التعريف الإجرائي بناء على المقاربة المفاهيمية السابقة يمكن تعريف رأس المال الاجتماعي، بأنه ما تم تراكمه في مجتمع ما،أفرادًا وجماعات ومؤسسات من قيم و روابط وشبكات اجتماعية مبنية على الثقة المتبادلة بين أفراده وجماعاته، ومؤثرة ومتأثرة بالمؤسسات المجتمعية الناظمة للحياة العامة التي تسهل التعاون والتضامن بين أفراد المجتمع، ويرسخ رأس المال الاجتماعي أسس التماسك والاندماج الاجتماعي، ويعمل بشكل حثيث لخلق الإنسان الحر والواعي والمنتج والقادر على خدمة الصالح العام. وتعتبر القيم والأخلاق المشتركة جوهر رأس المال الاجتماعي، بما ُترسخه الحريات العامة والخاصة وتحفظ كرامة الإنسان واستقلاله وحريته، وتعمل على توجيه عمله وسلوكه خدمة للصالح العام وبشكل لا يتعارض أو يتناقض مع أهدافه وطموحاته وكينونته كفرد مستقل وحر وواع ومنتج. وتعزز الأخلاق والقيم الروابط المدنية وتساهم في انعتاق الفرد من الروابط الأولية التي تعكس عدم نضجه أو نضج المجتمع الذي ينتمي إليه (راسل، 2009). كذلك الأمر، فإن الروابط والشبكات الاجتماعية تعد صلب رأس المال الاجتماعي، بما تحققه من اندماج الفرد وتواصله مع المجتمع وتعزيز العمل الطوعي الواعي المنتج وترسيخ الثقة المجتمعية التي تؤدي إلى التماسك والتضامن الاجتماعي على أساس الاحترام المتبادل والأهداف المشتركة العامة. وكلما سادت القيم الفردية التي تتناقض مع الصالح العام، كلما انفصل الفرد عن مجتمعه الأولي، ولم يجد بديلا يربطه بالعالم وبالآخرين، وفقد سيطرته على ذاته وموارده وطاقاته، مما يؤدي ذلك إلى نكوصه وعودته إلى الروابط الأولية المتمثلة بالعائلة أو القبيلة أو القومية أو الجماعية الدينية أوالطائفية، وزاد من تعصبه. وكلما فشل الإنسان في تحقيق ذاته وفي قدرته على تنمية طاقاته وقدراته، تعززت مشاعر الخوف وعدم الأمان، وتعززت قيم الخضوع والتبعية والاستعباد والتسلط في المجتمع، وزادت من العصبية والقبلية والطائفية، وجعلته يسلم أمره لقوى أقوى منه تتسلط عليه وعلى خياراته وقدراته وموارده سواء كانت هذه القوى مجموعة البنى الاجتماعية الرجعية أو أنظمة استبدادية (بركات، 2006). يتقاطع التعريف الإجرائي الذي اعتمده التقرير في التحليل مع العديد من الدراسات والأدبيات من حيث أن رأس المال الاجتماعي هو منتج اجتماعي جماعي ُبني وتراكم من قبل المجتمع من خلال التفاعلات والعلاقات بين وضمن الأفراد والجماعات المختلفة على أساس الأخلاق والقيم والعادات والتفاهمات الحاكمة في المجتمع والمبنية على درجة معينة من الثقة المتبادلة والتي تعزز التضامن والتعاون والاندماج والتماسك في المجتمع. وبشكل قياسي فإن رأس المال الاجتماعي ُيقسم إلى ثلاث مكونات ومضامين أساسية وهي العلاقات والشبكات الاجتماعية والثقة المجتمعية والقيم والتوجهات المشتركة المنهجية. لقد دفع الاهتمام برأس المال الاجتماعي إلى محاولات متعددة لصياغة المفهوم وتوحيد طرق القياس2، على الرغم من صعوبات القياس المختلفة المرتبطة بتحديات تحديد المفهوم والفصل بين رأس المال الاجتماعي ونتائجه ومصادره إلا أن عدم قياس رأس المال الاجتماعي يبقي خصائصه وإمكانياته مجهولة (دورلوف، 2002). إن قياس رأس المال الاجتماعي يسهم في تحديد العوامل التي تسهم في جعل البيئة مناسبة لتطويره، والعوامل التي تؤدي إلى تدهوره. وقد وضحت هيئة تقييم الأداء الاقتصادي والتقدم الاجتماعي التي قدمت مقاربة جديدة لفهم الثروة ونوعية حياة الأفراد والاستدامة، أن رأس المال الاجتماعي هو جزء رئيسي من ثروة ومقومات المجتمع التي تنعكس إيجابًا على نوعية حياة أفراده (ستيغلتز وآخرون،2009). وقد بذلت العديد من الجهود للاتفاق على طرق لقياس رأس المال الاجتماعي من حيث المفهوم وأدوات البحث بما ُيمكن من المقارنة الدولية، ويساعد في تحليل علاقته بالمتغيرات التنموية الأخرى (نصر وهلال، 2007). وقد قدمت منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، إطارًا لقياس رأس المال الاجتماعي اعتمد على أربع مقاربات لرأس المال الاجتماعي: العلاقات الشخصية، والشبكات الاجتماعية، والانخراط في العمل المدني، ومعايير الثقة والتعاون. (سكرايفنس وسميث، 2013). ويتم قياس رأس المال الاجتماعي على عدة مستويات: الأفراد، المنظمات، المجتمعات، وعند تنفيذ القياس على المستوى المجتمعي المحلي أو الوطني يتم استخدام أدلة مركبة لتشمل عدد من المؤشرات التي تعكس مستوى رأس المال الاجتماعي في المجتمع، ومثال ذلك دراسة بوتنام، ودراسة البنك الدولي اللتان تقيسان رأس المال الاجتماعي على المستوى المجتمعي (أكاه، 2014). وتظهر الأدبيات تحديات استخدام تجميع للبيانات الفردية لقياس ظاهرة مجتمعية، فلا تقاس الثقة المجتمعية على سبيل المثال بتجميع الثقة على المستوى الفردي. من جهة أخرى توصي العديد من الدراسات بعدم استخدام متغير واحد لقياس رأس المال الاجتماعي بل استخدام عدة مؤشرات ومتغيرات، بما في ذلك تطوير الأدلة المركبة، حتى تكون مقاربة المفهوم أكثر دقة (فان ديث، 2003). وهناك عّدة مراحل تمّر بها عملية تكوين الدليل المرّكب،بما في ذلك تحديد وانتقاء المؤشرات التي تعكس المكونات الرئيسية لرأس المال الاجتماعي، وطرق معيرة المؤشرات، وتثقيلها، وتجميعها؛ أّما المرحلة الأخيرة فهي اختبار مدى حساسيتها (لارسن وآخرون، 2007). وتنطوي عملية تطوير الدلائل المرّكبة على عدد كبير من التحّديات المنهجية مثلا الاعتماد على أحكام الخبراء، التي يمكن أن تترافق بشيء من عدم اليقين،كما أّن إعطاء أوزان ترجيحية للمؤشرات الفردية هو بمثابة تحٍّد آخرفي تكون دليل مرّكب (منظمة الصحة العالمية، 2017). بناء دليل رأس المال الاجتماعي تظهر أهمية القياس أكثر في ظل النزاع المسلح حيث تزداد أهمية معرفة التفاعلات الجديدة خلال الحرب، وتوجيه التدخلات لتخفيف أو تجاوز آثار العنف على رأس المال الاجتماعي. وفي هذا الإطار قام فريق البحث بتصميم أدوات البحث المتعلقة بمسح حالة السكان في القسم الاجتماعي بحيث تمكن من تشكيل دليل لرأس المال الاجتماعي، بالاستناد إلى مكوناته الرئيسية. وقد تم اعتماد اختيار المؤشرات على مراجعة الأدبيات ومشاورات الخبراء، وعليه تم إعداد أسئلة مسح حالة السكان (القسم الاجتماعي)، حيث تضمنت الاستمارة أسئلة عن الشبكات الاجتماعية والثقة والقيم والمعايير. علمًا بأن وحدة التحليل هي المجتمع المحلي، إذ استخدم المسح منهجية مركبة لتناسب ظروف النزاع، والمبنية على دراسة على مستوى المناطق المدروسة التي غطت سوريا بالكامل. وتضمنت منهجية المسح إجراء مقابلات مطولة مع ثلاثة أشخاص مفتاحيين في كل منطقة مدروسة، وتم استخدام أسئلة كمية ونوعية لمعرفة حالة السكان في المنطقة المدروسة بما في ذلك الحالة الديمغرافية والاقتصادية والاجتماعية قبل الأزمة وفي فترة المسح، أي منتصف عام 2014. وتضمن المسح معايير لدمج البيانات على مستوى المنطقة من خلال إعادة تنفيذ الاستبيان في حال وجود تناقض واضح بين الاستماراتالثلاث،ويتوسع الملحق1 فيشرح منهجية المسح (المركز السوري لبحوث السياسات،2016). وفق التعريف الإجرائي يمكن تحديد دليل لرأس المال الاجتماعي باستخدام مقياس تجميعي له ثلاثة مكونات ُيثقل كل منها بالتساوي، وتعامل المؤشرات المركبة ضمن كل بعد بالتساوي (جدول 1). المكون الأول هو العلاقات والشبكات الاجتماعية والتي ُيمكن قياسها من خلال أربع مؤشرات أساسية هي، المشاركة في اتخاذ القرار، والعمل التطوعي، والتعاون لحل المشاكل، ومشاركة المرأة؛ المكون الثاني هو الثقة المجتمعية، ويتم قياسه من خلال مؤشرين أساسيين هما الثقة بين الأفراد ومدى الشعور بالأمان؛ أما المكون الثالث فهو القيم والتوجهات أو التفاهمات المشتركة، ويتم قياسه من خلال درجة التوافق بين أبناء المجتمع على رؤية مشتركة للمنطقة، ودرجة التوافق بينهم على رؤية مشتركة على المستوى الوطني، إضافة إلى مكانة المرأة في المجتمع. وتجدر الإشارة أن الدليل ُيحسب على المستوى الوطني كما على أي مستوى جغرافي بما في ذلك المحافظات والنواحي، كما يقيس رأس المال الاجتماعي قبل وأثناء الأزمة، وهذا يؤدي إلى تعميق فهم الحالة الاجتماعية في سوريا وأثر الأزمة عليها، مما يساهم في التوصل إلى استراتيجيات وسياسات مناسبة. يعتمد التقرير في حساب الدليل ومكوناته ومؤشراته على البيانات التي يوفرها مسح حالة السكان لعام 2014 (ملحق 1) لفترتي ما قبل الأزمة (عام 2010) وأثنائها (2014). ومن أجل الأزمة عليه تم تصميم الدليل وفق المكونات والمؤشرات التالية: 1 – الشبكات والمشاركة المجتمعية (أربعة مؤشرات مثقلة بالتساوي): – المشاركة في اتخاذ القرار: مدى إتاحة المشاركة لجميع الأفراد وبفعالية ودون استثناء أحد في عملية اتخاذ قرار، داخل المنطقة، يتعلق بمصالح أبنائها، ويتراوح المؤشر بين خمسة خيارات هي أبدًا، ونادرًا، وأحيانًا، وغالبًا، ودائمًا. – التعاون لتجاوز المشاكل: المساعدة التي يقدمها الآخرون في حال حدوث مشكلة عامة أو مشكلة لبعض أفراد المجتمع، يتراوح المؤشر بين خمسة خيارات هي أبدًا، ونادرًا، وأحيانًا، وغالبًا، ودائمًا. – العمل التطوعي: مدى انتشار العمل التطوعي ومساهمة الجميع فيه دون تمييز، يتراوح المؤشر بينخمسةخياراتهيأبدًا،ونادرًا،وأحيانًا،وغالبًا، ودائمًا. – مشاركة المرأة: مدى مشاركة المرأة في الأنشطة الاجتماعية العامة كمبادرات التعليم والصحة والتكافل الاجتماعي، يتراوح المؤشر بين ثلاثة خيارات هي سيئ، ومقبول، وجيد. 2 – الثقة (مؤشران مثقلان بالتساوي): – الثقة بين الأفراد: مدى انتشار الثقة بين أفراد المجتمع من خلال عدد من المظاهر مثل قلة عدد الدعاوي القضائية بين الأفراد، قلة عمليات الغش والاحتيال، الميل إلى إنشاء شراكات اقتصادية، وسهولة الاقتراض بين الأفراد، يتراوح المؤشربين خمسةخيارات هي أبدًا، ونادرًا، وأحيانًا، وغالبًا، ودائمًا. – الشعور بالأمان: يرتبط بعدم التعرض مثلا لحالات القتل والسرقة والعنف والخطف إضافة إلى عدم القدرة على التنقل بحرية، يتراوح المؤشر بين خمسة خيارات هي أبدًا، ونادرًا، وأحيانًا، وغالبًا، ودائمًا. 3 – القيم والتوجهات المشتركة (ثلاثة مؤشرات مثقلة بالتساوي): – الاتفاق على رؤية للمنطقة: مدى وجود تصور عن المستقبل المرغوب للمنطقة بشكل مكتوب أو ضمني، يتراوح المؤشر بين خمسة خيارات هي لا يتفقون أبدًا، ولا يتفقون إلى حد كبير، ويتفقون إلى حد ما، ويتفقون إلى حد كبير، ويتفقون كليًا. – الاتفاق على رؤية لسوريا: مدى وجود تصور عن المستقبل المرغوب لسوريا بشكل مكتوب أو ضمني، يتراوح المؤشر بين خمسة خيارات هي لا يتفقون أبدًا، ولا يتفقون إلى حد كبير، ويتفقون إلى حد ما، ويتفقون إلى حد كبير، ويتفقون كليًا. مكانة المرأة: النظرة العامة لدور المرأة على مستوى الأسرة والمجتمع، يتراوح المؤشر بين ثلاثة خيارات هي سيئ، ومقبول، وجيد. تم تثقيل المؤشرات في المؤشر الكلي بناء على الأدبيات لدراسات مماثلة وعلى مشاورات الخبراء، وقد وصل البحث إلى صيغ بسيطة تعتمد التثقيل المتساوي للأبعاد الرئيسية. وقد تم تطبيق اختبارات الحساسية للدليل من خلال تغيير تثقيل المكونات وأشارت النتائج إلى وجود القليل من الفروقات المعنوية والتي لم تتجاوز في أعلى قيمها 8 % من قيمة الدليل وفق التثقيل المتساوي. وقد تم بناء المكونات بعد تنميط جميع المؤشرات إلى قيم بين الصفر والواحد، إضافة إلى التثقيل بعدد سكان المنطقة المدروسة وذلك عند تجميعه على مستوى المحافظة وعلى المستوى الوطني. وأخذت المكونات الثلاثة قيم بين الصفر والواحد ليتم بناء دليل رأس المال الاجتماعي وفق التالي: SCIt = 1/3 (SPt ) + 1/3 (STt ) + 1/3 (VNt) حيث: SCIt: دليل رأس المال الاجتماعي ويأخذ قيمة بين 0 و1، حيث الصفر يعكس ضعف رأس المال الاجتماعي وواحد يعني الأداء الأفضل. SPt: مكون الشبكات والمشاركة المجتمعية ويأخذ قيمة بين 0 و1، حيث الصفر يعكس ضعف المكون وواحد يعني الأداء الأفضل. STt: مكون الثقة المجتمعية ويأخذ قيمة بين 0 و1، حيث الصفر يعكس ضعف المكون وواحد يعني الأداء الأفضل. VNt: مكون القيم المشتركة والتوجهات المشتركة ويأخذ قيمة بين 0 و1، حيث الصفر يعكس ضعف المكون وواحد يعني الأداء الأفضل. ويأخذ الدليل المركب لرأس المال الاجتماعي ومكوناته قيم من 0 إلى 1 يمكن تصنيفها على النحو التالي: ضعيف جدًا 0.00 – 0.20 ضعيف 0.21 – 0.40 مرتفع جدًا 0.81 – 1.00 مرتفع 0.61 – 0.80 متوسط 0.41 – 0.60 23
Social Links: