فوكوياما يعيد النظر في أفكاره: – الاشتراكية يجب أن تعود – 2/3

فوكوياما يعيد النظر في أفكاره: – الاشتراكية يجب أن تعود – 2/3

الحوار المتمدن – آلان وودز

نتابع في الرافد نشر الجزء الثاني من مقال آلان وودز السياسي الماركسي ورئيس تحرير النشرة الماركسية “نداء اشتراكي”  الصادرة بلندن، الذي حمل عنوان “فوكوياما يعيد النظر في أفكاره: الاشتراكية يجب أن تعود”  نقلا عن موقع الحوار المتمدن.

 

فوكوياما لا يقدم أي حل

إنها من الأمور التي تبعث على الارتياح بالطبع أن نرى أن حتى هذا المدافع الشرس عن الرأسمالية قد بدأ يفهم طبيعتها الرجعية. ومع ذلك فإن فوكوياما يتصرف مثل الطبيب الذي، بعد إعطاء قائمة شاملة للغاية لأعراض المرض الذي يعانيه مريضه، يفشل في تقديم وصفة لعلاج.

يدرك فوكوياما الحرمان الرهيب الناجم عن ويلات رأس المال المالي وفوضى نظام السوق. لقد توصل إلى وجهة النظر التي يشاطرها معه عدد متزايد من الناس بأنه يجب ممارسة الرقابة على الاقتصاد. لكنه لم يصل إلى استخلاص الاستنتاج الضروري، وهو أن الاحتكارات الضخمة والبنوك، التي تمارس ديكتاتورية وحشية على العالم بأسره يجب أن تنتزع بشكل كامل من أيدي الخواص.

إنه من ناحية يدعو إلى العودة إلى الاشتراكية. لكن المشكلة هي أنه لا يمتلك أي فكرة عما تعنيه الاشتراكية، إذ يقول إن “الملكية العامة لوسائل الإنتاج” لن تنجح (ما عدا بالنسبة للمرافق العمومية). لكن فوكوياما نفسه استنتج أن الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج هي التي فشلت، أو بالأحرى أنها تعمل على حساب التقدم الاقتصادي والاجتماعي وتسبب البؤس والفقر والمآسي بالنسبة للغالبية العظمى من البشر.

لقد صار من الواضح الآن حتى لأكثر الناس فقدانا للبصيرة أن الاقتصاد الرأسمالي هو أفضل وصفة للفوضى والاضطراب والتبذير وسوء الإدارة والفساد على نطاق واسع. والأسوأ من ذلك هو أن الجشع الجامح من أجل الربح، والذي يعتبر القوة المحركة الوحيدة لهذا النظام، يدمر البيئة ويسمم الهواء الذي نتنفسه والطعام الذي نأكله والبحار والغابات التي تشكل أساس كل الحياة على هذا الكوكب.

إن المشاكل الجدية تتطلب حلولا جدية. لقد سبق للاشتراكي الإسباني، لارغو كاباييرو، أن قال ذات مرة إنه لا يمكنك علاج السرطان بحبة الأسبرين. يدافع فوكوياما عن تأميم المرافق العامة لأن ذلك “مطلوب بوضوح”. ونحن نتفق معه كليا. لكن لماذا ليس ذلك مطلوبا بالنسبة للبنوك، على سبيل المثال، والتي أثبتت عجزا كاملا عن إدارة ومراقبة كميات هائلة من أموال الناس بطريقة مسؤولة؟

كانت المضاربات الإجرامية والفساد وعدم كفاءة البنوك هي الأسباب المباشرة للأزمة المالية لعام 2008، والتي ما نزال نعيش تبعاتها. وفي النهاية صار هؤلاء المدافعون المتحمسون عن اقتصاد السوق الحر، الذين عارضوا أي اقتراح لتدخل الدولة في الاقتصاد، يحتاجون من الدولة إنقاذهم عن طريق ضخ كميات هائلة من المال العام في صناديقهم.

وبدلا من إرسالهم إلى السجن، الذي يستحقونه بشكل كامل، تمت مكافأتهم على عدم كفاءتهم بمبالغ هائلة من الميزانية العامة. هذا هو السبب في أننا نواجه اليوم عجزا عموميا هائلا، والذي يقال لنا إنه يجب أن ندفع لتقليصه. الفقراء يدعمون الأغنياء، في ما يشبه حكاية روبن هود لكن بشكل معكوس.

وفي الوقت نفسه يتم إعلامنا بأنه لا توجد أموال لدفع تكاليف تلك الأشياء غير الضرورية مثل المدارس والمستشفيات ورعاية المسنين والمعاشات التقاعدية والتعليم والطرق والمرافق الصحية، والتي هي كلها في حالة مزرية في بريطانيا وغيرها من بلدان العالم الغنية.

إذا كان هناك من قطاع اقتصادي يحتاج بشكل عاجل للتأميم فهو البنوك الكبرى. لماذا يرغب فوكوياما في إبقائها في يد الخواص؟ إذا اقتصر التأميم على المرافق العامة، فإن أهم قطاعات الاقتصاد ستبقى كما هي في أيدي نفس تلك الأوليغارشية التي ينتقدها فوكوياما. وبالتالي فإن هذا النوع من “الاشتراكية” لن يحل شيئا على الإطلاق.

من الواضح أن المشكلة الرئيسية هنا هي أن فوكوياما يخلط بين الاشتراكية وملكية الدولة وبين ذلك النظام البيروقراطي والشمولي الذي ساد في الاتحاد السوفياتي. إن ذلك النظام فشل بالتأكيد، وكان من المحتم عليه أن يفشل. لقد سبق لتروتسكي أن أشار إلى أن الاقتصاد المخطط المؤمم يحتاج إلى الديمقراطية تماما كما يحتاج الجسم البشري إلى الأوكسجين.

يجب ألا يكون هناك أي تناقض بين الاقتصاد المؤمم والمخطط وبين أكمل أنواع الديمقراطية. إن الاشتراكية الحقيقية تعتمد على مشاركة العمال الأكثر نشاطا، سواء في إعداد خطة الإنتاج أو في تنفيذها. لا نعني بهذا البروليتاريا الصناعية وحدها، بل كل الفئات المنتجة: العلماء والاقتصاديون والتقنيون والمديرون.

فبدون رقابة العمال وإدارتهم، سيتعرض الاقتصاد حتما للشلل وسيتوقف، وهو ما حدث بالضبط في الاتحاد السوفياتي. كما توفر لنا التجربة الفنزويلية دليلا أكثر وضوحا على مخاطر سيطرة البيروقراطية على الاقتصاد المؤمم.

 

الطريق الصيني؟

يبدو من المقال أن فوكوياما يعتقد أن البديل الوحيد المعقول للديمقراطية الليبرالية ليس الاشتراكية، بل هو نموذج رأسمالية الدولة المطبق في الصين:

«يقول الصينيون صراحة بأن نظامهم متفوق لأنهم يستطيعون ضمان الاستقرار والنمو الاقتصادي على المدى البعيد بطريقة لا يمكن للديمقراطية تحقيقها… فإذا ما مرت 30 سنة أخرى وصاروا أكبر من الولايات المتحدة، وصار الصينيون أكثر ثراء واستمرت البلاد متماسكة، فإني سأقول إن لديهم حجة حقيقية».

لكنه حذر من أن “الاختبار الحقيقي للنظام” سيكون هو كيف سيتصرف في مواجهة أزمة اقتصادية.

يظهر ارتباك فوكوياما بشكل واضح للغاية من خلال هذه الأسطر. لقد كان تجريبيا انطباعيا قبل 26 عاما عندما كانت لديه أوهام في اقتصاد السوق لأنه كان يبدو وكأنه يتقدم باستمرار. وما يزال تجريبيا انطباعيا حتى اليوم، باستثناء أن إعجابه بالصين قد ازداد بنفس الدرجة التي تراجع بها إعجابه بالرأسمالية الغربية (“الليبرالية”).

صحيح أن الاقتصاد الصيني قد تقدم بسرعة خلال العقود القليلة الماضية . لكنه بعد أن دخل إلى الاقتصاد الرأسمالي العالمي فقد ورث كل تناقضات الرأسمالية. تعاني الصين الآن من فائض الإنتاج، مما أدى إلى انخفاض معدل النمو وزيادة البطالة.

لقد بلغ معدل النمو الرسمي للصين هذا العام 6,5%. لكن الصين تحتاج على الأقل إلى معدل نمو يساوي 8% سنويا لكي تتمكن فقط من استيعاب نمو السكان. وعلاوة على ذلك، وكما يلمح فوكوياما، فإن الاقتصاد الصيني عرضة للصدمات الاقتصادية الناشئة عن الاقتصاد العالمي، عندما يجد صعوبات متزايدة في تصريف فائض إنتاجه وهو في حرب تجارية مفتوحة مع أمريكا.

من المثير للسخرية أيضا أن ذلك الرجل الذي يدعي أنه مدافع عن الديمقراطية الليبرالية هو نفسه الذي صار ينظر إلى الصين كمثال، بالنظر إلى أن النظام الصيني غير معروف باحترامه لحقوق الإنسان والديمقراطية. إن الصين في الواقع تجمع بين بعض من أسوء سمات الشمولية الستالينية وبين أسوء سمات الرأسمالية. على طول هذا الطريق لا يوجد أمل لعمال الصين أو أي بلد آخر.

  • Social Links:

Leave a Reply