جمال الأتاسي…الأب والإنسان

جمال الأتاسي…الأب والإنسان

جمال الأتاسي (أبريل 1922 – 30 مارس 2000 م)

المعتصم الخالدي 

مفكر قومي عربي ولد في سورية لعائلة عريقة من مدينة حمص. درس في فرنسا وحصل على شهادة دكتوراه في طب النفس والعقل كان من مؤسسي حزب البعث العربي الاشتراكي مع صلاح البيطار وميشيل عفلق، ولكنه أصبح ناصري التوجه فيما بعد. وحول هذا يقول عن نفسه: “لقد كنت من صانعي ذلك البعث الذي حمل في الأربعينات والخمسينات مشعل التحرر والوحدة، ولقد جئت إلى الناصرية عندما وجدت في عبد الناصر وما نهض له الفرصة التاريخية”. كانت ميول الأتاسي قومية اشتراكية اكتسبها أثناء إقامته في فرنسا، ووصفه الصحافي غسان الإمام بأبي الاشتراكية السورية”.

جمال الأتاسي من مؤسسي حزب البعث العربي (1947) مع ميشيل عفلق وصلاح البيطار، وهو ممن عمل على تطعيم الفكر القومي بالاشتراكية. وهو الذي أضاف إلى رؤية عفلق التي تتحلّى ببديهيات جمالية رومانسية النظرية الاشتراكية في العدل الاجتماعي. ثمّ جاء أكرم الحوراني ليتمّ المهمة. كان الأتاسي قد عاد من باريس التي كانت في أربعينيات القرن الفائت تزهو بحريتها بعد انحسار الاحتلال النازي وتعيش حوارا ثقافيا وسياسيا لعله الأكثر ثراء وزخما في تاريخها الحافل. في هذا المناخ الحر المنعش،

أخذ منتدى جمال الأتاسي اسمه من زعيم سياسي معارض، هو مؤسس حزب الاتحاد الاشتراكي العربي وقائده التاريخي، وهو حزب ناصري اشتراكي النزعة عقلاني الاتجاه. ولعب الأتاسي دورا في إيجاد التجمع الوطني الديمقراطي، نواة المعارضة اليسارية التي تأسست في العام 1980 ولا زالت حتى الآن تشكل نواة العمل السياسي المعارض داخل سورية.

وبدأ المنتدى يلعب دورا جامعا لكل تيارات المعارضة السياسية في سورية. وقد تقدم منتدى جمال الأتاسي بطلب ترخيص رسمي إلى الجهة المختصة وهي وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ولكن الوزارة رفضت طلب الترخيص بحجة أن الأمر ليس من اختصاصها. وجاء رفض الترخيص منتدى الأتاسي في قرار أصدرته في شهر أيار 2001 وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، آنذاك، د. بارعة القدسي، وهي زوجة صفوان قدسي الأمين العام لأحد الأحزاب الناصرية في الجبهة الوطنية التقدمية الحاكمة في سورية، تضمن نصاً مطابقاً للنص للذي ورد في رفض طلب النائب رياض سيف ترخيص منتداه، بتأكيد أن أساس الرفض “عدم اختصاص وزارتنا ولا تنطبق عليه النصوص القانونية المعتمدة”.

ولكن رفض الوزارة ترخيص المنتدى لم يحل دون استمرار عمل المنتدى وتنظيم شؤونه الداخلية. فتم وضع اللائحة الداخلية للمنتدى التي عرفت المنتدى بأنه “هيئة مستقلة تعنى بقضايا السياسة والفكر والثقافة وبتعزيز الحوار الديمقراطي واحترام الرأي الآخر.” وتشكلت الهيئة العامة للمنتدى، التي تضم كافة أعضاء المنتدى الذين يحق لهم الترشح والانتخاب، وإقرار اللائحة الداخلية ووضع الخطة العامة للمنتدى وانتخاب مجلس إدارة المنتدى. وتم انتخاب مجلس إدارة من تسعة أشخاص، كما تم تشكيل ثلاث لجان: هي لجنة الثقافة والنشر ولجنة الموقع الإلكتروني ولجنة الشباب، التي عملت على تأسيس منتدى خاص بالشباب له استقلالية عن المنتدى الرئيسي، وهو ما أثار حفيظة الأجهزة الأمنية في سورية نظرا لحساسية مسألة الشباب. كما استمرت اللقاءات الشهرية فيه. وقد ألقى عدد كبير من المثقفين والمفكرين والسياسيين محاضرات كان لها صد كبير في أوساط المثقفين والسياسيين. وتحول منتدى جمال الأتاسي إلى مكان للقاء المعارضة السورية مرة في كل شهر.

الدكتور جمال الأتاسي، وهو القائد السياسي والمفكر العروبي الذي ترك إرثًا وطنيًا، وفكرًا مستنيرًا لا يمكن تخطيه، بل لا يجوز لأي باحث يحاول قراءة المشهد السياسي والفكري والثقافي للشعب السوري، وهو يعيش مراحل ثورته المتعددة، دون التوقف طويلاً أمام محطات ومفاصل أساسية، كان لها الأثر في مسيرة الوطنية السورية، كما كان لها الأثر أيضًا في مساحات كبيرة من فكر عروبي قومي، يتطلع للمستقبل، بلا شوفينية، وعبر نظرة نقدية، كانت على الدوام بستان الفكر الاستراتيجي الذي مشى فيه جمال الأتاسي، وهو صاحب نظرية (النقد المزدوج طريق للاستيعاب).  في هذه اللحظات المفصلية من حياة سورية والأمة يجدر بنا أن نقف مع محطات وانبثاقات فكرية سياسية ذات طابع قومي عروبي مستنير. كانت قد أثرت في حياة جمال الأتاسي، بما عكسته على حياته وحياة أمته من إرهاصات لحالات انتفاضية وثورية آثر التركيز عليها. نختارها اليوم استذكاراً ودرساً واستلهامًا سياسيًا وفكريًا، عساها تفيد مستقبلات هذا الوطن السوري الجريح، وهذه الأمة الغارقة في حالات تشظٍ اقليمي ومحلي، وما قبل قومي، لم يعرف الواقع العربي مثيلاً لها. لقد كانت حياة جمال الأتاسي برمتها دروساً للعمل الوطني والقومي، فمن الثورة الجزائرية إلى الثورة الفلسطينية، إلى معركة الوحدة العربية، إلى رؤياه في مسألة التسوية مع الكيان الصهيوني. إلى الحصار الكبير الذي جرى للعراق. ومن ثم احتلاله، إلى غير ذلك من منعكسات مازالت لا تبرح واقعنا الوطني والعربي والاقليمي، تاركة آثاراً سلبية في جميع منحنيات الحراك القومي العربي، وحيث يمكننا اليوم وبعد غيابه بحوالي العشرين عاما أن نقف أمام محطات ذات طابع مفصلي في حياتنا جميعاً.

  • Social Links:

Leave a Reply