العرب
على المرء أن ينتبه إلى عقل السلف الصالح إن كان “صالحا” قبل زلة لسانه، واعوجاج كلامه، ذلك أن الأقدمين ليسوا على صواب لمجرد أنهم “أقدمون”.
ليرتفع منك المعنى لا الصوت
سأل المعلّم تلميذه عن اسمه، فأجابه “بس بس بس بسّام”.
ـ ما هذه التأتأة في كلامك يا بسّام!!؟
ـ أبي هو الذي كان يتأتئ حين أراد تسميتي عند الولادة ولست أنا، لكنّ موظف الحالة المدنية في البلدية، كان السبب يا سيدي.. إنه يدوّن دون سؤال أو حتى مجرّد انتباه بسيط.
هذا هو حال ممن يلوكون المقولات الشهيرة، وحتى الأحاديث النبوية المزورة، دونما انتباه ودقة وتمحيص.
ولأن ثقافتنا ـ في مجملها ـ هي ثقافة نقل، لا ثقافة عقل، فإن غالبية المحدّثين والرواة، عبارة عن آلات تسجيل صمّاء تنقل ما يقوله المتحدث دون إصغاء أو تمحيص، حتى وإن كان في كلام أحدهم بعض التأتأة أو اللثغ أو الصمت والهمهمة والتردد.
قد يتسبّب خطأ تنضيدي في جريدة أو كتاب إلى ضياع ما أردت الذهاب إليه فتعضّ على أصابعك ألما وحسرة، وتدعو على أصابع الفاعل بترا وكسرا لأنّك لن تدقّ، بعدها، أبواب القرّاء واحدا تلو الآخر لتشرح لهم حقيقة الأمر بعد أن “حُصّل ما في السطور”.
ليس الأمر لدى هؤلاء الكتبة، التزاما للدقة والأمانة بل تشبث بالكلام على عواهنه، دون فهم أو تدقيق. إنه يشبه “حادثة الذبابة”، وهي واقعة حدثت في العصر العبّاسي حين بعث أحد الولاّة لقائد جيشه بمجموعة من المجنّدين والسجناء كي يلتحقوا بصفوف المقاتلين وكتب إليه يقول، “أحصوهم”. لم ينتبه كاتب الرسالة إلى ذبابة كانت قد جاءت لتحطّ وتفرغ حمولتها فوق حرف الحاء من كلمة “أحصوهم ” فما كان من عامله أن نفّذ ما جاء في الكتاب. رُفعت الأقلام وقُضي الأمر.. وحُرم المجنّدون من الزوجة والذريّة.. وهكذا وضعت النقاط على الحروف، ولكن في غير محلّها.. وتسبّبت ذبابة طائشة في قطع نسل أولئك المساكين الذين تعلّق مصيرهم بنقطة.
المعلّم الذي سأل التلميذ عن اسمه، سيضيف ـ إن كان مصابا بالتأتأة ـ “بس” أخرى على كلمة “بس بس بس بسّام” في سجله… وهكذا دواليك، في تواترية لا تتوقف إلا عند حدود التنبه إلى ما يقوله “السلف الصالح”، والتوقف أمام هذه المهزلة من عبارة “سجّل يا حسين” التي يقولها عادل إمام في مسرحية ” شاهد ما شافش حاجة”.
ولأن ناقلي الكفر ليسوا كفارا بل أشد غباء منهم في هذه الحالة، فإن على المرء أن ينتبه إلى عقل السلف الصالح إن كان “صالحا” قبل زلة لسانه، واعوجاج كلامه، ذلك أن الأقدمين ليسوا على صواب لمجرد أنهم “أقدمون”.
أغلب الظن أن والد بسام، لم يكن يتأتئ بل الراوي.
Social Links: