بقلم عمار ياسر حمو
عمان- ثلاثة عشر شهراً على بدء جولات اللجنة الدستورية المعنية بصياغة دستور جديد لسوريا، عُقدت اثنتان من أصل أربع منها في العام 2020. لكن عدا عن عدم تحقيق اللجنة أي نتيجة تذكر، فإنها لم تسهم كذلك في وقف الانتهاكات بحق المدنيين في سوريا.
بالنتيجة، لم يشكل العام 2020 بالنسبة لسوريا أي استثناء قياساً بسنوات الثورة السابقة، كما رأى د. رضوان زيادة، مدير المكتب التنفيذي للمركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية في العاصمة الأميركية واشنطن. نافياً في حديثه إلى “سوريا على طول” “وجود أي تطورات سياسية. إذ ما تزال سوريا تعاني من تضارب الأجندات الدولية، وعدم اتفاقها على تصور للحل السياسي بين روسيا أميركا من جهة، وإيران وتركيا من طرف آخر”.
اللجنة الدستورية
رغم أن اجتماعات اللجنة الدستورية في جولتها الرابعة “جرت في أجواء إيجابية” بحسب رئيس وفد المعارضة السورية، هادي بحرة، فإنها حتى لو حققت أهدافها “لن تكون بديلاً عن العملية السياسية”، كما قال رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، نصر الحريري. معتبراً أن اللجنة الدستورية “يمكن أن تشكل بوابة تجاه الحل السياسي، على أن يتم المضي في باقي المحاور” التي يتضمنها قرار مجلس الأمن 2254، وهي: تأسيس هيئة حكم انتقالي، وصياغة دستور جديد للبلاد، وإجراء انتخابات نزيهة بعد وضع الدستور، وأخيراً وضع استراتيجية لمكافحة الإرهاب والحوكمة الأمنية.
ورغم أن اللجنة الدستورية، والتي بدات أولى جولاتها في 30 تشرين الأول/أكتوبر 2019، اعتُبرت انقلاباً على مسار جنيف والقرار 2254، إلا أن المعارضة السياسية تمسكت بها في حينها معتبرة أنها انعطافة مهمة في مسار الحل السياسي. لكن الإحاطة الأخيرة للمبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون أمام مجلس الأمن، في 16 كانون الأول/ديسمبر الحالي، عن نتائج الجولة الرابعة، أثارت موجة غضب في أوساط المعارضين لنظام الأسد.
فعدا عن استخدام بيدرسون مفهوم “العدالة التصالحية” بدلاً من “العدالة الانتقالية”، وهو ما تراجع عنه لاحقاً كونه “خطأ فني غير مقصود” بحسب مكتبه، تجاهل بيدرسون في إحاطته أيضاً “هيئة الحكم الانتقالي نهائياً، وتم الاستعاضة عنها أحياناً بموضوع البيئة الآمنة والمحايدة”، بحسب الحريري الذي أضاف أن هكذا بيئة “لا يمكن إنشاؤها إلا بتأسيس هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية”. معتبراً بالتالي أن “العملية السياسية الآن تمضي بطريق منحرف”.
وكانت اجتماعات الجولة الثالثة للجنة المصغرة لصياغة الدستور -والمؤلفة من 15 عضوا يمثلون بشكل متساو كلاً من نظام بشار الأسد والمعارضة السورية والمجتمع المدني السوري- هي الأولى في العام 2020، واختتمت في 29 آب/أغسطس الماضي من دون المضي في أعمالها نتيجة “وجود اختلافات عميقة بين الأطراف السورية في عدة قضايا”، بحسب بيدرسون.
وقد أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن نجاح تشكيل اللجنة الدستورية، في أيلول/سبتمبر 2019، معرباً عن تفاؤله بأن تشكيلها يمثل “خطوة مهمة للغاية في تهيئة الظروف لحل سياسي لهذا الصراع المأساوي”.
لكن تلك الخطوة لم تنعكس على أرض الواقع طيلة العام الحالي. كما شككت شخصيات سورية معارضة في أداء اللجنة لمهامها، باعتبارها “ذريعة لتمرير الأجندات العسكرية على أرض الواقع”، كما صرّح سابقاً لـ”سوريا على طول” الحقوقي المعارض أنور البني. يعزز ذلك ما وثقته الشبكة السورية لحقوق الإنسان من انتهاكات على يد نظام الأسد وحلفائه منذ الإعلان عن تشكيل اللجنة الدستورية في تشرين الأول/أكتوبر 2019 وحتى 23 كانون الأول/ديسمبر، أفضت إلى “مقتل 704 مدنيين، بينهم 134 طفلاً، و59 سيدة على يد قوات النظام” بحسب ما ذكرت لـ”سوريا على طول” نور الخطيب، المسؤولة عن قسم المعتقلين والمختفين قسرياً في الشبكة.
بصيص أمل
في إطار ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب في سوريا في المحاكم الأوروبية، مدّد الادعاء العام الاتحادي في ألمانيا، في 21 كانون الأول/ديسمبر الحالي، توقيف الطبيب السوري علاء موسى الذي كان أوقف في حزيران/يونيو الماضي في ولاية هيسن الألمانية، موجهاً له اتهامات جديدة بارتكاب أعمال تعذيب وقتل أثناء عمله في سجن تابع للأمن العسكري في سوريا.
قبل ذلك، في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، تقدمت ثلاث منظمات حقوقية سورية بشكوى جنائية متضمنة أدلة جديد تثبت تورط مسؤولين في النظام السوري، على رأسهم بشار الأسد، في استخدام غاز السارين السام في عمليات قصف استهدفت مدينة خان شيخون بريف إدلب العام 2017، وقبلها الغوطة الشرقية بريف دمشق العام 2013، إبان سيطرة المعارضة السورية عليهما. وهو أول ادّعاء قانوني ضد بشار الأسد بوصفه رئيس الجمهورية وقائد الجيش، ما اعتبر انعطافة مهمة على طريق تحقيق العدالة في سوريا.
وسبق أن أعلنت هولندا في أيلول/سبتمبر الماضي، نيتها مساءلة الحكومة السورية عن انتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان أمام محكمة دولية. وفي سياق ذلك أرسلت الحكومة الهولندية في الثامن عشر من الشهر ذاته مذكرة دبلوماسية إلى الحكومة السورية تعلن فيها نيتها مساءلة دمشق عن انتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان في سوريا، لا سيما عمليات التعذيب.
ضمن تلك المساعي ذاتها، بدأت في 23 و24 نيسان/أبريل الماضي أول محاكمة علنية لرئيس قسم التحقيق في “فرع الخطيب” التابع لجهاز أمن الدولة في دمشق الضابط أنور رسلان، وزميله إياد الغريب بمدينة كوبلنز الألمانية. وكان قد تم توقيفهما في شباط/فبراير 2019.
ورغم أهمية هذه المحاكمات ورمزيتها، لأنها “مؤشر على وجود فكرة محاسبة المجرمين”، كما قال د. زيادة، فإنها “في الوقت ذاته، ليست بديلاً عن العدالة والمحاسبة لمجرمي الأسد الكبار الذين ما يزالون قابعين في دمشق”.
وكانت إحدى الناجيات من سجون الأسد، والعضو جالياً في اللجنة الدستورية، اعتبرت في تصريح سابق لـ”سوريا على طول” بأن من دون تطبيق آليات العدالة الانتقالية في سوريا، ومعالجة ملفات المعتقلين والمعتقلات، “لا يمكن تحقيق العيش المشترك للسوريين”.
وقد وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان اعتقال نحو 1,733 شخصاً منذ مطلع العام 2020 وحتى أواخر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، منهم 830 شخصاً على يد النظام السوري. فيما تم الإفراج عن 574 معتقلاً فقط من السجون المدنية التابعة للنظام السوري منذ بدء اجتماعات اللجنة الدستورية في 30 تشرين الأول/أكتوبر 2019، بحسب الخطيب، لافتة إلى أنه “تم الإفراج عن معظمهم بعد انتهاء أحكامهم التعسفية، والتي تراوحت مددها بين 4 إلى 9 سنوات”.
عودة اللاجئين
عشية مؤتمر عودة اللاجئين، الذي عقدته روسيا في دمشق في 11 و12 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في اجتماع مع بشار الأسد عبر الفيديو، أن “المهمة ما بعد الصراع في سوريا هو إعادة اللاجئين السوريين إلى ديارهم ومنازلهم”. معتبراً أن “هذه هي أولوية القرار الأممي 2254”.
وتزامن عقد المؤتمر مع تدهور الاقتصاد السوري على نحو غير مسبوق، وتردي الأوضاع المعيشية والصحية للمواطنين السوريين في مناطق سيطرة النظام. ما أثار سخرية السوريين من المؤتمر، بما فيهم الحاضنة الموالية لنظام الأسد، كون البلاد غير مؤهلة لاستقبال مواطنيها.
كذلك، يعتمد نحو 13.1 مليون مواطن سوري داخل البلاد على المساعدات الإنسانية، منهم 6.6 مليون نازح داخلي. ما يعني أن عودة اللاجئين على نطاق واسع ستزيد من هذه الاحتياجات. لكن بالنسبة للاجئين فإن الأوضاع الأمنية في البلاد هي التي تحول دون عودتهم.
وقد أصدرت الجمعية السورية لكرامة المواطن، قبيل انعقاد المؤتمر، بياناً نفت فيه وجود “أي رغبة حقيقية [من قبل النظام وروسيا] في تأمين عودة آمنة وطوعية وكريمة لما يقارب 13 مليون سوري مهجر”، مشددة على أن “ملف اللاجئين لا يمكن أن يتم حله بطريقة أحادية الجانب تديرها روسيا والنظام السوري”، إذ “لن تتم أي عودة منظمة تحت رعاية جهتين شاركتا في هجمات ممنهجة وعشوائية ضد المدنيين السوريين بهدف التهجير القسري”.
لكن بالنسبة لموسكو، والتي ضغطت على دمشق لعقد المؤتمر، فإنها تهدف من وراء إعادة اللاجئين إلى تحقيق مكاسب اقتصادية والحصول على أموال إعادة الإعمار. فتحقيق هدفها في دفع الدول الأوروبية لإعادة اللاجئين يتيح لها طلب أموال بهدف تأهيل البنية التحتية.
Social Links: