لطالما ناقشت زميلتنا في “درج” عليا إبراهيم بمسألة ضرورة التمييز بين الفساد وبين النظام الاقتصادي الحر خلال تناولنا ملفات الفساد في تحقيقاتنا الصحافية والاستقصائية، ولطالما استوقفتني هذه الدعوة في سياق محاولاتي إقامة هذا التمييز ليس في المواد الصحافية فحسب، انما أيضاً في سعيي لإيجاد لغة تحريرية تقيمه. لكن النتيجة التي خلصت إليها هي أن الفساد هو جوهر النظام الاقتصادي والمالي والسياسي في لبنان، وأصله وفصله. النظام موظف في مهمة كبرى اسمها الفساد. فهذا الأخير يسبق أي اعتبارٍ في منظومة الحكم وفي سيرورة القوانين وفي مسارات التشريع.
ليس الفساد عارضاً طارئاً من خارج قيم النظام الاقتصادي الحر اللبناني، فهو، أي الفساد، نجح في توظيف كل قيم النظام في مهامه. السرية المصرفية مثلاً، وبوصفها أحد العلامات المميزة للنظام الحر، لم تؤد وظيفتها الحمائية إلا في سياق حماية مهربي الأموال. وهذا جرى بعيداً عن مخالفة القوانين، انما أيضاً في سياق عمليات فساد كبرى. وحرية التبادل التي كفلها النظام أيضاً لم تتولى فقط تحرير الأسواق من الضوابط، انما أيضاً تحريرها من القيم المكرسة في أكثر الأنظمة الاقتصادية حرية لحماية الفرد والجماعة.
Social Links: