نزع فتيل أزمة الحسكة… والأكراد إلى جولة حوار جديدة

نزع فتيل أزمة الحسكة… والأكراد إلى جولة حوار جديدة

أمين العاصي _العربي الجديد

بعد ساعات قليلة على الإعلان عن اتفاق النظام السوري والأكراد على إنهاء الخلاف الذي ساد بينهما لنحو شهر في محافظة الحسكة السورية في أقصى الشمال الشرقي من البلاد، وعن بدء تبادل فك الحصار عن مناطق كانت محاصرة من الطرفين، اتهم النظام أمس “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) بإعادة الحصار على الأحياء الخاضعة له في مدينة الحسكة، في دلالة واضحة على هشاشة الاتفاق الذي توصل إليه الطرفان، من دون حل الخلافات الرئيسية. جاء ذلك في وقت بدأت فيه الإدارة الأميركية الجديدة خطوة باتجاه استكمال الحوار الكردي الكردي، المتوقف منذ أواخر العام الماضي.

وأكدت سمر حسين، الرئيسة المشتركة لهيئة الداخلية لـ”الإدارة الذاتية” لشمال وشرقي سورية، أن إنهاء حالة التوتر “جاء كبادرة حسن نيّة من قبل قوات الأمن الداخلي (الأسايش)”، مشيرة، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أنه “سيتم إدخال المواد الغذائية والأساسية إلى المربعين الأمنيين في القامشلي والحسكة (أمس) الأربعاء”، لكنها لفتت إلى أن نقاط الأسايش ستبقى في أماكنها تحسباً لأي خرق من طرف قوات النظام، وفصائل “الدفاع الوطني” التابعة لها. فيما بدأ النظام السوري أمس بفك حصاره عن منطقة تل رفعت في ريف حلب الشمالي، وعن أحياء الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب، والتي تخضع لسيطرة “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) التي يشكل المقاتلون الأكراد عمادها الرئيسي.

أبقت قوات الأسايش نقاطها في أماكنها تحسباً لأي خرق من قِبل النظام

لكن بعد ساعات قليلة من بدء تنفيذ الاتفاق، قالت صحيفة “البعث” التابعة للنظام السوري، إن “مليشيات “قسد”، وبعد ساعات من بدء رفع حصارها الجائر عن المدنيين في حيي حلكو وطي في القامشلي، عمدت إلى إعادة نصب حواجزها عند فرن البعث ومدينة الشباب وشارع البرج عند دوار المحكمة، إضافة إلى التضييق على المدنيين، من خلال تشديد إجراءاتها التعسفية على عدد من الحواجز الواقعة في مداخل الأحياء”. وزعمت الصحيفة أن “قسد” منعت الشاحنات التي تحمل الطحين من دخول مركز مدينة الحسكة وفرن البعث، وبالتالي استمرار توقف الأفران العامة والخاصة عن العمل، مضيفة أن “قسد” واصلت اختطاف عدد من الموظفين في المؤسسات الحكومية.

من جهتها، قالت مصادر مقربة من “الإدارة الذاتية” لـ”العربي الجديد” إن قوات “الأسايش” لم تقم بإزالة حواجزها من المربع الأمني تحسباً لأي خرق من النظام، وإنما سمحت للمدنيين بالدخول والخروج، كما سمحت بإدخال المواد الغذائية للمناطق التي يسيطر عليها النظام.

وكانت قوات “الأسايش” قد حاصرت، منذ نحو شهر، المناطق التي لا تزال تحت سيطرة النظام في محافظة الحسكة، وهي عبارة عن مربعين أمنيين في مدينتي الحسكة والقامشلي وحيين في الأخيرة، رداً على تضييق قوات النظام على مناطق ذات غالبية كردية في مدينة حلب وريفها الشمالي. وحاول النظام استغلال هذه الأزمة لاستعادة دوره في محافظة الحسكة، من خلال دفع القبائل والعشائر العربية إلى الصدام مع القوات الكردية، وهو كان سيفتح باب اقتتال ربما من الصعب محاصرته.

وتدل الوقائع على أن الروس والأميركيين تدخّلوا لنزع فتيل الأزمة بالضغط على النظام والجانب الكردي، لتجنيب الشمال الشرقي من سورية ويلات اقتتال على أساس قومي. وتعد هذه الأزمة هي الأكبر في سياق علاقة النظام والجانب الكردي في سورية، ما يؤكد اتساع هوّة الخلاف بين الطرفين حول العديد من الملفات، لا سيما مستقبل الشمال الشرقي من سورية.

وعن ذلك، قال الباحث السياسي المقرب من “قسد” آزاد حسو، في تصريح لـ”العربي الجديد”، إنه “من الممكن تجدد التوتر بين قواتنا والنظام، لأننا لم نحل بعد الخلافات الرئيسية”، مشيراً إلى أن “هناك عدة مطالب لم يوافق عليها النظام”، مضيفاً: “على حكومة دمشق الاعتراف بالعقد الاجتماعي والقوانين المعمول بها في المناطق التي تقع تحت سيطرة “قسد”، وتعليمات الإدارية الذاتية من نواحٍ عسكرية وسياسية واقتصادية”.

وصل وفد من وزارة الخارجية الأميركية، الثلاثاء، إلى مدينة القامشلي، للإشراف على الحوار الكردي

في غضون ذلك، تتجه الإدارة الأميركية الجديدة إلى متابعة الإشراف على الحوار بين أكبر كيانين سياسيين كرديين في سورية، وهما “المجلس الوطني الكردي” من جهة، وحزب “الاتحاد الديمقراطي” وأحزاب أخرى تدور في فلكه وتشكّل “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سورية، من جهة أخرى. وأكدت مصادر مطلعة لـ”العربي الجديد” وصول وفد من وزارة الخارجية الأميركية، أمس الأول الثلاثاء، إلى مدينة القامشلي لهذه الغاية. وكان قائد “قوات سورية الديمقراطية”، مظلوم عبدي، والذي مهّد الطريق أمام الحوار الكردي الكردي في إبريل/نيسان من العام الماضي، قد أشار في تغريدة له منذ أيام إلى أن “الاتفاقات التي توصّلنا إليها مهمة وتحمي مصالح شعبنا”، داعياً الطرفين المتحاورين إلى “الاستعداد لمرحلة جديدة حتى نلتقي في الأيام المقبلة”، وفق قوله.

وكان الطرفان قد خاضا، خلال العام الماضي، جولات حوار عدة لتشكيل مرجعية سياسية واحدة لأكراد سورية تمثلهم في استحقاقات الحل السياسي. وعلى الرغم من اتفاقهما على أن اتفاقية دهوك، التي أبرمت بينهما برعاية من قيادة إقليم كردستان العراق، في أكتوبر/تشرين الأول 2014، ستشكل أيضاً أرضية لهذه المفاوضات، إلا أنهما وصلا إلى طريق مسدود في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ما أدى إلى توقف الحوار. ولم يتجاوب “الاتحاد الديمقراطي” مع مطالب “المجلس الوطني الكردي”، المنضوي في الائتلاف الوطني السوري، من أجل الخروج باتفاق، وهو فكّ الارتباط بين “الإدارة الذاتية” وحزب “العمال الكردستاني”، وتعديل العقد الاجتماعي، وإلغاء التجنيد الإجباري، مع دخول “البشمركة السورية” إلى الشمال الشرقي من سورية، إضافة إلى “الوضع التعليمي وإيجاد حلّ عملي يضمن مستقبل الطلبة بشهادات معترف بها، وإدخال التعليم باللغة الكردية بشكل يناسب ذلك”، وحسم مصير المعتقلين والمختطفين.

ويرفض “الاتحاد الديمقراطي”، حتى اللحظة، فك الارتباط مع حزب “العمال”، وطرد كوادره من سورية، كما يرفض دخول “البشمركة السورية” المتمركزة في شمال العراق، كيلا تشاركه في القرارين الأمني والعسكري في منطقة شرقي الفرات، وهو ما يشكّل عقبة كبرى أمام توصل الطرفين الكرديين إلى تفاهمات يمكن أن تستمر. وحرق مجهولون يُعتقد أنهم ينتمون إلى “العمال الكردستاني” مكاتب تابعة لـ”المجلس الوطني الكردي” في مدن وبلدات عدة في منطقة شرقي نهر الفرات، كان آخرها في مدينة عين العرب (كوباني) الشهر الماضي، في محاولة واضحة لإفشال الحوار الكردي الكردي.

وأوضح عضو الهيئة الرئاسية لـ”المجلس الوطني الكردي”، المنسق العام في حركة “الإصلاح الكردي”، فيصل يوسف، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنه “يجب العمل بداية على خلق الأجواء المناسبة للمفاوضات، بإزالة الآثار السلبية التي خلقها حرق بعض مكاتب المجلس وتخوين قياداته ونعتهم بصفات سيئة والقيام باعتقالات بحق مؤيديه من قبل جهات تابعة للطرف الآخر خلال الفترة الماضية، وضمان عدم تكرارها”. وعن جدول أعمال الجولة المقبلة، أوضح يوسف أنها “ستكون لمعالجة القضايا الخلافية وآليات المشاركة بالإدارة وواجب الدفاع على أرضية اتفاقية دهوك، وبما ينسجم مع الاتفاقية المنشودة راهناً”.

وكانت الاتفاقية آنفة الذكر قد نصّت على تشكيل مرجعية سياسية كردية، على أن تكون نسبة تمثيل “حركة المجتمع الديمقراطي” (لاحقاً أحزاب الوحدة الوطنية الكردية بقيادة الاتحاد الديمقراطي -25 حزباً) فيها 40 في المائة، و”المجلس الوطني الكردي” 40 في المائة، و20 في المائة للأحزاب والقوى غير المنخرطة في الجسمين السياسيين.

  • Social Links:

Leave a Reply