يوم السبت صدر قرار من الحكومة السورية بإغلاق الأسواق في كافة أنحاء البلاد، وقبله صدرت مجموعة من القرارات حول تعطيل العمل في المدارس والجامعات وعدد من الهيئات الحكومية، وإغلاق المطاعم وأماكن التجمعات. ومساء الأحد، أُعلن بشكل رسمي عن أول حالة إصابة بفيروس كورونا في سوريا، لندخل في عداد دول العالم المتصارعة مع هذا المرض الجديد.
أحاديث معظم الناس في الطريق، على قلتهم، هي حول مستقبل مجهول.
رجلان يقفان إلى جانب عربة جوالة لبيع المشروبات الساخنة، أحدهما يقنع الآخر بإقفال العربة والعودة للمنزل، والثاني يجيبه بألا مناص من انتظار بعض الزبائن، فعليه أن يجني بعض النقود قبل انتهاء اليوم، “وإلا لن نأكل”، يقول. هذا القلق هو عامل مشترك اليوم بين آلاف السوريين الذي لم تترك لهم الحرب سوى مصادر رزق قليلة، ومعظمها يعتمد على أعمال يومية غير ثابتة، إن توقفت، لن يحصل أبناؤهم على قوت يومهم.
أتذكر ما يُقال عن كورونا، بأنه مرض وحّد العالم، وساوى بين الجميع، فقراء كانوا أم أغنياء، لا أدري من هو صاحب هذه النظرية، لكنها خاطئة دون شك. هذا المرض، وغيره، يستحيل أن يساوي بين من طحنت الحرب حياتهم، وبين من مرت الحرب إلى جانبهم دون أن تمسهم، وبين من لم يعرفوها يوماً. هو لعنة، كما هي الحرب، أو أكثر، والفقراء لا يملكون ترف مواجهته.
أتذكر ما يُقال عن كورونا، بأنه مرض وحّد العالم، وساوى بين الجميع، لكن هذا ليس صحيحاً. هذا المرض، وغيره، يستحيل أن يساوي بين من طحنت الحرب حياتهم، وبين من مرت الحرب إلى جانبهم دون أن تمسهم، وبين من لم يعرفوها يوماً. هو لعنة، كما هي الحرب، أو أكثر، والفقراء لا يملكون ترف مواجهته
أراقب وجوه الناس بتمعن أكبر، وأنتبه إلى كيفية وضعهم للكمامات، أشعرُ وكأنها تعكس لا مبالاتهم بكل ما يجري حولهم. البعض يضعها حول الرقبة، وينشغل بالتدخين أو تناول طعام ما، آخرون تبدو الكمامة أكبر أو أصغر من وجههم.
فقط، أولئك الواقفون على طوابير المواد الغذائية كالسكر والأرز، في الصالات الحكومية التي تبيع تلك المواد بالأسعار المدعومة، تبدو عليهم اللامبالاة المطلقة. لا يكترث أي منهم بارتداء كمامات أو قفازات، ولا بالتباعد الاجتماعي الذي يفرض إبقاء مسافة متر على الأقل بين كل شخص وآخر، لمنع انتقال الفيروس القاتل. أشعر وكأن مئات الأسئلة تقفز من عيونهم وتتجه نحوي: “ما جدوى كل ما نفعله؟ إن لم نمت بالمرض سنموت بالفقر”. يريدون الانتهاء من الحصول على مخصصاتهم، الأقل سعراً من الأسواق الأخرى بمئة أو مئتي ليرة، والعودة على وجه السرعة إلى منازلهم.
على غير العادة، لم ألمح اليوم أي طفل يلاحق المارة ليبيعهم البسكويت أو المحارم، وهي ظاهرة انتشرت بشكل كبير في دمشق خلال السنوات الأخيرة مع ارتفاع نسبة الفقر والتشرد. أفكر: “أين ذهب الأطفال والعجائز الذين اعتادوا التجول كل يوم هنا؟ من أين سيحصلون على ما يملأ بطونهم الفارغة؟ الجميع في منازلهم. لمَ لا يقصدون تلك المنازل واحداً واحداً، بدلاً من انتظار سكانها كي ينزلوا إليهم في الشارع؟”. فكرة غبية بالتأكيد.
Social Links: