ذات حلم ــ امل العلي

ذات حلم ــ امل العلي

ذات حلم غصت شوارع مدينتنا  بسكانها حاملين الازهار  بايديهم رافعين  اصواتهم هدير

 شلال متدفق ينادي لحرية انتظروها منذ عقود

ذلك الحلم  بان تكون إنسان في وطن يعطيك الحب والامان  والدفئ

وانت تعطيه القوة والحياة تدافع عن عزته وكرامته

تشعر انك هو وهو انت بحياته تحيى و هو بك يكبر

ذلك الحلم جعل الحياة تنبض في العروق بعدان كانت راكدة ساكنة مجرد ايام متعاقبة لا معنى لها

هكذا هي الحياة عندما تكون في  ارضك غريب في وطنك ذليل الف قيد يكبل يدك والف خوف يغلق فمك ويجعل  حنجرتك تغص بصوتك المكتوم  حتى تكاد رئتك تنفجر

عند ذالك الحلم كسروا كل القيود وهدموا كل جدران الخوف وخرجوا إلى الشوارع حتى طافت بهم

ورسموا معنى جديد للحياة

وبعد سنوات سته من ذاك اللقاء سنوات ستة شهدنا فيها كل انواع الاجرام  لوئد ذلك الحلم واغراقه بدمائنا

حتى اصبحت حياتنا مسلسل  رعب حلقاته  لا تنتهي

ولكل محافظة ومدينة وبلدة وقرية نصيب من الم

عندما تسير في شوارع مدينتي ترى ابنية جديدة تشاد هنا  وهناك

وفرق تطوعية تزور الحقيقة  برسم  لوحة على جدار وغرس شجرة في حديقة  وحفلة مسائيه في احد الصالات

وجمع اكوام القمامة على زوايا الطرقات بانتظار سيارات البلدية

تعتقد انها مدينة مفعمة بالحياة

لا مآسي لعوائل معيلها غيب في معتقل قد يكون استشهد تحت سياط جلاده

ولا احزان لام ثكلى على ولد اخذ عن حاجز واعادوه لها في صندوق ملفوف بعلم واسموه شهيد

اما اذا اردت معرفة الحقيقة عليك فقط ان  تنظر في عيون المارة محاول ان تتلمس الحياة فيها فلن تجد سوى السواد الباهت لا بريق ولا لمعان

حينها تعرف تماما انهم مجرد اشلاء انسان مرمي في طريق الاحزان

و تبحث عن اصدقاء تشابكت يدك بيدهم وتعانقت اصواتكم في استقبال حرية وطن

فلا تجد سوى  صورهم في مخيلتك فذاك غيب في معتقل واخر شهيد احتضنه تراب الوطن وذاك وضع  حلمه في حقيبة  سفر وفر هاربا  قبل ان يتحول إلى رقم

لتجد ذاتك غريب عاجز  تناضل من اجل الاستمرار على قيد الحياة لكنك تعلم في داخلك انك مجرد جزء صغير   موجود على قارعة الانتظار في مدينة كانها لم تكن يوما مدينتك معالمها تغيرت مثل سكانها

ورغم ضجيج الحياة  الذي تسمعه في الطرقات  الا ان رائحة الموت تنبعث من كل مكان

تنبعث من المشفى الذي يغص بالجثث القادمة من معارك الشرق والغرب

تماما مثلما تنبعث من محلات ((التعفيش)) التي تغص بمسروقات حماة الديار الذين  قاموا بتنظيف المنازل بعد تحريرها من سكانها

مدينتي جزء صغير من سوريا ربما لم تطالها البراميل المتفجرة كباقي المدن وربما لم تضرب  بالكيماوي ولم يختنق اطفالها مثل اطفال الغوطه لكنهم كل يوم  يقتلوا مع ترديد الشعار الصباحي في المدارس شعار الحزب القائد

مع اغاني الذل التي تدربهم على الرقص على نغماتها مدرسة الرياضة

تماما مثلما كنا نقتل نحن على مدى خمسين عام

عندما تمر في مدينتي تعتقد للحظة  الاولى انها لم تحلم يوما لم ترفض الذل لم ترفع صوتها مطالية بالحرية

لكن عندما  تتغلغل في شوارعها  وتدخل

وتدخل  بيوتها  تعلم جيدا كم هي مدينة حالمة وتواقة للحرية وتعلم انها ليست حديثة العهد على الثورة والتمرد بل هي اولى المدن الثائرة ليس اليوم فقط او منذ ستة  اعوام مضت بل منذ خمسين عام

  • Social Links:

Leave a Reply