نفط العراق وسكر كوبا –   علي سفر

نفط العراق وسكر كوبا –   علي سفر

نفط العراق وسكر كوبا

  علي سفر

للعراق ديون على كوبا، تذكّرها قادته الحاليون، فطالبوا بها، لكن قلعة الثورة الشيوعية في الكاريبي، لم تستجب لطلبهم في تسديد الديون القديمة، وعرضت بدلاً من دفع ملايين الدولارات خدمات طبية وتعليمية تقدمها الكوادر الكوبية للعراقيين!

في واقع الأمر، لا يملك الكوبيون حالياً كما في السابق، أي إمكانيات مالية كبيرة، هم الذين  كانوا يستثمرون في مقدراتهم القليلة من أجل الصمود ضد حصار أمريكي استمر لعشرات السنين، لقد كانت جزيرة الكاريبي مغلقة بشكل عام على العالم، منذ ماضيها الذي شكلت الثورة فيه عام 1959 نقطة تحوله الأبرز، وحتى سنوات خلت تم خلالها كسر الحصار عبر تبدلات السياسة الأمريكية، وصولاً إلى انتقال سلمي للسلطة جرى قبل أيام، تنازل فيه راؤول كاسترو عن رئاسة البلاد لرئيس جديد.

كان الكوبيون المبتلون بحكم ديكتاتوري يشبه ديكتاتوريات الشرق الأوسط يحاولون البقاء وسط الأمواج السياسية الهائلة التي تحيط بجزيرتهم، وبموارد بسيطة جداً، لهذا نمت لديهم إمكانيات ذاتية تجعلهم يبادلون المعرفة والعلم بالمال!

لقد تم طرد الجميع خارج أوطانهم، أو تم تدمير إمكانياتهم

لكن واقع العراق العظيم، صاحب الثروات والمقدرات المادية والبشرية، أتى حالياً من ماضٍ ثريٍ، بددته الديكتاتورية، إلى راهن حاليٍ مشبع بالصراعات والحروب، ترتهن فيه الطبقة السياسية الحاكمة للعصبيات والمرجعيات الدينية والقبلية داخلياً، ولسياسات الدول الإقليمية المسيطرة على بعض مكوناته، والقوى العظمى التي تتصارع عليه وعلى مقدرات الإقليم كله. فتبدى مشهده العام عن فقرٍ هائلٍ أصاب عموم الشعب العراقي، ودمار أشد هولاً من كل ما سبقه على المنطقة . حتى صار من الطبيعي أن تعقد لأجل العراق مؤتمرات المانحين، الذين يقدمون مبلغاً هنا ومبلغاً هناك من أجل إعادة الإعمار، في ظل فساد مرعب أصاب جسد الدولة العراقية!

ولكن هل يعقل أن يحتاج العراقيون إلى دعم تقني وطبي من الكوبيين، يبادل به هؤلاء ديونهم المستحقة للخزينة العراقية؟ ألم يكن العراق قلعة علمية يشهد لها في تاريخ المنطقة؟ أين أولئك الذين بذلت الملايين لتعليمهم، ليكونوا أطباء ومهندسين وعلماء وفنانين..؟

يستطيع أي عراقي أن يجيب عن هذا السؤال، ويستطيع أي سوري أو مصري أو ليبي أو يمني أن يفعل الأمر ذاته في حال نقلت السؤال إليه؛ لقد تم طرد الجميع خارج أوطانهم، أو تم تدمير إمكانياتهم، فباتوا يصارعون من أجل البقاء في مواجهة واقعٍ متخلف وإدارات حكومية لا تدير شيئاً سوى الحروب والقمع وتأبيد التخلف!

وطبقاً لهذه المعادلة التي يمكن تطبيقها ببساطة على البلدان العربية كلها بنسب مختلفة، يمكن لكوبا المحاصرة طيلة أكثر من نصف قرنٍ أن تعادل في مقدرات التعليم وفي مجالات الطب والهندسة والتنمية البشرية بشكلٍ عام كل هذه الدول، لقد سمعنا ومر علينا بشكل طبيعي وجود مبتعثين عرب إلى كوبا، يدرسون هناك في جامعاتها، ولكن لم يمر مطلقاً وجود كوبي يدرس العلوم في جامعات أي بلد عربي، خلا أولئك الذين يدرسون اللغة العربية في المعاهد المخصصة للأجانب!

سيقول قائل: كيف تستوي لديكم هذه المقارنة دون النظر في الشرط التاريخي، وتأمل الظرفين الذاتي والموضوعي، وإيلائهما حقهما في القراءة والتمحيص؟!

هنا لابد من أن نجيب عن السؤال عبر الإحالة إلى الواقع ذاته، بعد أن نرسم خط التحولات من الماضي إلى الحاضر؛ المسألة ليست بالتفاضل بين الديكتاتوريات، فهي كلها في المحصلة تطرد البشر وتقضي على طموحاتهم، وكوبا ذاتها لديها فاقد هائل من المقدرات بسبب هروب عشرات الآلاف من كوادرها إلى الولايات المتحدة هرباً من سلطة الحزب الشيوعي القمعية، ولكنها تستطيع أن تسدد ديونها عبر تقديم التقنيات بدلاً من المال، ولكن ماذا لدى الأنظمة العربية لتقدمه لدائنيها سوى بيعها البلاد حجراً حجراً، ماذا فعلت طيلة العقود السابقة سوى تبديدها الثروات بأرخص الأثمان مقابل البقاء في كراسي السلطة، فضلاً عن سياسات النهب والسرقة، وطرد المواطنين من أوطانهم عبر القمع والحروب والموت في المعتقلات..!

  • Social Links:

Leave a Reply