الحرمان من الخدمات الصحية.. معاناة اللاجئين الأبرز

الحرمان من الخدمات الصحية.. معاناة اللاجئين الأبرز

خالد الوهب – نينار برس:
الحق في الصحة هو الحق الاقتصادي والاجتماعي والثقافي في الحصول على الحد الأدنى من معايير الصحة العامة التي يحق لجميع الأفراد التمتع بها. ذُكر مفهوم حق الصحة في العديد من الاتفاقيات الدولية ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفي اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.

هناك جدل قائم حول تفسير الحق في الصحة وتطبيقه بسبب اعتبارات، كتعريف الصحة، والحد الأدنى من الاستحقاقات التي يشملها الحق في الصحة، وما هي المؤسسات المسؤولة عن ضمان الحق في الصحة.

وبحسب جوناثان مان البروفيسور في مركز فرانسوا كزافييه باغنود للصحة وحقوق الإنسان، والأستاذ في علم الأوبئة والصحة الدولية في كليّة الصحة العامة في جامعة هارفارد ومعروف أيضاً بدوره الريادي في مجال تعزيز الصحة العامة، فإن العلاقة بين الصحة وحقوق الإنسان هي علاقة ميكانيكية غير قابلة للفصل.

فهو يعتبر الصحة وحقوق الإنسان نهجين متكاملين تحدد من خلالهما رفاهية الإنسان وينهضان بها.

بدأ تدفق اللاجئين السوريين إلى تركيا عام 2011 نتيجة الحرب الدائرة على الأراضي السورية، عندما فتحت حدودها أمام اللاجئين، قبل أن تفرض تأشيرة على السوريين الراغبين في دخول البلاد نهاية عام 2015.

ومع استمرار النزاع المسلح في معظم الأراضي السورية، وتعرض المدن والقرى والبلدات إلى القصف بمختلف أنواعه، واشتداد الأزمات، وسوء الوضع المعيشي، وانعدام شبه تام للخدمات بمختلف أنواعها، وأهمها الصحية، استمر لجوء السوريين إلى دول الجوار، وكانت حصّة تركيا الأكبر من هذا اللجوء.

ووفقاً لما ترجمه موقع “تركيا عاجل” فقد بلغ عدد السوريين في تركيا لعام 2021 حوالي ثلاثة ملايين وستمئة وخمسة وستين ألفاً وتسعمئة وستة وأربعين لاجئاً.

وبلغ مجموع الأطفال تحت سن الثامنة عشر مع النساء مليونين وخمسمئة وستة وتسعين ألفاً وستمئة وثلاثة وأربعين، أي ما يشكل نسبة (70.8%) من عدد اللاجئين الإجمالي.

أما عدد السوريين المسجلين في تركيا تحت الحماية المؤقتة ما مجموعه 3 ملايين 645 ألف 557 شخصاً. وهم الحاصلون على بطاقة الحماية المؤقتة (الكيملك)، ومن أهم ما تتيحه هذه البطاقة لحامليها، الاستفادة من الخدمات الصحية المقدمة في المشافي العامة والمستوصفات والمراكز الصحية، المتضمنة جميع أنواع العلاج والدواء المجاني والعمليات الجراحية… إلخ.

لجوء السوريين إلى تركيا لم يتوقف حتى بعد أن تم فرض تأشيرة على دخول السوريين إلى الأراضي التركية، وهو مستمر حتى الآن رغم تشديد الإجراءات على المعابر والمنافذ الحدودية كافة.

معاناة اللاجئ السوري لا تنتهي عند دخوله الأراضي التركية، فإذا لم يستطع الحصول على بطاقة الحماية المؤقتة (الكيملك) التي تثبت وجوده، سيظل محروماً من المزايا التي يحصل عليها من يحمل هذه البطاقة ومن أهمها الخدمات الصحية.

السيدة نداء البوش 55 سنة من دير الزور، أرملة، دخلت الأراضي التركية منذ حوالي سبعة أشهر، تقيم حالياً في ولاية أورفا، بعد أن حصلت على إحالة من مشفى تل أبيض في سوريا إلى مشفى تل أبيض في تركيا لإجراء عملية حصاة في الكلية.

يتم نقل مثل هذه الحالات بشكل جماعي من المشفى عبر المعبر الحدودي، ومن ثم إلى دائرة الهجرة من أجل الحصول على وثيقة تسهل عليهم إجراءات العلاج.

تقول السيدة نداء: بدأت إجراءات التحضير من أجل العملية (صور أشعة وتحاليل مخبرية) ليتبين أن حالتي لا تحتاج عملاً جراحياً، ويمكن الاكتفاء بالعلاج، وفعلاً تم إعطائي العلاج اللازم، لكن أخبروني أن حالتي لم تعدد تتطلب البقاء في تركيا.

كما اتهمت بأنني أتذرّع بوضعي الصحّي كي أبقى في تركيا، كونه لا يحتاج عملاً جراحياً.

هذا الأمر كان صعباً عليّ جداً، فأنا أرملة، وجميع أولادي في تركيا، ولا أستطيع العودة إلى سورية نتيجة وضعي الصحّي، ولا يوجد لدي مع يمكن له الاعتناء بي في حال ساءت حالتي الصحية.

فقررت أن أحصل على بطاقة الحماية المؤقتة (الكيملك)، لكنني فوجئت لدى مراجعتي لدائرة أن الوثيقة التي تم منحي إياها عند دخولي للمرة الأولى قد تم إيقافها، وعندما طلبت الحصول على (كيملك)، طلبوا مني مغادرة الأراضي التركية، ومعاودة الدخول مرة أخرى عبر المعبر، مهما كانت طريقة الدخول، كي أستطيع الحصول عليه.

الآن أنا موجودة في تركيا، لكني عملياً لا أستطيع الاستفادة من الخدمات الصحية، ولا أملك أية وثيقة تثبت وجودي، ما سبب صعوبة في الحصول على أية مساعدة من المنظمات العاملة في أورفة، علماً أنني أعاني من ارتفاع ضغط الدم، وتسارع في ضربات القلب، ولا أستطيع الحصول على الأدوية اللازمة.

كما أنني أجد صعوبة كبيرة نتيجة وضعي الصحي، في مغادرة الأراضي التركية ومعاودة الدخول مرة أخرى، كون هذا الأمر يسبب جهداً وتعباً كبيرين، ووضعي الصحي لا يسمح بذلك، إضافة إلى وضعي المادي السيء.

وكانت إدارة الهجرة التركية قد أصدرت عام 2014 قراراً يمنع المشافي الحكومية والخاصة من استقبال اللاجئين السوريين الذين لا يملكون هوية التعريف الخاصة بهم والتي حلت محل الإقامة السابقة، الأمر الذي قد يتسبب بمشاكل للسوريين، ولا يزال القرار ساري المفعول حتى الآن.

تعميم على جميع المشافي التركية
أشار الدكتور محمد حلاق الذي يعمل في مشفى في مدينة إسطنبول إلى “أن إدارة الهجرة التركية قامت بتعميم هذا القرار على جميع المشافي الحكومية والخاصة، وأن القرار بدأ تنفيذه في المشافي الحكومية، في حين تم إمهال المشافي الخاصة حتى تاريخ 17/11/2014 من للبدء بتنفيذ القرار، حيث يتعين على المريض السوري قبل تقديم طلب معاينة في أحد المشافي أن يبرز هوية التعريف الخاصة به والتي يمكن إصدارها من دائرة الأمنيات، وفي حال كان لا يملك هذه الهوية يعتذر المشفى عن استقباله.

تواصلنا مع مركز المعلومات والتنسيق للمهاجرين في بلدية شانلي أورفا الكبرى لعرض مشكلة السيدة نداء، وسيتم التواصل معها شخصياً بعد أن قدمت الوثيقة الأولى التي حصلت عليها لدى دخولها إلى الأراضي التركية للمرة الأولى، وتمت إحالة الموضوع إلى المحامية التركية المسؤولة عن الحالات المشابهة وستتم متابعته بالتنسيق مع المركز.

كما تواصلنا مع المنظمة الدانماركية في أورفا، وعرضنا مشكلة السيدة نداء، فتمت إحالتنا إلى قسم الحالات بعد طلب ما يثبت دخولها إلى الأراضي التركية للمرة الأولى. وتتم المتابعة أيضاً عسى أن تجد حلاً يضمن لها الحصول على الخدمات الصحية المطلوبة.

حالة السيدة نداء ليست الوحيدة، هناك الكثير من السوريين الذين غادروا مدنهم وبلداتهم وقراهم هرباً من جحيم الحرب وويلاتها، ويعانون وعائلاتهم ما تعانيه السيدة نداء.

الحرمان من الخدمات الصحيّة، عقبة كبيرة في حياة اللاجئين السوريين، ومن واجب جميع المنظمات والهيئات المعنية، السعي لوصول هذه الخدمات لكل من يحتاجها، مهما كانت الظروف، دون الالتفات إلى الروتين القاتل الذي يعيق التقدم في هذا المجال والمجالات كافة.

تمّ إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR”، “صحفيون من أجل حقوق الإنسان” بتمويل من برنامج عالم كندا Global Affaris Canada

  • Social Links:

Leave a Reply