دفعت الاستقالة المفاجئة من حيث المكان والزمان، التي تقدّم بها رئيس وزراء لبنان سعد الدين الحريري السبت، إلى توقعات وتنبؤات بأنّ هذا نذير حرب مقبلة. لكن قراءة أُخرى للاستقالة، قد تكون أنّها ضمن نهاية حرب، لا بدايتها؛ وأنّها لمحاولة تقليص المكاسب التي سيجنيها حزب الله وإيران والنظام السوري في لبنان، إذا ما استمر تقدّم هذه الأطراف عسكرّياً في سورية.
عدا التحليلات السياسية المحقة، بأنّ الطرف الإسرائيلي ينتظر أي فرصة مناسبة لإخماد قوة حزب الله في الحدود الشمالية، فإنّ سياسيين قالوا ذلك، ومنهم رئيس التيار الوطني الحرّ، وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، الذي يُعبّر عن جزء مهم من المكوّن المسيحي اللبناني، والذي ينتمي له الرئيس ميشيل عون، وقال باسيل “من حق اللبنانيين أن يسيطر عليهم الهم. منهم من يقول أو يخاف حرباً من الخارج، أو فتنة من الداخل أو أزمة حكم. نظريّاً قد يقع شيء من ذلك أو ثلاثتهم معاً”. وأشار إلى أنّ ما يحدث ربما نتيجة تراجع داعش وربما “عن طريق دولة الإرهاب وهي إسرائيل لضرب لبنان الذي نجح بضرب الإرهاب. ويعتقد البعض أنّ وقت القصاص حان”.
قد يبدو حديث باسيل اتهاماً للحريري، أو كما قال فؤاد السنيورة رئيس الوزراء السابق، إنّ الموضوع يتعلق بالشأن الداخلي اللبناني، وقال إنّ موقف الطرف الآخر في لبنان، هو “من لا يسير معنا فالتهمة جاهزة، بالتخوين”. فالحديث أنّ استقالة الحريري جزء من مخطط لحرب إسرائيلية هو جزء من خطاب تخوين، وهو ما لا ينسجم مع تعبير باسيل والرئيس عون وحزب الله، والجميع تقريباً عن “الحزن” بسبب الاستقالة، ورغبة بتراجع الحريري. ويصبح الأمر هنا كأنّه: إما أن تكون رئيس وزراء بشروطنا أو تكون خائنا.
هذا لا يلغي أنّ البُعد الإقليمي بادٍ، بل ومعلن، في استقالة الحريري، فالحريري يضع سببين، أولهما أوضح من الثاني، والمقصود بالأول حديثه عن تدخل حزب الله بشؤون الدول العربية، والثاني عن الاستيلاء والسيطرة على الدولة من قبل الحزب. ورغم وضوح السبب الأول، إلا أنّه يشير لسؤال مهم: لماذا الآن؟ فحزب الله ودوره في سورية، وموقفه من اليمن والعراق، أمر قديم. والواقع أنّ التخوف كما يبدو هو من تطور دور لبنان وحزب الله إذا انتهت الحرب في سورية، بانتصار النظام.
يُعلّق فؤاد السنيورة على مواقف وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان، الذي التقى الحريري قبيل استقالته، التي جاءت من السعودية، “ماذا يمكن أن يقول عندما يتعرض بلده لهجمات من فئات يقف وراءها حزب الله وإيران، وتنظم مؤتمرات وندوات تجمع الأعداء الذين يقومون بأعمال ضد السعودية”. وهذا التعليق يشير للقلق السعودي من دور لبنان من هيمنة حزب الله وحلفائه في المرحلة المقبلة، ليكون قاعدة في التجاذب السعودي الإيراني، لصالح الطرف الثاني.
عندما انتصر حزب الله في حروبه ضد الإسرائيليين عامي 2000 و2006، توافر لديه فائض قوة ترجمه بزيادة نفوذه الداخلي في لبنان، ولتبرير ذلك وضع الأمر في سياق “الممانعة والمقاومة” واتهم أي طرف آخر، صراحةً أو ضمناً، مثل السنيورة أو الحريري بالخيانة، والآن إذا خرج الحزب منتصراً في سورية، سيكون فائض القوة أكبر بكثير، والتحالف مع النظام السوري أكبر، والتبعية العضوية لنظام الولي الفقيه الإيراني أكبر. وهذه القوة لا شك ستزيد من القلق الإسرائيلي، ولكن فرص حالة الردع المتبادل ستبقى هي المرجّحة لمنع الحرب، بينما ستكون فرص زيادة نفوذ حزب الله سياسياً، ولعب دور الوكيل للنظام السوري في تسيير الشأن اللبناني، كما كان عليه الأمر طوال عقود كان الجيش السوري موجوداً فيها في لبنان هي الأكبر، مع اعتماد طهران بشكل أكبر على الحزب كذراع استراتيجي خصوصاً بمواجهة الخصوم العرب، وورقة تقلق الإسرائيليين، وتسمح للنظام الإيراني باستمرار اكتساب الشرعية كقوة ممانعة ومقاومة.
من هنا فإن استقالة الحريري، هي جزء من مفاوضات ما بعد الحرب في سورية، وفي جزء منها على الأقل محاولة لقطع الطريق على استثمار حزب الله لانتصاراته في سورية على شكل نفوذ في لبنان، يخدم الحزب وقوته داخلياً، ويخدم نظامي طهران ودمشق، ويُقلق الرياض بشأن المسألة الإيرانية.
Social Links: