أُطِيح البشير العام الماضي بسبب الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية. وتحكم السودان حاليًا حكومة انتقالية، في تقاسمٍ للسلطة بين المدنيين والجيش. ويقود هذه الحكومة الانتقالية عبد الله حمدوك، الخبير الاقتصادي السابق في الأمم المتحدة. والحكومة ليست مثالية، لأن وجود العسكريين فيها مدعاة للقلق، لكن أداءها فاق التوقعات المنطقية. إذ أطلق حمدوك العنان لإصلاحات اجتماعية وسياسية مذهلة تجاوزت طموحات مصلحين مزعومين آخرين في العالم العربي. ويشمل ذلك إلغاء قانون مكافحة الردة، وإنهاء عقوبة الجلد، وتجريم ختان الإناث، وتخفيف الحظر على بيع الكحوليات واستهلاكها.

ولعل الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أنه أنهى فعليًّا 30 عامًا من الحكم الإسلامي في السودان، من خلال الموافقة على فصل الدين عن الدولة. كما التزمت الخرطوم بخطة الإصلاح الاقتصادي التي أقرَّها صندوق النقد الدولي. ووافقت الحكومة الانتقالية على صفقة مع الجماعات المتمردة، مما أشاع روح التفاؤل بشأن سلام دائم بعد عقود من سفك الدماء العرقي والديني.

الضغط على السودان للتطبيع

ولفت الكاتب إلى أن هذه الإنجازات جديرة أكثر بالملاحظة لأنها جاءت في وقت يعاني فيه الاقتصاد السوداني، الذي أُدِير على نحو سيئ خلال الديكتاتورية الطويلة، من تأثير جائحة فيروس كورونا المستجد إذ تجاوزت نسبة التضخم 210% في سبتمبر (أيلول)، مع توقع انكماش الاقتصاد بنسبة 7.2% هذا العام. وهذا التقدم هو أكثر ما يؤهل الخرطوم لأن تُولِيه الحكومة الأمريكية وصندوق النقد الدولي اهتمامًا خاصًا، بعد أن كان صندوق النقد الدولي بطيئًا في إعادة هيكلة الديون السودانية.

ولو كانت هناك إدارة أمريكية أكثر يقظة للتطورات في الخرطوم، لكان من الممكن الاعتراف بجهود الحكومة الانتقالية منذ شهور خلت، والتخلي أيضًا عن تصنيفها راعيةً للإرهاب. وكان من الممكن المضي قدمًا في المطالبة بالتعويضات دون التعرض لهذه القضية، وربما كانت الحكومة السودانية قادرة على التغلب بصورة أفضل على تردد المُقْرِضين الأجانب.

وبدلًا من ذلك، اعتمد الرئيس ترامب ووزير خارجيته، مايك بومبيو، في سعيهما لتحقيق نجاحات في السياسة الخارجية قبل الانتخابات الرئاسية، على السودان للانضمام إلى صف الإمارات العربية المتحدة والبحرين في تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وكان حمدوك مترددًا في الذهاب إلى هذا الحد، لكن يبدو أنه استسلم للضغوط.

بعد الرضوخ للضغوط.. السودان في حاجة إلى مساعدات عاجلة

وألمح الكاتب قائلًا إنه من المتصور أن حمدوك، بالنظر إلى جرأة الإصلاحات الأخرى التي أجراها، كان سيوافق في نهاية المطاف على إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل دون طلب أمريكي. لكن الآن، يبدو أنه فعل ذلك مُكرهًا، مما سيُقوِّض مصداقية التطبيع السوداني الإسرائيلي. كما سيضر ذلك بمصداقية رئيس الوزراء إذ يمكن لمنتقديه أن يصِمُوه بأنه عميل أمريكي. وفيما يتعلق بما إذا كان توقيت الإعلان سيصُب في صالح ترامب في انتخابات 3 نوفمبر (تشرين الثاني)، فإني أشك في ذلك.

وبعد أن رضخ السودانيون لتسلط بومبيو، يعتمدون الآن على إدارة ترامب للحصول على مساعدات اقتصادية سريعة. إذ قالت وزيرة المالية هبة محمد علي لبلومبرج في مقابلة هاتفية من الخرطوم: «نعلم جميعًا أن السودان يشهد صعوبات ويحتاج إلى مساعدات عاجلة، لذلك ستساعد الولايات المتحدة بتقديم حزمة من المساعدات وبعض الأموال».

واختتم الكاتب مقاله قائلًا إنه لا ينبغي للإدارة الأمريكية أن ترفع من سقف توقعاتها. إذ بعد القيام بعملية رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب بطريقة خاطئة ولأسباب خاطئة، فمن غير المرجح أن تبذل إدارة ترامب أي جهد للتأكد من أن تحركاتها ستؤتي ثمارها في السودان. لكن إزالة العقبة الأمريكية قد تحفز الدائنين كي يعطوا حمدوك فرصة. وربما، ربما فقط، يسمح ذلك للحكومة في الخرطوم بتكثيف بعض الاستثمارات الحيوية. ويجب على السودان، الذي يستحق الأفضل من الولايات المتحدة، أن يأخذ كل ما يمكنه الحصول عليه.

 

  • Social Links:

Leave a Reply