في المبدأ نقدم معادلة اليمن بين السعودية و إيران، و السعودية و مصر عبدالناصر وفق ثابتتين:
*الثابتة الأولى ان جمال عبدالناصر كان على حق في دعمه الشعب اليمني في ثورته في 26/9/1962، ضد التخلف و الظلام.
*الثابتة الثانية ان محمد بن سلمان كان على حق أيضاً في دعمه الشرعية اليمنية ضد الانقلابيين الذين نجحوا في تشكيل حلف بين المخلوع علي عبدالله صالح و الحوثيين برئاسة عبد الملك الحوثي.
بعد هذا نقرأ المفارقة التالية في تاريخ العلاقات بين مصر و السعودية و مصر و إيران خلال الفترة الممتدة من العام 1962 حتى اليوم مروراً بما اعتراها من تناقضات.
عام 1963 بلغ الدعم السعودي للإماميين (الآن هم جزء من الحركة الانقلابية ضد الشرعية في اليمن) ذروته خصوصاً مع إرسال مصر جيشها إلى اليمن بطلب من الشرعية اليمنية في الجمهورية العربية اليمنية.. و كانت إيران الشاه هي حليفة للسعودية و قد جمعتهما العداوة ضد مصر عبدالناصر العروبي – الاشتراكي – الجماهيري الكاسح في بلاد العرب و المسلمين.
و مثلما أقام شاه إيران علاقة مع إسرائيل منذ ذلك التاريخ ما أدى إلى قطع مصر علاقاتها مع إيران، فإن المملكة العربية السعودية أقامت ما يسمى بالحلف الاسلامي مع شاه إيران و كل أعداء جمال عبدالناصر في الوطن العربي.
و مثلما ما زالت إيران الجمهورية الاسلامية تَعّتَبر المنظر الأول للإرعاب في العالم سيد قطب شهيداً و قد أطلقت اسمه على أحد شوارع طهران، و كانت أول زيارة لرئيس إيراني إلى مصر منذ ذلك التاريخ هي التي قام بها أحمدي نجاد إلى القاهرة في عهد الاخوان المسلمين، فإن المملكة العربية السعودية في عهد ملكها الراحل فيصل هي التي تبنت و حضنت الاخوان المسلمين المصريين الذين حاولوا بقيادة سيد قطب قتل جمال عبدالناصر و قلب نظام الحكم في مصر و إسقاط الدولة و إقامة دولة الاخوان الأولى في أرض الكنانة.. و كان هذا انتقاماً سعودياً من مصر بسبب دعم القاهرة لثورة اليمن عام 1962.
و يا لسخرية القدر ان تهدد إيران السعودية في أخطر خواصرها و هي اليمن، و أن تجد السعودية نفسها وحيدة في مواجهة المشروع التوسعي الايراني، و ألا تجد من جيوش افريقيا من يقف معها إلا الجيش السوداني.
سمو الأمير محمد بن سلمان.. أما و قد أطلنا مقدمة الحديث عن اليمن خاصرة السعودية الأخطر، فإننا نرى من واجبنا الاشارة إلى دور الجيش المصري في اليمن خلال الفترة من 1962 حتى العام 1967.
نعم نحن من المقتنعين بأن توجه جيش العروبة إلى اليمن في ذلك العام لنجدة شعبها المنتفض على حكم التخلف و الظلام هدف من ضمن رؤية قيادة جمال عبدالناصر إلى مواجهة شاملة ضد الاستعمار و التجزئة و التخلف، فقد جاء توقيت توسيع رقعة مسؤولية الجمهورية العربية المتحدة في مرحلة التحول الجذري في المنطقة إلى الرد أولاً على جريمة الانفصال التي ارتكبها حفنة من الضباط الجبناء تحت جنح الظلام في دمشق في 28/9/1961 بفصل الاقليم الشمالي عن الجمهورية العربية المتحدة.
هذا أولاً؛
و ثانياً؛ كان وجود الجيش المصري في اليمن هو السبب الأول لثورة 14 تشرين أول 1964 في الجنوب العربي الذي أدى إلى ان تحمل بريطانيا عصاها و ترحل عن اليمن الجنوبي و عدن الذي احتلته عام 1839.
ثالثاً؛
الوعي الموضوعي مصرياً و عروبياً و انسانياً هو الذي دفع عبدالناصر إلى دور يمني حفاظاً على مسؤوليته العربية و الانسانية فضلاً عن أمن مصر القومي الذي يبدأ توكيداً في باب المندب و عروبة البحر الأحمر لتأمين مصر من الجنوب و أهم مرافق حياتها الاقتصادية و المالية و الأمنية و هي قناة السويس.
صار الجيش المصري جزءاً من حقائق اليمن ليس خلال مرحلة الخمس سنوات فقط (1962 – 1967) بل و حتى الآن ما زال نصب الجندي المصري المجهول منتصباً في قلب صنعاء شاهداً على وفاء الشعب اليمني الأصيل لهذا الدور العروبي و الانساني و الأمني.
سمو الامير محمد بن سلمان.. كيف تعامل الجيش المصري ميدانياً مع وقائع الاستنـزاف اليومي الذي كانت القوى الداعمة للملكيين الإماميين تفرضه على مصر؟
أمران جوهريان تحققا في اليمن بعد تجارب السنوات الأربع الأولى من الحرب.
الأمر الجوهري الأول هو ان مصر استوعبت العقلية الانقلابية للقبائل اليمنية التي كان بعضها يقاتل الملكيين في النهار، و يقاتل معهم في الليل، نتيجة ان قلوبهم كانت مع عبدالناصر الزعيم الرمز و القائد الفذ، بينما كانت جيوبهم عند السعوديين الذين كانوا يخوضون معارك كل أعداء جمال عبدالناصر و في مقدمتهم ((الاخوان المسلمين)) و الغرب و من يدعمهم.
لذا انتقلت مصر إلى الأمر الجوهري الآخر و هو انها أقامت سلطة في شبه الدولة التي راحت تتكون في اليمن بعد 26 أيلول 1962.. و نشرت قواها المسلحة على أراضيها و أنشأت لها إدارات و مؤسسات و كل ما تحتاجه الدولة للوجود، فضلاً عن التعامل مع اليمنيين كشعب واحد و ليس فقط كمجرد قبائل، فالظاهرة القبلية لن تنتهي إلا بإقامة الدولة الواحدة، لينتقل إليها ولاء اليمنيين بدل أن يظل ولاؤهم السياسي لقبائلهم.
لذا:
انتشر الجيش المصري بكثافة في المدن الرئيسية الثلاث: صنعاء العاصمة، و تعز قلب اليمن الحضاري و الثقافي، و الحديدة ميناؤها الوحيد على البحر الأحمر.. و كان صعود الجيش المصري إلى صعدة مسألة سياسية و رمزية حيث عصب الامامية التي أيد سكانها الثورة اليمنية و استقبلوا الجيش المصري و شكلوا لفترة عصب الجيش اليمني الوليد.
بانتشار الجيش المصري في هذه المناطق – المدن ما عادت مصر بحاجة إلى استرضاء القبائل المتقلبة المزاج الباحثة عن الذهب و الريالات، و تمكنت من ترسيخ مفهوم الدولة عبر المؤسسات و الوزارات و الادارات الرسمية و الجامعات و الثانويات و هي التي خرّجت بعد سنوات أهم أطر الادارة اليمنية التي ما كانت يوماً في بال كثير من اليمنيين.
الآن؛
في هذا الدرس المصري من تجربة اليمن يمكن للأمير محمد بن سلمان أن يقرأ ان جمال عبدالناصر أرسى قواعد الدولة اليمنية الحديثة بانتشار جيشه في صنعاء و تعز و الحديدة و صعدة أي على الأرض اليمنية.. بينما ما زال الدور السعودي متوقفاً عند حدود الطيران في السماء اليمنية.
استطاع وجود الجيش المصري في اليمن أن يفتح الطريق ليُلهِمَ ثوار الجنوب العربي بأن يقوموا بثورتهم لطرد الاحتلال البريطاني، بينما اقتصر الدور السعودي على الطيران الحربي بما أتاح للإنقلابيين بدعم من ايران نقل المعركة البرية الى داخل المملكة العربية السعودية.. و كانت صدمات الحرب هذه تترى حين تصدر وزارة الدفاع السعودية بيانات تتحدث عن صد القوات السعودية لهجمات صاروخية حوثية ايرانية على الطائف و على مكة المكرمة دون تجاهل المعارك البرية التي تخوضها ايران عبر الحوثيين داخل الاراضي السعودية نفسها.
و الأنكى من هذا ان قبائل اليمن التي كثيراً ما اشترتها الأموال و السبائك الذهبية السعودية عادت لتأدية دورها التقليدي و هو أن تكون قلوبها في جهة و جيوبها في جهة ثانية.. قتال الليل يمحوه النهار و ولاء النهار كالزبدة يسوح من طول انتظار الليل (المثل الصحيح هو ان كلام الليل ممسوح بالزبدة يسوح في النهار).
لذا فإن سيطرة ايران على مدن صنعاء – تعز – الحديدة – صعدة يؤشر الى ان نهج عبدالناصر السياسي – العسكري الاستراتيجي لم يصل بعد الى النهج السعودي عندما قرر خوض معركة الحزم و أن ايران تحتل اليمن أرضاً بينما يسيطر الطيران السعودي جواً، و ما حسم الجو معركة عسكرية في التاريخ، فضلاً عن ان طول الحرب توكيد ليس للعجز عن حسمها، بل انها بداية هزيمة فعلية.
سمو الأمير محمد بن سلمان:
أراد الملك فيصل معاقبة مصر على دورها في اليمن فحوّل المسألة الى استنـزاف لمصر منعها من تهيئة نفسها لمواجهة عدوان حزيران 1967 حيث كانت مصر تنشر 60 ألف جندي في اليمن وحده.
و ساعد فيصل الاخوان المسلمين و احتضنهم و قدم لهم المال و استوطن أطرهم في الثانويات السعودية و في الجامعات الصاعدة و في وزارة التربية لإعداد الأساتذة و المناهج التربوية الاخوانية حتى حوّلوا مئات آلاف السعوديين الى ثقافة الاخوان حيث أنتجوا أجيالاً اخوانية كانت هي اساس الحركات الظلامية التي تعاني منها السعودية منذ سنوات (القاعدة – داعش..).
نخشى يا سمو الأمير ان يكون هناك من يريد استنـزاف السعودية في اليمن.. او استدراجها الى الأرض للقتال وحدها بعد ان غدر بها من غدر في آسيا و أفريقيا فما أرسلوا الى اليمن جندياً واحداً لحسم المعركة (عدا الجيش السوداني و عدا جنود الإمارات و قطر).
نخشى يا سمو الأمير ان تنجح ايران في هذا الاستنـزاف و قد بلغت مصاريف عاصفة الحزم حتى اليوم أكثر من مائة مليار دولار وفق تقديرات مطلعين، و نرى ان تنتهج السعودية مساراً جديداً في التعامل مع خاصرتها الجنوبية.. و لعلك تعرف اكثر من غيرك الحلول المقترحة التي يمكن ان تحفظ لكم اليمن جاراً سعيداً بجيرتكم، و شعباً يجد في السعودية ملاذاً و أنتم تحتضنون مليوني يمني شكلوا ثروات و خيرات من خيرات الله على أرضكم.
و لن نزيد يا سمو الأمير على ما تعرفونه في العمق لكننا نريد ان تستلهموا تجربة جمال عبدالناصر الذي ما زالت جموع اليمنيين تشعر له بالعرفان و الجميل و كنتم أنتم من اختار أحد القيادات الحزبية الناصرية و زيراً للخارجية نائباً لرئيس وزراء الشرعية الحالية في اليمن و اسمه عبدالملك المخلافي.. و يمكن لكم ان تسألوه.. فينصحكم اذا كان صادقاً شجاعاً وطنياً.

Social Links: