آل بري يذلّون أمن حلب العسكري:أكثر من صراع عائلي

آل بري يذلّون أمن حلب العسكري:أكثر من صراع عائلي

المدن

تداول ناشطون وحسابات مؤيدة للنظام على مواقع التواصل الاجتماعي، تفاصيل إضافية حول حادثة الاعتداء الأخير الذي قام بها شبيحة معروفون في مدينة حلب، ضد دورية تابعة لفرع الأمن العسكري، ما أدى لإصابات بين عناصر الدورية، بعضها خطير.

الحادثة التي وقعت في 18 أيار/مايو جرى التستر عليها واكتفت وسائل الإعلام المقربة من النظام حينها بالقول “إن شجاراً حصل بين مجموعة من الدفاع الوطني وقوة أمنية”، قبل أن يتبين لاحقاً أنه حادث اعتداء كبير ومنظم نفذته ميليشيا شبيحة “آل بري”، وليس مجرد رد فعل أو شجار كان وليد اللحظة والصدفة.

وفي التفاصيل، فإن دورية تابعة لفرع الأمن العسكري أوقفت شاباً في “حي المارتيني” غرب مدينة حلب، كان يقود سيارته بسرعة كبيرة خلال وقت حظر التجول المطبق بسبب فيروس كورونا، ليتفاجأ عناصر الدورية بتدخل العشرات من آل بري على الفور لمساندة الشاب والاعتداء على عناصر الدورية بالضرب المبرح وإطلاق الرصاص الكثيف على سيارتهم وفي الهواء.

حسن شعبان بري

وتعيش المنطقة توتراً مزمناً منذ افتتاح، حسن بري، أحد زعماء الشبيحة المعروفين، ومن وجهاء العائلة، مضافته فيها، حيث فضل الكثير من سكان الحي بيع منازلهم بأسعار زهيدة بسبب حوادث الاعتداء والزعرنة التي يقوم بها أتباع حسن بري.

والأخير هو ابن الزعيم الأشهر للعائلة، شعبان بري، المتوفى في سبعينيات القرن الماضي، بعد أن وطّد علاقة متينة مع الرئيس السابق حافظ الأسد، عززت من مكانته كزعيم لعشيرة جيس (قيس) في حلب والرقة، ومنحت ثلاثة من أبنائه لاحقاً مقعداً توارثوه في مجلس الشعب، كان آخرهم حسن بري، صاحب المضافة المذكورة ومتزعم أكبر ميليشيات الشبيحة في حلب منذ بداية الثورة، عقب مقتل شقيقه زينو بري على يد فصائل المعارضة عقب دخولها حلب صيف 2012.

واقعة أفقدت أبناء شعبان بري مكانتهم السابقة كزعماء مطلقين للعشيرة، ودفعت بمنافسهم وابن عمهم “عبدالملك” إلى الواجهة التي تسيدها طيلة السنوات الثمان الماضية، مستفيداً من علاقاته الواسعة داخل النظام، وثروته الكبيرة التي جناها من عمليات التهريب وتجارة المخدرات، مقابل اقتصار أعمال أبناء “شعبان” على الأتاوات والخطف والتشليح، مستفيدين من التسامح الكبير من قبل النظام “تكريماً لتضحياتهم في قمع الاحتجاجات والقتال ضد الثوار والمعارضة”.

لكن التنافس الشديد بين الأسرتين استؤنف بقوة العام الماضي، مع تجديد “حسن شعبان بري” مساعيه لاستعادة زعامة العشيرة، والذي كان أبرز مظاهره الهجوم الكبير الذي شنه أتباعه في كانون أول/ديسمبر 2019 ضد “لواء الباقر” في “حي باب النيرب”، وهو لواء يقوده زعيم عشيرة “البكارة” في حلب، خالد حسن المرعي، وهو أيضاً نجل متزعم ميليشيا شبيحة قتل في حلب عام 2012 أيضاً على يد المعارضة، حيث أفضى الهجوم حينها إلى سيطرة آل بري على الحي الواقع شرق حلب، والذي يعتبر معقل العشائر في المدينة.

شهدت تلك الحادثة بروز ملمح آخر يتعدى هزيمة “لواء الباقر” المدعوم من قبل إيران، والذين تشيع معظم عناصره خلال السنوات القليلة الماضية، إذ وإلى جانب ذلك، بدا واضحاً الدعم الذي تحصل عليه “حسن بري” من قبل فرع المخابرات الجوية، مقابل المساندة التي قدمها فرع الأمن العسكري ل”لواء الباقر” والعشائر الأخرى المنافسة لآل بري، مثل “العساسنة” و”السخانة”، الأمر الذي تم تفسيره وقتها بأنه أحد مظاهر التنافس والصراع أيضاً بين روسيا وإيران، اذ اعتبر الأمن العسكري في حلب محسوباً على موسكو، على الأقل طالما أن المخابرات الجوية ساندت “لواء الباقر” التابع لإيران في تلك الحادثة.

وبغض النظر عن مدى دقة هذا الربط، فقد نجح حسن بري بتسجيل عودة قوية للواجهة، ومنذ ذلك الوقت ازداد عدد أتباعه، وخاصة من أبناء العشيرة الذين كانت الغالبية العظمى منهم قد التفوا حول الزعيم الجديد عبدالملك، وبدأت ميليشيا حسن بري بزيادة عملياتها التي صنفت على أنها في سياق تكريس هذه العودة، وخاصة ضد مليشيات الشبيحة الأخرى أو أجهزة الشرطة والأمن، والتي كان آخرها الحادثة التي وقعت قبل أسبوع في “حي المارتيني”.

لكن الاعتداء الأخير على دورية تابعة لفرع الأمن العسكري يكتسي أهمية إضافية، باعتباره وقع في حي تابع أمنياً لهذا الفرع، كما أنه ربما يحمل رسالة موازية للمنافس الآخر على زعامة العشيرة، عبد الملك بري، إضافة طبعاً إلى التفاصيل الجديدة التي تم كشفها حول الحادثة، والتي أكدت أن ما جرى يتعدى مجرد تعرض عناصر الدورية للضرب والترهيب بإطلاق الرصاص.

مصادر إعلامية مؤيدة نقلت عن بعض عناصر الدورية أنه وعقب تعرضهم للضرب من قبل ميليشيا حسن بري، جرى سحلهم في الشارع أمام المارة والسكان، قبل أن يتم وضعهم في صناديق السيارات واقتيادهم إلى المضافة، وهناك تجدد الاعتداء عليهم بالضرب والبصق وتوجيه الشتائم لهم بعد نزع ملابسهم وتقييدهم عراة بينما كان بعضهم في حالة خطرة، الأمر الذي رأى فيه المؤيدون الغاضبون “تحدياً غير مسبوق لسلطة الدولة بشكل عام، وليس فقط لفرع الأمن العسكري” الذي تلقى سيلاً من السخرية والاتهامات بالضعف، كما طالب المعلقون بإقالة رئيسه، العميد ابراهيم عباس.

لكن الكثيرين يرون أنه لم يكن بإمكان رئيس فرع الأمن العسكري القيام بشيء، ليس فقط بسبب قوة وشراسة وتسليح ميليشيا حسن بري، بل وكذلك الحصانة التي تتمتع بها من قبل أعلى سلطة في النظام وهو القصر الجمهوري.

التنافس الداخلي بين “آل بري” على الزعامة، والدعم الذي يحظى به كل طرف منهما من قبل أجهزة أمنية معينة، ربما يكون السبب الأساسي في الكشف عن تفاصيل الحادثة الأخيرة، ومحاولة تحويلها إلى قضية رأي عام. ويعتقد هؤلاء أن عبدالملك بري، الذي دخل مجلس الشعب عام 1998 في حالة استثنائية لا ينساها الحلبيون، عندما صدر قرار من الرئيس السابق حافظ الأسد بضمه للمجلس رغم عدم فوزه بالنتائج المعلنة بعد انتهاء الانتخابات، يعتقدون أنه هو من يقف خلف هذه الحملة الإعلامية ضد ابن عمه، بهدف تقويض مساعيه من أجل العودة للواجهة واستعادة زعامة العشيرة التي تعد من أكبر عشائر الشمال الشرقي.

بين التنافس العائلي، وصراع الأجهزة الأمنية، وكذلك المنافسة الروسية-الإيرانية على استتباع المؤسسات والقوى المجتمعية، تدور تفسيرات الحدث الأخير، في الوقت الذي يرى فيه الحلبيون أنه، وبغض النظر عن الدوافع والأسباب، يزيد من بؤس الواقع الذي تعيشه مدينتهم تحت هيمنة هذه الشبكة المعقدة من القوى المتنفذة التي استنزفت عاصمة الاقتصاد السوري حد الانهاك.

  • Social Links:

Leave a Reply