وبين نظريات (ماركس و إنجلز إلى لينين)…
الركود السياسي
بقلم: صبحي أنطون / Subhi Anton
المرحلة التي تلت فشل ثورة 1848 سمّاها ماركس مرحلة “الركود السياسي” .. و المرحلة التي تلت فشل ثورة 1905 في روسيا سمّاها لينين ايضا بمرحلة ” الركود السياسي ”
في مقدمة الترجمة الروسية لرسائل ماركس إلى كوغلمان كتب لينين يقول : في اهدأ المراحل وقد يُقال في أكثرها عذوبة وسذاجة على حد قول ماركس في مراحل الركود الكئيب على حد قول هيئة تحرير نيوزايت، كان ماركس يعرف كيف يشعر مسبقا باقتراب الثورة وكيف يرفع البروليتاريا حتى تدرك مهماتها الطليعية الثورية.” في هذه المرحلة كان برنامج العمل عند ماركس كالتالي:
أولا: الاهتمام بالعمل التنظيمي.
ثانيا: تنشيط العمل التثقيفي البطيء.
ثالثا: وضع مهمات نضالية للسير البطيء نحو الثورة الاجتماعية.
رابعا: رفع وعي (البروليتاريا) كي تدرك مهماتها الثورية ولخوض نضال عنيد.
وما قاله لينين في مقال بعنوان مهمات البروليتاريا في ثورتنا :” ان التاريخ في تلك المرحلة 1871-1914 بعد هزيمة كومونة باريس وقد وُضع في جدول الأعمال العمل التنظيمي. والتثقيف البطيء ولم يكن ثمة عمل آخر …. العامل الانكليزي تفسده الأرباح الاستعمارية، كومونة باريس مسحوقة، الحركة الوطنية البرجوازية أحرزت النصر في ألمانيا 1871. و روسيا نصف الاقطاعية تغط في نومها المزمن.”
ويؤكد لينين ذلك في مقال له “إلى الجادة” .. (بعد فشل ثورة 1905 اجتزنا سنة من الانهيار، سنة من الاضطراب السياسي والفكري، سنة من التيهان الحزبي .. تناقص عدد الاعضاء في جميع منظمات الحزب وانهار بعضها الآخر …رفاق يمينيون دعوا للعلنية مهما كلف الأمر وحتى لو كلف الأمر التخلي السافر عن برنامج الحزب و تكتيكه. إن الأزمة لم تكن دونما ريب مجرد أزمة تنظيمية انما كانت أزمة سياسية فكرية.).
حذر لينين من اليمينيين الأذلاء الذين لا يرون أبعد من أنوفهم حسب تعبير كاوتسكي إلا ( للأشياء التي تصطدم بها أنوفهم والذين يتصورون كل عقبة ترتطم بها انوفهم عقبة هائلة لا تُذلل.) كما حالة الحزب عند لينين كذلك عندنا أيضا، الحركة الشيوعية في سوريا ابتُليت بقيادات عبثت بتاريخ الحزب بمقدرات الحزب وبقواعد الحزب؛ منهم من ذهب نحو المثالية ومنهم من ارتمى في أحضان السلطة.
بناءا على توصيف لينين للوضع القائم في الحزب على مستوى روسيا أعلن بعض الخطوات العملية:
أولا: تقييم علمي لطبيعة المرحلة مع وضع تكتيك جديد مطابق للظروف المستجدة.
ثانيا: أن يستخدم الحزب مختلف اشكال النضال التي تساعد على تحقيق سياسته.
ثالثا: أن يُرفع المستوى الفكري في الحزب باستمرار.
رابعا: أن يوفق الحزب بين العمل السري والعمل العلني.
هذه هي السمات العامة والخاصة التي اتسمت بها المرحلة بعد فشل ثورتي 1848 في اوروبا و1905 في روسيا وبناءا عليه نستطيع استخلاص جملة من الدروس التي تفيد وتفتح الطريق واسعا امام الحزب الذي سيتأهل مستقبلا ليلعب الدور المنوط به في حاضر ومستقبل سوريا.
الخلافات السياسية في تقييم المرحلة السياسية اليوم على المستوى السوري تحتدم أحيانا وتخبو أحيانا أخرى، نتيجة لموازين القوى الداخلية (السياسية الاجتماعية) والخارجية (الاقليمية والدولية) التي تتصارع وتتحرك على الساحة السورية. سوريا كوطن أمسى مفككا مُحتلا من قبل مجموعة من القوى الدولية والاقليمية المعادية لأبسط اشكال الوطنية والديمقراطية. المجتمع السوري مقلوب رأس على عقب فاشت على السطح قوى دينية ظلامية باعت نفسها للشيطان من اجل أن تعيد سوريا ألف عام الى الوراء. هذه القوى الظلامية بأشكالها المتعددة تمتلك امكانية احتلال الشارع السياسي بمعونة ومساندة قوى مشبوهة محليا وعالميا. القوى الوطنية مغلوب على أمرها لا حول لها ولا قوة. والقوى التي تدعي انها ديمقراطية بمختلف تياراتها جربت نفسها في حراك الربيع العربي وانهزمت لانهزاميتها. حيث ركبت الموجة ومدت يدها للتعاون مع قوى معادية تخدم أجندات غريبة تحمل ماركات متعددة وتحمل شعارات الغير وهللت لها طويلا، سكنت الدوحة برعاية تركية وغازلت السعودية واحتمت بأمريكا سبيلا لخلاصها. ضاع استقلال سوريا وانهزمت السيادة الوطنية وبدأت القوى الكبرى المحتلة للأراضي السورية تحسب وتحدد مواقعها الجغرافية على أرض الوطن حسب خطوط العرض والطول. آخذة بعين الاعتبار مواقع الغاز والنفط والثروات الباطنية وغيرها. وأمن اسرائيل أولا و آخرا. ضعُف الصراع الطبقي وتم التعتيم عليه لصالح البؤر الطائفية والمذهبية التي نشطت وازدهرت على مساحة الوطن. لكل دولة ميليشياتها ومرتزقتها تحركها حسب مصالحها الخاصة بها.
في ضوء كل هذا الواقع المتشابك أي مكون أي حزب يمكن له أن ينمو ويتطور؟ أية نواة صلبة يمكن أن تُكتب لها الحياة؟ الطريق طويلة وغير ممهدة .. أشبه بالطريق إلى الجلجلة مُتعبة وخطرة والميراث ثقيل ومشوّه. هذا المكون الذي ستكون ولادته قيصرية يتطلب قيادات لماحة في الفكر والسياسة والتنظيم. رجال خُلقوا للزمن الصعب.
يقول إنجلز هذا المكون ..” يجب أن يتشكل كحزب مستقل له هدفه الخاص وسياسته الخاصة”.
بعد دراسة الواقع الموضوعي للبلد دراسة علمية دقيقة وجب على المكون العضوي أن يدرس خطوات عمله السياسية دراسة مستفيضة تؤهله ان لايقع في متاهات لا حدود لها ولا قدرة له على تجاوزها. وأن تكون مهامه بالقدر الذي يستطيع تحملها والقدرة على تنفيذها متألقا في مسعاه إلى ذلك. ببرنامج الحد الأدنى سياسيا، مطالب ديمقراطية، دعوة عامة إلى الديمقراطية السياسية والمجتمع المدني والدولة الديمقراطية. مع إقامة حوارات مسؤولة وتحالفات شيوعية شيوعية لأنه ستبرز على الساحة غدا أحزابا وتيارات شيوعية بهويات متعددة. إلى جانب ضرورة إقامة أو السعي لاقامة تحالفات وطنية ديمقراطية. المعركة في الغد وبعد غد ستكون بالنقاط وليست بالضربة القاضية.
يعلمنا علم التناقضات أن نحدد موقفنا من هذا الاحتلال أو ذاك. ضد من نخطوا الخطوة الأولى في التناقض التناحري؟ ضد من نخطوا الخطوة الأولى في التنافض الثانوي؟ علما أن جميع التناقضات قائمة ومستعرة بيننا وبين جميع الدول المحتلة لأراضينا.
يقول ماركس : ” ولهذا لا تضع الانسانية أبدا أمامها إلا المسائل التي تستطيع حلها ” في ضوء ما تقدم علينا أن نخطوا بعض الخطوات التي لابد منها انسجاما مع مفهومنا لطبيعة مرحلة الركود السياسي التي عشناها على مدى خمسين عاما و أكثر وخاصة بعد فشل انتفاضات الربيع العربي.
أولا: رفع المستوى الفكري للحزب بشكل عام وخاصة بما يتواكب مع التقدم التكنولوجي . مع ضرورة اعادة الاعتبار للنظرية الماركسية والبحث جديا في كيفية استقطاب الأجيال الجديدة البعيدة الى حد ما عن الاهتمام بالشأن السياسي أو الفكري.
ثانيا: في ظل هكذا وضع اجتماعي سياسي جديد وجب العمل السياسي التنظيمي في أوساط العمال والفلاحين والفئات المتوسطة والصغيرة مع التقدير الدقيق لدور الطلبة في العمل السياسي خاصة وأن الطبقة العاملة عندنا لم تنضج كفاية بعد.
ثالثا: في وضعنا الخاص اليوم وجب علينا ان نعي وندرك الحلقة الرئيسية في التنظيم، جدلية العلاقة بين الخط السياسي والخط التنظيمي. في التوصيف العام الخطان متكاملان مكملان لبعضهما البعض. أي تصعيد في الخط السياسي على حساب الخط التنظيمي خاصة عندما يكون التنظيم متخلفا غير مؤهل للتصعيد يكلف الحزب غاليا. وجب دراسة الخط التنظيمي وترميم مواقع الخلل فيه إن على مستوى الهيئات المسؤولة أو القاعدة ككل. التصعيد غير المدروس في الخط السياسي والذي لا يأخذ بعين الاعتبار الوضع العام للخط التنظيمي سيدفع الحزب الى الانشقاقات والانسحابات بشكل عام .
جريدة المسار / العدد السادس والأربعون – 30, تشرين الثاني نوفمبر , 2020
* ملاحظة: العنوان الأول من وضعي وليس للكاتب
Social Links: