النظام الأسدي الشمولي وتحطيمه للدولة.. هل من أمل؟

النظام الأسدي الشمولي وتحطيمه للدولة.. هل من أمل؟

جلال مراد – الرافد

في هذه المرحلة منن تاريخ سوريا يقف السوري نافضاً من يديه آخر ما تبقى من أمل. فالبلد محتلة من قبل مجموعة من الدول القوية، الدولة السورية باتت عاجزة تماماً ليس فقط أمام التحديات والاحتلالات الخارجية بل عاجزة عن تأمين الحد الأدنى من الحياة لمواطنيها، فضلاً عن عجزها التام عن حل ملف المياه أو الكهرباء أو الجريمة أو الملف الصحي …الخ.

كل ما هو سلبي واضح لكل السوريين، وبات الأمل مؤلم أكثر من تقبل العجز واليأس. وبات السوري لا يثق بأحد حتى المعارضة التي طالما تغنت بالماضي والكرامة والمستقبل وبكل ما هو حماسي أصبحت قب غيرها محط قلق وعدم ثقة وربما تثير عند السوري شعور بالكراهية المفرطة لكل ما يرتبط بخطابها الرنان. إنه يفضل البقاء في اليأس بدل من أن يوهم نفسه بالتغير الإيجابي الكاذب.

من جهة أخرى هذا السوري ليس معزول عن المسؤولية فتصور الكثيرين من السوريين الذين تعرضوا للاضطهاد والحرمان والاعتقال والتهجير بسبب مواقفهم المبدئية لسان حالهم ” ليس أسوء من الحكومة سوى الشعب” ذلك السوري الذي لم يقف مع الحق، اتبع القوة، آثر الصمت، عذبنا بإهماله لنا وعدم اكتراثه، لم يقدر أن كل ألم ذقناه دفاعاً عنه كان سبب لتهكمه ومحاربته لنا بدعوى ” أعرف أن قضيتكم عادلة والسلطة مستبدة، لكن لا تثيروها لأنها ستحطمكم وتحطمنا، لا تكونوا مثاليين، اتركوا الأمور كما هي، وتحولت نقمتهم الدفينة على الاستبداد لنقمة عارمة على من يحارب الاستبداد”.

الشعب السوري أيضاً يتحمل جزء كبير مما أصابه وأصاب البلد ففي النهاية ” هالطينة من هالعجينة

” وكما تكونوا يولى عليكم، التاريخ الاستبدادي الذي مر على السوريين عزز لديهم شعور بالدونية المفرطة والهوان الذي تناقل عبر التربية وواقع الحياة جيل إثر جيل، فكانت السلطة الاستبدادية نتيجة حتمية لهذه الروح العبدية، وأيضا عززت السلطة الشمولية تلك الروح فباتت المعادلة تغذية وتغذية راجعة، المجتمع العبدي يطلب السلطة الشمولية الغاشمة، والسلطة الشمولية تعزز قيم القطيع والامتثالية والعقلية العبدية عند رعاياها.

لكن لو ابتعدنا عن كل هذه التفاصيل ونظرنا للأمر بتجريد أكبر سنرى أن هناك أمر يحدث خلف كل تلك الصراعات والأمزجه، إنه الاقتضاء المنطقي، حركة التاريخ الاجتماعي ، تغيرات تحصل تحت قانون الضرورة وليس تحت مبدأ التفاؤل أو التشاؤم أو تحت الإراداوية النخبوية.

 لقد بدأ حكم الشعب لنفسه!!!!

من سمات أي سلطة شمولية أن تلتهم الدولة بكل إداراتها، فالحال أن الدولة مأسورة لتلك السلطة، ولا يمكن أن تخضع الدولة للقانون الوضعي أبدا بالقضاة والشرطة والجيش والوزارات وأعضاء مجلس الشعب وكل مكونات الدولة تحت سيطرة السلطة الشمولية، لكن ضعف السلطة أدى لتخبط في عمل أجهزة الدولة، عدم الرقابة أدى لأن يتفشى الفساد في كل دوائر الدولة بعدما كان منتظم ” أي الفساد” في شبكة محكمة حصرية مرتبطة برموز السلطة الشمولية. ذلك طبيعي فالجبرية والتسلط الذي قامت به السلطة اتجاه الدولة لعقود طويلة أدى لأن يكون الرادع أمام الموظف هو الخوف من العقوبة وليس خضوعه الطوعي لمبدأ الحق، الضمير الشخصي لا يمكن أن يتشكل في المجتمعات العبدية والدول الشمولية ن الضمير الفردي لا يمكن أن يتشكل إلا في مناخ الحرية وسيادة القانون.

إن الوصاية المفرطة من السلطة الشمولية عبر الدولة على الشعب أدى لنشوء طفالة لدى الأفراد، طفالة اعتمادية فثمة من يفكر عني ويخطط عني ويعرف مصلحتي أفضل مني إن سلوك الطفالة مشابه لسلوك الطفل القاصر أمام والده، وكثير من الأشخاص يقيمون في هذه الطفالة مدى العمر وإن ذهب والدهم بحثوا عن والد جديد ” اللي مالو كبير يشتري كبير” ولقد تواشج ذلك النزوع النفسي الطفولي بين الأب الطبيعي للفرد وبين الأب القائد المتربع على قمة هرم السلطة الشمولية. النضج لا يمكن أن يتم في الدولة الشمولية، حتى النضج الشخصي إلا من تلقى تربيه حرة في أسرته، وهؤلاء قلائل ولا يشكلون نسبة تمكنهم من إجراء تغيير اجتماعي فاعل.

في وقتنا الراهن تهالك السلطة الشمولية أدى لضعف الدولة، وبالتالي أصبح السوريون أمام استحقاقات يتحتم أن يعملوا عليها باستقلال عن السلطة الشمولية أو الدولة، تلك المسؤولية المباشرة أمام ملفات الصحة، الأمن، المياه، الجريمة، التعليم، الغذاء … الخ باتت بشكل مباشر تحديات أمام الشعب السوري، ذلك ما دعوته قانون الضرورة.

لنلاحظ أن الإعلام المحلي الشعبي بدأ بالضهور وفق الضرورة ضرورة الحياة، أيضاً الاجتماعات والقرارات التي يصدرها أهل القرى والمناطق في المدينة والعائلات بدأت بالضهور، المبادرات الاجتماعية لمكافحة الجريمة والمخدرات بدأت تأخذ مكان جاد ومسؤول وفاعل، العمل على حل المشاكل المتعلقة بالمياه الصحة التأمين الاجتماعي، المنظمات الشعبية والأهلية … الخ. كل تلك الفعاليات التي اقتضاها قانون الضرورة باتت حقائق فاعلة وفي طور التنظيم وبشكل عفوي تلقائي. ذلك خروج من الطفالة الاعتمادية، دخول في النضج الفردي والجمعي. في خضم هذه الحركة أعتقد أن نويات القانون ستبدأ في التشكل مع الوقت، القانون بصفته الحقيقة بكونه تعبير عن إرادة الجماعة، إرادة الشعب، يحتاج الأمر لمزيد من الوقت ليتحول ذلك القانون الحقيقي المفرز من البنية الاجتماعية لقانون وضعي متبنى من قبل الدولة لكن الموضوع موضوع وقت ليس إلا.

  • Social Links:

Leave a Reply