م. سامر كعكرلي
يدرك من يعمل في مهنة التمثيل بأن أي دور يُسند له فلابد أن تتم قراءته بعناية فائقة كما يجب عليه أن يستحضر كل ما يقع تحت يديه من إكسسوارات وأدوات تساهم هذا الممثل في إقناع الجمهور المتلقي بأنه يتقمص هذا الدور ويتماها معه بشكل كبير.
وتكمن أخطر تمثيلية تمت على الشعب السوري تمثيلية من إخراج الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وأداء حافظ الأسد الذي استولى على الحكم بانقلاب عسكري بعد هزيمته كوزير دفاع في حرب عام 1967 وخسارة سوريا لأخصب الأراضي الزراعية ولاهم المناطق الإستراتيجية ألا وهي هضبة الجولان. فهذا الممثل برع في استخدام الإكسسوارات التي تعينه على أداء الدور المرسوم له بدقة.
ومن أول الإكسسوارات لهذا الدور لحافظ الأسد كان إطلاق تسمية “الحركة التصحيحية” على انقلاب عسكري مكتمل الجوانب من استخدام الدبابات في حصار مبنى الأركان لغاية القبض على كافة أركان الحُكم آنذاك.
وبعد ذلك توالت الإكسسوارات التي استخدمها حافظ الأسد لأداء دوره التمثلي فكان هناك إكسسوار التعددية الحزبية المتمثل بالجبهة الوطنية التقدمية وإكسسوار الديمقراطية الشعبية المتمثل بالمنظمات الشعبية التي كانت في حقيقتها أفرع أمنية وإكسسوار الوحدة العربية المتمثل باتحاد الجمهوريات العربية في وقت كانت حالة العداء على أشدها بينه وبين الكثير من
الدول العربية.
أما إكسسوار الحصار الاقتصادي فقد كان لازما لدور المقاومة والممانعة أو الصمود والتصدي, وهذا الإكسسوار بالتحديد لم يكن من صنيعة الأسد بل هو تقديم من مخرج التمثيلية في المنطقة، والتي كانت تقدمه لممثلها عند الحاجة ليظهر بمظهر الممانع والمقاوم.
وقد تم استخدام هذا الإكسسوار في فترة الثمانينات من القرن الماضي وفي وكان الغرض الرئيسي من هذا الإكسسوار هو تلميع صورة النظام السوري أمام السوريين على أنه نظام مقاوم وممانع للهيمنة الإمبريالية التي تمثلها الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن بدهاء شيطاني استغل حافظ الأسد هذا الإكسسوار بتحقيق عدة غايات كانت السند الرئيسي له في استتباب حكمه ومن ثم الوصول لعميلة التوريث التي جرت بعد وفاته، فما هي تلك الغايات التي حققها الحصار الاقتصادي لسوريا في فترة الثمانينات.
ولكن قبل الدخول في غايات حافظ الأسد لا بد من أن نتساءل هل كان هناك بالفعل حصاراً اقتصاديا تم فرضه من القوى الإمبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية على النظام السوري عقاباً له على ممانعته ومقاومته.
في حقيقة الأمر يتذكر السوريين فترة الثمانينات من القرن الماضي بكثير من الأسى لما عايشوه من ظروف إقتصادية صعبة تجلت في صعوبة تامين السلع الضرورية وانهيار الليرة السورية بشكل كبير وأيضاً يستذكر العارفين بالأمور الاقتصادية التضخم الذي حصل في الثمانينات والذي سببه الرئيسي تمويل النظام السوري نفقات حكومته بما يسمى التمويل بالعجز أي من خلال طباعة النقود دون رصيد والذي وصل نسبته لحدود 34% مما ألحق ضرراً كبيراُ بالاقتصاد السوري. ولكن كافة تلك الصعوبات كان يعاني منها المواطن البسيط أما النظام متمثلاً بالطبقة الحاكمة فلم يكن الحصار الإقتصادي يشكل لها أي مشكلة لا بالعكس فلقد كان هذا الحصار مصدر نعيم بالنسبة لها، وبالتأكيد فإن الحصار الاقتصادي المزعوم على النظام لم يمنع مثلاً الطبقة الحاكمة من استيراد السلع الرفاهية فلم تتوقف عمليات استيراد سيارات المرسيدس مثلا والمخصصة للطبقة الحاكمة ولم يتوقف استيراد المشروبات الكحولية والكافيار كما لم تتوقف عمليات إيداع الأموال المنهوبة من سوريا في المصارف الغربية، والأهم من كل ذلك لم تتوقف شركات النفط الغربية والأمريكية عن العمل ضمن الأراضي السوري في وقت كانت وكالة الاستخبارات الأمريكية تعلم بأن عائدات النفط لا تدخل للموازنة السورية بل تذهب كافة عوائد النفط للنظام السوري بحسابات مصرفية خارج سوريا، إذا فالحصار الاقتصادي كان موجهاً للشعب ولم ينل من النظام ورجاله.
Social Links: