المهندس سامر كعكرلي
دأب بعض السياسيين الذين ابتلى بهم الشعب السوري الثائر تحت مسمى معارضة سياسية، على استبدال عبارة إسقاط بشار الأسد بعبارات أخرى مثل إسقاط نظام الاستبداد، أو إسقاط نظام عائلة الأسد، أو إسقاط النظام الأمني، أو إسقاط نظام الفساد، وذلك إما عن جهل وغباء سياسي، أو عن قصد تحت يافطة إما الواقعية السياسية، أو اللحمة الوطنية التي يراها هؤلاء السياسيين لحمة وطنية مع أمثال منصة موسكو أو منصة القاهرة أو هيئة التنسيق أو لؤي الحسين،. والمخزي بأن هؤلاء السياسيين المفروضين على شعبنا بدؤوا يتهمون من ما زال متمسك بعبارة إسقاط بشار الأسد كشعار لا يمكن التنازل عنه تحت أي ظرف من الظروف بعبارات مؤلمة مثل “المتفزلكين” أو المتاجرين بالقضية الثورية (لأن الثورة عندهم قضية وليست ثورة) أو غير العابئين بمعاناة أهلنا السوريين في المخيمات أو القاطنين تحت وطأة قسوة المعيشة في مناطق سيطرة عصابة بشار الأسد.
وسأبين بهذه الأسطر الفرق الكبير والخطير بين عبارة إسقاط بشار الأسد وكامل أركان نظامه وبين باقي العبارات.
نعلم نحن السوريين جميعاً بأن المجرم حافظ الأسد قد نسج نظاماً متكاملاً، تشبه نسج العنكبوت لخيوطه بحيث تكون كل خيوط الشبكة مربوطة به، حيث أنه بحال موت العنكبوت أو غيابه لسبب من الأسباب تصبح تلك الخيوط هشة وواهية، وهكذا فعل حافظ الأسد حيث ربط كامل مفاصل نظامه في سورية في شخصه بالتحديد، وكان حافظ الأسد على استعداد بالإطاحة بكل ما يمكن أن يكون مصدر تهديداً لسلطته الشخصية مهما كان هذا التهديد صغيراً أو كبيراً مادياً أو معنوياً. ونحن السوريين نتذكر جيداً كيف أطاح حافظ الأسد برفاق دربه صلاح جديد ومحمد عمران بهدف تمهيد طريق سلطته، ومن ثم أطاح بأخيه المجرم رفعت الأسد جزار حماة عندما تحدى سلطته في ثمانينات القرن الماضي، ولا أحد من السوريين ينسى كيف أطاح حافظ الأسد بقائد الوحدات الخاصة المجرم علي حيدر الذي رسخ سلطة حافظ الأسد عندما انتقد حيدر عملية توريث بشار الأسد. هذا بالنسبة لتحدي السلطة المباشرة لحافظ الأسد، أما بالنسبة للسلطة المعنوية فيعلم السوريين كيف حاول حافظ الأسد بكل جهده لطمس مسيرة قائد الثورة السورية الكبرى المغفور له سلطان باشا الأطرش ومنع الاحتفال بذكرى وفاته ومنع حتى إشادة تمثال له في مدينته السويداء ليرسخ حافظ الأسد فكرة أن لا قائد ثورة في سورية سوى حافظ الأسد.
ولأجل تحقيق كل هذا التمركز السلطوي بشخص حافظ الأسد حول حافظ الأسد كل الكيانات السورية إلى مجرد هياكل كرتونية ليتحكم بها كما يتحكم فنان مسرح الدمى بدميته، ففي الجيش صحيح أن كافة قادة الفرق العسكرية ينتمون للطائفة العلوية وشديدو الولاء للطائفة ولحافظ الأسد، إلا أنه زرع فيما بينهم الشقاق والفراق والتنافس ليكون هو المرجع الوحيد لحل خلافاتهم فيما بينهم. وكذلك كان الأمر بالنسبة لقادة الأجهزة الأمنية، فكافة السوريين يعرفون بأن رئيس فرع الأمن السياسي على خلاف دائم مع رئيس فرع الأمن الجوي والأمن العسكري وكذلك الحال بين رئيسي فرعي الأمن الجوي والعسكري وأيضاً كافة الأفرع المستقلة لا يثقون يبعضهم البعض ومرجعهم كلهم حافظ الأسد. كل ذلك هذا النسيج يهدف لهدف واحد وهو تمكين حافظ الأسد بالإطاحة بأي من قادة الفرق أو قادة الأجهزة الأمنية عندما تقتضي مصلحته ذلك مع ضمان عدم استنكار أي طرف أخر لقراره. وبطبيعة الحال فإن هذا النسيج ينطبق بحرفيته على كافة هيكل الدولة بدأً من حزب البعث وما يسمى الجبهة الوطنية التقدمية التي تضم أيضاً أحزاب حولها حافظ الأسد لأحزاب كرتونية ومروراً بالمؤسسة القضائية والإعلامية وكافة المنظمات الأخرى من الطلائع حتى الفلاحين والعمال.
وعندما مات الطاغية حافظ الأسد ورث بشار الأسد هذا النظام الدقيق في نسج علاقات الدولة، وقد حافظ عليه ويمكن هذا من وصايا حافظ الأسد لابنه.
وأمام هذا الواقع بوضع مؤسسات الدولة ولا سيما الجيش والأمن، وأمام واقع أخر برز نتيجة ثورة الشعب السوري وهو تمتع بشار الأسد بحليف مافيوي هو رئيس روسيا فلاديمير بوتين الذي يملك عدة نقاط قوة بيده سخرها لبشار الأسد وأهمها حق النقض “الفيتو”، إضافة لتسخير وزير خارجيته “سيرغي لافروف” ذلك الثعلب السياسي الذي لا يقل مكره عن مكر “هنري كيسنجر” إضافة للكثير من المحللين السياسيين الروس مزودين بماكينة إعلامية ضخمة تمول من أموال ملالي طهران الحليف الآخر لبشار الأسد، وأيضاً للأسف أمام تراخي المجتمع الدولي أمام ثورة الشعب السوري وعدم وجود رغبة حقيقية بانتصارها. أمام كل ذلك دعونا نقرأ الآن خطورة استبدال مصطلح إسقاط بشار الأسد ببعض المصطلحات الأخرى:
– إسقاط نظام الاستبداد: نعلم بأن المجتمع الدولي ولا سيما الغربي يؤكد بأن في سورية نظام حكم الحزب الواحد هو حزب البعث العربي الاشتراكي، يماثل نظام الحكم في الدول الشيوعية، وتنظر الدول الغربية لهذا الشكل من نظام الحكم بأنه نظام استبدادي. وفي حال صدر قرار من بشار الأسد – وهو الآمر الناهي في سورية – بحل حزب البعث ومصادرة كافة أمواله المنقولة وغير المنقولة لصالح الخزينة السورية، وبتسويق عالي المستوى من الماكينة الإعلامية الروسية تحديداً فيمكن أن يؤول الأمر بأن نظام الاستبداد قد سقط ولم يعد هناك من داع للصراع في سورية ولم يبق أي داعي لاستمرار محاربة بشار الأسد.
– إسقاط النظام الأمني: أيضاُ يوصف النظام بأنه نظام أمني بامتياز، وذلك نظراً لكثرة الأجهزة الأمنية المتحكمة في سورية ولسطوتها على الشعب السوري، أيضاً لو صدر قرار من بشار الأسد بحل كافة الأجهزة الأمنية، وجمعها في جهاز أمن واحد لنفرض مثلاً جهاز الأمن الوطني على غرار ما يوجد في مصر، ولنزيد على تصورنا بأنه قدم بعض رؤساء الأجهزة الأمنية للمحاكم على أنهم مرتكبي جرائم ضد الإنسانية (حتى أن المجرم جميل الحسن قد عرض بنفسه ذلك) وعندها يكون قد اسقط النظام الأمني دون أن يسقط بشار الأسد.
– إسقاط نظام الفساد: هذه العبارة بدأت بوادرها من الآن عندما تمت مصادرة أموال رامي مخلوف الذي كان يوصف بأنه عراب الفساد في سورية، فبشار الأسد الذي قدم ابن خاله رامي مخلوف كقربان كذبة محاربته للفساد لن يكون عليه أي مشكلة إذا قدم مع رامي مخلوف بعض رؤوس الفساد مثل محمد حمشو وغيره، وهنا أيضاً يسقط بنظر المجتمع الدولي عبر الماكينة الإعلامية الروسية نظام الاستبداد دون أن يسقط بشار الأسد.
– إسقاط عائلة الأسد: هذا المصطلح قد تم استخدامه منذ الإطاحة برفعت الأسد من قبل أخيه حافظ الأسد، فما الذي يمنع بشار الأسد من الإطاحة بماهر الأسد في مقابل بقائه على كرسي الحكم، وستسقط بالتالي عائلة الأسد ويبقى بشار الأسد. وهنا سيسأل البعض عن موضوع توريث حافظ بشار الأسد، أقول هنا بأنه لوقتها وبعد إعادة تعويم بشار الأسد والقضاء على الثورة السورية، عندها لا توجد قوة على الأرض تمنع بشار الأسد من توريث ابنه حافظ.
هذه السيناريوهات الأربعة محتملة الحدوث، ليس هكذا فقط بل أن بشار الأسد لن يتأخر ثانية واحدة لتنفيذ إحداها أو أكثر فقط للخروج من عنق الزجاجة التي وضعته بها ثورة الشعب السوري. وبذلك يكون هؤلاء السادة مدعي تلك الشعارات قد قدموا للمجتمع الدولي ذريعة عدم العمل على إسقاط بشار الأسد بحجة أن مطالب الشعب السوري قد تحققت بتحقيق أحد الشعارات سابقة الذكر ولكن بإخراج بشار الأسد والمافيا الروسية. ولا أصف هنا الحكومات الغربية بالغباء بل بالحنكة لأنها وكما تبين بأنها غير جادة بإسقاط بشار الأسد إلا بسبب ضغط ثورة الشعب السوري، ولكن تلك الحكومات غير حرجة أخلاقياً أمام الشعب السوري وأمام شعوبها لا بل ستكون بطلة لأنها لبت مطالب الشعب السوري كما قدمها هؤلاء مدعي السياسة .
لا أيها السادة السياسيين دعاة الواقعية السياسية واللحمة الوطنية، ليس هكذا تورد الإبل، فشعار إسقاط بشار الأسد لم يأتي من فراغ بل لأن الشعب السوري الثائر قد عرف بوعيه الكبير بأن هذا المجرم هو المسؤول الأول عن قتله وقصفه وتهجيره، وأن الواقعية السياسية لا تعني القبول بما يفرضه المجتمع الدولي علينا بل ما نستطيع أن ننتزعه من هذا المجتمع، واللحمة الوطنية لا تكون وطنية إن لم تكن مع شاب الثورة الذين أشعلوا سفح “جبل قاسيون” في عام 2012 بكلمة “ارحل” ودفعوا ثمنا لذلك حريتهم والبعض حياتهم. وهذا اللحمة الوطنية يجب أن تلتزم بما تغنى به “القاشوش” الذي تم نزع حجرته، لأنه طالب برحيل بشار الأسد بالاسم وبشكل مباشر دون أي مواربة.
27/12/2020
Social Links: