مراكز الأبحاث والوجود السوري في تركيا: بين الموضوعية والتوظيف

مراكز الأبحاث والوجود السوري في تركيا: بين الموضوعية والتوظيف

عبد الناصر الجاسم_مركز حرمون

1 – السوريون يتدفقون إلى تركيا:

عندما عبرَت أولُ مجموعة من السوريين، وعدد أفرادها 252 شخصًا، الحدودَ التركية بتاريخ 29 نيسان/ أبريل عام 2011 لم يخطر ببال أحد أن إقامتهم في تركيا ستطول لتبلغ عقدًا من الزمن، أو أن أعدادهم ستتجاوز 3،5 مليون، وقد أدى طول مدة بقاء السوريين، بسبب استعصاء القضية السورية عن الحل، إلى جملة من الضغوط والمشكلات التي تنشأ عادة في مثل هذه الحالات، حين تتدفق أعداد كبيرة، في مدة قصيرة نسبيًا، من بلاد إلى بلاد أخرى.

تدفق اللاجئون السوريون إلى تركيا، كما إلى غيرها من البلدان، مثل لبنان والأردن والعراق، هربًا من العنف المفرط والوحشي الذي قابل به النظام السوري المتظاهرين السلميين المطالبين بالتغيير السلمي، حيث استخدم النظام الرصاصَ، إلى جانب القصف المدفعي والصاروخي والقصف بالطيران، بدعم ومشاركة مباشرة إيرانية وروسية، وأدى ذلك إلى هروب أكثر من سبعة ملايين سوري إلى خارج سورية، اتجه أكثر من أربعة ملايين ونصف منهم نحو تركيا، وقد تابع قرابة مليون من بينهم طريقهم إلى دول الاتحاد الأوروبي، وخاصة ألمانيا، بينما استقرّ قرابة 3.5 مليون في تركيا حتى اليوم، ولا يُعرف مآل هذي الحال: أسيكون هناك اتفاق بين الدول المتحكمة في الملف السوري على حلٍّ ينهي المأساة السورية في وقت قريب، أم لا! فقد خرجت القضية السورية من أيدي السوريين، وأُبعدوا من مسار تقرير مصيرهم.

2 – السوري “لاجئ مدن”

يصف مؤشر الضغط للسوريين لسنة 2019، الذي يصدر بالتعاون مع مفوضية شؤون اللاجئين في تركيا، اللاجئَ السوري بأنه “لاجئ مدن”، حيث يعيش 61.781 سوريًّا فقط في المخيمات ومراكز الإيواء، أي ما نسبته 1،7% فقط من أصل 3625520، وقد توزعوا في المدن التركية باحثين عن فرصة لكسب العيش، ولذلك ثمة ارتباط شديد بالوضع القانوني للسوريين ونوع الإقامة التي يحصلون عليها.

وقد حلّت إسطنبول بالمرتبة الأولى، من حيث عدد السوريين الذين حصلوا على إقامات فيها. وبحسب تقرير صدر عام 2019، بالاشتراك بين إدارة الهجرة التركية التابعة لوزارة الداخلية ومنظمة الأمم المتحدة للهجرة، فقد بلغ عدد السوريين الحاصلين على إقامات في إسطنبول 601.320، أما العدد الفعلي للسوريين في إسطنبول فقد بلغ 963.530، يشكلون نحو 6.4% من سكان إسطنبول البالغين نحو 15 مليون نسمة، وهذا يعني أن هناك 362.216 سوريًّا يحملون إقامات في بلديات ومدن أخرى، ولكنهم جاؤوا للإقامة في إسطنبول، حيث تتوفر فرص عمل أكثر، وقد خلق هذا ضغوطًا إضافية على المدينة، ويبلغ عدد الأجانب في إسطنبول 1660215 أي نحو 11% من السكان. فإسطنبول مدينة كبيرة، وهويتها سياحية وتجارية وصناعية وثقافية وتاريخية، ويمكن وصفها بأنها مدينة عالمية، لذلك استقطبت ذوي الكفاءات من السوريين، كأصحاب الشهادات والمؤهلات ورواد الأعمال وأصحاب الأموال، فهي توفر فرص عمل لغالبية الشرائح، ابتداءً من العمالة اليدوية الماهرة، وانتهاءً بالاستثمار وتوظيف الأموال، وتعيش في إسطنبول جالية عربية منوعة من العراق وفلسطين وليبيا ومصر وغيرها من الدول العربية، وتستقطب المدينة سيّاحًا من دول الخليج العربي، وإضافةً إلى موقعها وميزاتها، يقصدها بعض السوريين لتكون محطة أولى، قبل أن يتابع السفر إلى وجهة أخرى، وغالبًا تكون أوروبا. وهو الأمر الذي يفعله لاجئون من جنسيات أخرى، ويبين الجدول الآتي أعداد اللاجيئن الذين عبروا الحدود التركية باتجاه أوروبا، بين عامي 2015 و 2019.

3 – اهتمام مراكز الأبحاث بالوجود السوري في تركيا:

لا شك في أن ظاهرة اللجوء المديدة للسوريين، وكل ما فيها من ارتدادات وتفاعلات على صعيد اللاجئ نفسه، وعلى صعيد المجتمع المضيف، شكلت مختبرًا علميًا للدراسات والبحوث الاجتماعية والمقالات والتقارير، على المستوى الدولي والمحلي لمناطق وجود اللاجئين، وفي تركيا تم نشر العديد منها، على شكل مقالات وتقارير وتقدير موقف ومؤشرات ودراسات وبحوث علمية محكمة لجامعات ومراكز بحثية، ومنها ما تمّ بالتعاون مع جهات دولية متخصصة، وتراوح موضوعية هذه المنشورات بين ضعيفة ومتوسطة وعالية، وذلك حسب الجهة المُصدرة والمنفذة وطرق وآليات تصميم هذه الدراسات، ومصادر المعلومات التي تم الاستناد إليها، وأداة جمع هذه المعلومات، وكيفية اختيار مجتمع البحث والعينة التي تمثل هذا المجتمع، وكذلك صياغة العبارات والأسئلة، وهذا يقودنا أحيانًا إلى ملاحظة بعض التناقضات والاختلافات في بعض النتائج والنسب والأرقام، وبالتالي ينعكس على مدلولات هذه النتائج والاستثمار فيها، سياسيًا وإعلاميًا.

فقد نشرت مؤسسة البحوث الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في تركيا سنة 2021 دراسة بعنوان “تصورات ومواقف ضد اللاجئين السوريين في إسطنبول: الحزبية، ومكافحة الأجانب، وتصورات التهديد، والاتصال الاجتماعي” كما أجرت كل من جمعية “تطوير الإنسان” التركية ومعهد الدراسات الفرنسي دراسة تخصصية، في إطار مشروع “رصد حياة اللاجئين” في نيسان/ أبريل 2017 وأجرى مركز الدراسات التركية في جامعة “قادر هاس” استطلاعًا سنة 2019، حول موقف الشعب التركي من اللاجئين السوريين. ونشرت جامعة غازي عينتاب بحثًا حول وجود السوريين في تركيا ومشاكل التواصل والاندماج بين المجتمعين بعنوان “التواصل الحضاري حول الهجرة”، أجري على 1500 شخص، نصفهم من الأتراك ومثلهم من السوريين في تركيا. كما تم نشر مؤشر الضغط للسوريين 2019 المذكور أعلاه، إطار العيش المشترك في انسجام مع السوريين كما أصدر مركز حرمون للدراسات المعاصرة دراسة بعنوان “واقع اللجوء السوري في تركيا 2020” . وأصدر مركز الحوار السوري “قراءة في الدراسة التركية”، بعنوان (انطباعات تجاه السوريين في تركيا: تحديات التقارب والانسجام المجتمعي)  كما أصدر مركز الحوار إصدارًا خاصًا بعنوان “الاحتقان الشعبي بين الأتراك والسوريين … الأسباب، الآثار، العلاج، مركز الحوار السوري 2020”

وهناك العديد من المقالات العلمية المنشورة في مجلات عالمية محكمة، ومصممة وفق منهجية البحث العلمي، تناولت كثيرًا من المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسلوكية المرتبطة بوجود السوريين في تركيا. إضافة إلى التصريحات الصحفية والأخبار اليومية وعبر مواقع التواصل الاجتماعي ونشرات الأحزاب السياسية والجمعيات بمختلف توجهاتها.

4 – الوجود السوري في إسطنبول:

أدى وجود السوريين في إسطنبول، تحت تأثير عوامل مختلفة، إلى تكوين انطباعات متباينة، تطورت من إيجابية إلى سلبية بين سكان إسطنبول تجاه الوجود السوري فيها، بعضها موضوعي ومحق، وبعضها مبالغ فيه بسبب الاستخدام السياسي. وتناولت دراسة، نشرتها أخيرًا مؤسسة البحوث الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في تركيا، بعنوان “تصورات ومواقف ضد اللاجئين السوريين في إسطنبول: الحزبية، ومكافحة الأجانب، وتصورات التهديد، والاتصال الاجتماعي”[11]، تناولت تصورات ومواقف المواطنين الأتراك تجاه 963530 لاجئ سوري يقيمون في إسطنبول، وتم تسليط الضوء على العوامل الأساسية التي تشكل التصورات والمواقف، ويهدف البحث إلى المساهمة في المبادرات الرامية إلى تحسين العلاقات الاجتماعية بين السكان المحليين واللاجئين. وقد بُذل جهدٌ واضحٌ ومشكور في هذا البحث الذي يجمع بين الأساليب النوعية والكمية، للكشف عن تصورات ومواقف المواطنين الأتراك (الذين يعيشون في إسطنبول) تجاه الوجود السوري فيها، من خلال تسليط الضوء على الحدود الثقافية والعاطفية والاجتماعية بين السكان المحليين واللاجئين. وتمت مناقشة الخيارات السياسية للسكان المحليين، بشأن القضايا المختلفة والمتعلقة بالسوريين، وتم الكشف عن العوامل التي تؤثر في نظرة سكان إسطنبول إلى اللاجئين السوريين، وتم التركيز على أمرين في التصورات والمواقف التي نُوقشت في الجزء الثالث: متوسط المشاعر تجاه اللاجئين السوريين، وتأييد حصولهم على الجنسية الاستثنائية. حيث تم اختيار الأمر الأول من أجل فهم دعم المجتمع لمبدأ المساواة القانونية، وهو أمرٌ ضروري لإدماج اللاجئين، لأنه يشير إلى الدرجة العاطفية للسكان المحليين تجاه اللاجئين. والعوامل المؤثرة لهذين المتغيرين، مشمولة تحت سبعة عناوين: 1- المتغيرات الديموغرافية؛ 2- الخطابات السياسية؛ 3- القومية وكراهية الأجانب؛ 4- المخاوف المتعلقة بنمط الحياة؛ 5- المخاوف الاقتصادية؛ 6- المخاوف الأمنية؛ 7- الاحتكاك بين المجموعتين.

بني التقرير على استطلاع ميداني حول الموقف من السوريين في إسطنبول، لعيّنة بلغت 2284 مقابلة مباشرة (وجهًا لوجه) وأونلاين مع أشخاص موزعين ضمن الـ 34 منطقة تابعين لـ 111 حيًّا سكنيًا ضمن مدينة إسطنبول، وقد أجريت المقابلات بين 18 تموز/ يوليو و30 آب/ أغسطس 2020، وقد بينت نتائجه:

– تغلب الآراء لدى المواطنين الأتراك في إسطنبول بأن اللاجئين السوريين هم عبء اقتصادي، وهم يحصلون على معاملة تفضيلية مقارنة بالمواطنين الأتراك، وأن السوريين لا يدفعون الضرائب، ويستفيدون من خدمات الكهرباء والماء مجانًا، ويحصلون على رواتب من الدولة، ويدخلون الجامعات بدون إجراء الامتحانات، ولديهم الأولوية في المستشفيات، ويميلون إلى اعتبار أن السوريين يشكّلون تهديدًا من الجهة المادية والمعنوية، وأنهم يقلصون فرص عمل المواطنين، ويخلّون بالتوازن السكاني، من خلال إنجاب العديد من الأطفال، ويهددون نمط الحياة الحديث، ويجعلون من الصعب الاستفادة من الأماكن والخدمات العامة، ويزيدون من حالات الاعتداء الجنسي ضد النساء والأطفال، ويشكلون خطر الإرهاب، ويؤثرون في نتائج الانتخابات من خلال التصويت.

– أظهر البحث أن مواطني الجمهورية التركية الذين يعيشون في إسطنبول لديهم احتكاك اجتماعي محدود مع اللاجئين، على الرغم من الوجود الكبير للسوريين في مدينتهم، وأن غالبية سكان إسطنبول الأتراك لا يرغبون في بناء علاقات اجتماعية مع اللاجئين السوريين. فقد أقام 6.34 % فقط من سكان إسطنبول علاقات وثيقة ومنتظمة مع اللاجئين السوريين، وأن الذين أقاموا علاقات وثيقة مع اللاجئين السوريين هم أكثر إيجابية تجاههم. وقد أوضحت الدراسة أن آراء سكان إسطنبول الأتراك وانطباعاتهم مبنية على الأقاويل أو على الأخبار المتداولة في وسائل التواصل الاجتماعي.

– أكثر من يرفضون إقامة علاقات اجتماعية مع السوريين، بحسب الدراسة، هم من أنصار حزب الشعب الجمهوري وحزب الجيد. وتبيّن أن أنصار حزب الشعوب الديمقراطي هم الفئة الأكثر تقبّلًا لإقامة علاقات اجتماعية مع السوريين، والشريحة الاجتماعية المحافظة هي أكثر اعتدالًا تجاه اللاجئين السوريين. بينما المتدينون المعتدلون القوميون يبرزون كفئة ذات مشاعر سلبية تجاه السوريين. فالهوية القومية تهيمن على الهوية الدينية لهذه الفئة، وتعتقد الشريحة العلمانية أن تركيا تنتمي إلى العالم الغربي الحديث وهم أكثر رفضًا للسوريين، قياسًا بأولئك الذي يرفضون فكرة انتماء تركيا للعالم الغربي. هذه الفئة لديها مخاوف من القضاء على العلمانية أو تقييد حرية المرأة.

5 – جوانب وجود السوريين في تركيا عمومًا:

لقد فُتح باب النقاش في كثير من القضايا والمواضيع المتعلقة بإشكالية، ووصف هذا الوجود للسوريين المتأرجح بين الحالة القانونية والحالة الإنسانية والمجتمعية. وإذا ما نظرنا بعين الموضوعية فسنجد أن انتقال هذه المجاميع البشرية، خلال فترة زمنية قصيرة، سيواجه العديد من التحديات من جهة المجتمع المضيف والأوعية القانونية والإدارية والقدرة على التعامل مع هذه الحالة المفاجئة للجميع، ومن جهة الفارّين، فهناك تحديات تخصهم، ذات طابع نفسي ومعنوي واجتماعي وقانوني واقتصادي، وقدرة محدودة للوصول إلى تعايش واندماج مع المجتمع المضيف، ولكن عملية وصف هذه التحديات، ونقلها وتحليلها عبر منصات إعلامية وبحثية مختلفة، لم تكن موضوعية بشكل كافٍ، فقد وقعت في فخ التجاذبات والآراء السياسية في أوساط المجتمع التركي المضيف، وسهّل ذلك عملية تسويق بعض الأفكار والانطباعات المغلوطة عن السوريين من نواح عديدة، وسوف نحاول تسليط الضوء عليها.

لكي نفهم بشكل أعمق طبيعة ما يدور في أوساط الرأي العام التركي الشعبي، حول وجود السوريين في إسطنبول تحديدًا وتركيًا عمومًا؛ لا بد من أن نتفهم صراع الهوية الذي تعيشه الشخصية التركية، وهذا طبيعي في تطور الحياة السياسية ويمتد أكثر للحالة العالمية، التي أفرزت ظهور اليمين المتطرف في عدد من بلدان أوروبا وسعيه للوصول إلى السلطة، وفي تركيا ثمة نزوع لفئة من الجمهور التركي نحو الانفتاح الغربي والاندماج مع العالم الأوروبي، وعدم التمسك بالإرث العثماني والهوية الدينية، وغالبيتهم في صفوف المعارضة للحزب الحاكم، ومن ثم تنتقد هذه الفئة باستمرار سياسات الحكومة بما يخص التعامل مع السوريين، وتستخدم كل ما لديها من أدوات ضخ إعلامية وقنوات شعبية، وهناك الفئة التي تؤمن بعكس هذا التوجه، وتريد العودة لأصالة الدولة العثمانية وإنجازاتها وهويتها، وغالبيتهم في الصفوف المؤيدة للحزب الحاكم، وبالمقابل، تتفهم هذه الفئة سياسات الحكومة تجاه وجود السوريين الفارين من الحرب، وتؤيدها، وغالبًا ما تصفهم بالضيوف أو المهاجرين، وتبرز كثير من المشتركات لكيلا تكون قضية السوريين ضحية هذا الاستقطاب السياسي الحاد في أوساط الرأي العام.

لأسباب تتعلق بالسياسة الداخلية التركية، برز الوجود السوري في تركيا بأنه مسألة تخص حزب العدالة والتنمية الحاكم، بحكم أنه السلطة القائمة التي فتحت الباب أمام السوريين كي يتدفقوا إلى تركيا، ومنحتهم كثيرًا من المزايا المتعلقة بتقديم الخدمات أو إمكانية السكن والعمل، إضافة إلى سياسة السلطة التركية القائمة تجاه الصراع الدائر في سورية. وضمن المناكفات السياسية المعهودة بين السلطة والمعارضة في نظام سياسي ديمقراطي، وقفت المعارضة التركية ضد سياسات السلطة، التي هي سياسات حزب العدالة والتنمية الحاكم، تجاه الصراع في سورية، ولم تخفِ بعض أطرافها ميلها إلى نظام الأسد، بالرغم من كل الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد ضد السوريين، ومن أن قمعه الشديد هو ما دفع السوريين إلى اللجوء إلى بلدان أخرى، ومن دعمه لحزب PKK وفرعه في سورية، والتهديد الذي يخلقه للأمن القومي التركي، وضمن هذا السياق، أصبح استهداف اللاجئين السوريين في تركيا، بترويج الشائعات وترويج أنهم سبب رئيس في كثير من الأزمات، أداة للنيل من الحزب الحاكم، فكان السوريون ضحية لأمر ليس لهم به يد. وسنناقش هنا الوجود السوري في تركيا من جوانبه المختلفة.

5 – 1 – الشكل القانوني للسوريين في تركيا

إن الوضع القانوني لوجود السوريين في تركيا يُعدّ من أكثر المواضيع التي أثارت مفاهيم مغلوطة، وصوّرت مواقف غير موضوعية لدى الرأي العام للمجتمع المضيف، وكذلك شوشت أفكار السوريين أنفسهم، فهم لم يعودوا يعرفون أهم لاجئون، أم ضيوف يتمتعون بحماية مؤقتة، أم مقيمون إقامة إنسانية، وماذا يترتب على كل وصف من هذه الوصوف.

في الواقع، بحسب تعميم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في 30 آذار/ مارس عام 2012، تمّ تعريف السوريين في تركيا وفي سياق القانون الدولي على أنهم (الأجانب تحت وصف الحماية المؤقتة). وهذا الوصف دفع معظم السوريين ليكونوا فاعلين في المجتمع المضيف، واستثمروا كامل مواردهم الذاتية والنفسية والاجتماعية ليحققوا حياة كريمة لهم ولأسرهم، وباتوا يشعرون بعبء مطالبتهم بالاندماج، حيث إن ذلك يحتاج إلى توفير حد أدنى من المقومات، كإتاحة الفرصة لتعلّم اللغة، وتحقيق ضمان صحي ورعاية اجتماعية، مكان إقامة إنسانية، وتلك المتطلبات لا تتحقق إلا وفق منح حق اللجوء، على حين أن تركيا لم تمنح السوريين حق اللجوء، ولديها أسبابها القانونية، ولا ننسى أن السوريين انتشروا في كثير من الدول، ويتبادلون الخبرات والآراء والأخبار عن واقعهم وظروفهم ويجرون المقارنات.

نلاحظ أن لائحة الحماية الدولية، وفقًا للقانون التركي، تصنف وجود الأجانب القادمين من خارج تركيا في أربع حالات:

لاجئ مشروط: وتشمل القادمين من خارج دول المجلس الأوروبي.

لاجئ: للقادمين من دول المجلس الأوروبي.

الحماية الثانوية: كلّ الأجانب الذين يستوفون الشروط ولا يدخلون في تصنيف لاجئين.

الحماية المؤقتة: مواطنو الجمهورية العربية السورية + المجموعات والأفراد الذين يجتازون الحدود على شكل هجرات جماعية ولا يتم تقييم طلباتهم الفردية.

وفق قانون الحماية الدولية لعام 2013 وتنظيم الحماية المؤقتة عام 2014، يقع وجود السوريين في صيغة “الحماية المؤقتة”، لا في صيغة اللجوء.

5 – 2 – ربط وجود السوريين بالأزمة الاقتصادية

دون الدخول في تحليل أسباب الأزمة الاقتصادية التي تمرّ بها غالبية اقتصاديات العالم، وليس الاقتصاد التركي فحسب، نسلّط الضوء بشكل مختصر ومبسط على الأثر الاقتصادي لمشروعات السوريين في تركيا، في محاولة للفت النظر إلى أن اللاجئ مورد لا عبء، كما تصوره الأجندات السياسية.

بعد انفجار الصراع في سورية منذ عام 2011، توجه القسم الأكبر من رجال الأعمال والصناعيين والتجار السوريين إلى تركيا، نظرًا لطبيعة الاقتصاد التركي الحرّ والمنفتح أمام الجميع، وتشير بعض الأرقام إلى أن المشروعات التي أسسها السوريون بلغت حوالي 13000 مشروع، وبحسب دراسة قدمتها “مؤسسة أبحاث السياسة الاقتصادية التركية”، فإن 22% من الشركات السورية موجودة في ولايات الجنوب والجنوب الشرقي المحاذية للحدود السورية. وتشير الدراسة نفسها إلى أن 59.4 بالمئة من الشركات السورية في تركيا ناجحة، وتمارس نشاطها التجاري كمثيلاتها التركية، وأن 55.4 بالمئة من الشركات السورية تركز في مبيعاتها على الأسواق الخارجية، حيث تقوم هذه الشركات بتصدير منتجاتها للأسواق الخارجية، فقد جاء رجال الأعمال السوريون إلى تركيا ومعهم رساميلهم وعلاقاتهم التجارية الدولية السابقة. وتقدر مساهمة السوريين في الاقتصاد التركي بما يزيد على نصف مليار دولار، إضافة إلى فرص العمل التي يوفرونها للعمال الأتراك والسوريين على حد سواء[13]. وعلى ذلك؛ لم يكن السوريون سبب أزمة اقتصادية أو تراجع سعر صرف الليرة التركية، بل إنهم ساهموا في النشاط الاقتصادي التركي العام، وتحكمهكم الظروف ذاتها.

من جهة أخرى، إن السوريين هم قوة عمل إضافية للاقتصاد التركي، وإضافة إلى أن 3.6 مليون سوري في تركيا يشكلون توسعة للسوق التركية ويرفعون من قيمة الناتج المحلي، يوجد بينهم قرابة 2 مليون قادرين على العمل، وقد عمل السوريون في أثناء وجودهم في إسطنبول، كما في غيرها من المدن، بأجور أقلّ من نظرائهم الأتراك، وبحقوق عمل أدنى من حقوقهم، وأوقات عمل أطول من أوقات عملهم. من جهة أخرى كانت السوق التركية والمنتجات التركية هي مصدر ما كان يذهب إلى سورية من سلع ومواد مختلفة، خلال السنوات العشر الماضية، وكانت المصارف التركية هي مستودع الأموال التي تجمعت في سورية في أيدي معارضين يقاتلون نظام الأسد. إضافة إلى المساعدات التي حصلت عليها تركيا من الاتحاد الأوروبي. وبالتالي فإن الأثر الاقتصادي للجوء السوري في تركيا كان له جانبان: جانب خلق أعباءً وتكاليف تحمّلها الاقتصاد التركي، مثل الخدمات الطبية والتعليم والضغط على المرافق العامة والخدمات؛ وجانب كان له العديد من الآثار الإيجابية، ويمكن أن تكون الآثار الإيجابية أكبر من الأخرى، من خلال وضع تصور شامل لتحويل الوجود السوري طويل الأجل إلى وجود يصبّ في المصلحة التركية القومية والاقتصادية، إضافة إلى مصلحة السوريين أنفسهم. وللمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع، يمكن الرجوع إلى الدراسة التي أعدها مركز حرمون سنة 2020، بعنوان “الأثر الاقتصادي للجوء السوري في تركيا”[14].

5 – 3 – المساعدات للسوريين

هناك تصور خاطئ، لدى معظم الأتراك، مفاده أن الحكومة التركية تقدم للسوريين رواتب ومعونات مالية ومساكن وتعفيهم من تسديد فواتير خدماتهم، وهناك جهات تستثمر في تغذية هذا التصور، مع العلم أن الواقع هو أن السوري في تركيا لا يتمتع بحقوق اللاجئ، وهناك فئة قليلة من السوريين تتلقى بعض المساعدات القليلة من الدول المانحة أو ما تسمى أصدقاء الشعب السوري، وعبر مفوضية الاتحاد الأوروبي، وعبر اتفاقيات مجدولة ومخططة مع الحكومة التركية.

في 18 آذار/ مارس 2016، وقّعت أنقرة مع الاتحاد الأوروبي ثلاثة اتفاقات مترابطة، حول الهجرة، وإعادة قبول طالبي اللجوء، وإلغاء تأشيرة الدخول للمواطنين الأتراك، وتقديم الدعم للسوريين المقيمين في تركيا، وفي هذا العام، مدد الاتحاد الأوروبي برامج المساعدات الإنسانية للسوريين في تركيا حتى مطلع عام 2022، وأوضحت المفوضية الأوروبية أن برامجها وفّرت مساعدات نقدية شهرية لـ 1.8 مليون لاجئ في تركيا، وأسهمت في تعليم 700 ألف طفل، من ميزانية الاتحاد الأوروبي، وذكرت بأن تركيا تستضيف على أراضيها نحو 4 ملايين لاجئ، 70 بالمئة منهم نساء وأطفال.

ولا بد من الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي تعهّد في القمة التركية الأوروبية، في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، بتخصيص صندوق بقيمة 3 مليارات يورو، من أجل السوريين في تركيا، وقرر الاتحاد، خلال القمة التركية الأوروبية التي انعقدت في 18 آذار/ مارس 2016، تخصيص مبلغ إضافي بقيمة 3 مليارات يورو للصندوق، حيث قرر الجانبان صرف مخصصات الصندوق على مشاريع سيتم تطويرها لتلبية احتياجات الصحة والتعليم والبنى التحتية والغذاء والاحتياجات الأخرى للسوريين في تركيا. ولا شك في أن هناك جهودًا خيرية وتبرعات ودعمًا من منظمات المجتمع المدني التركي، وكذلك من أفراد وشخصيات تعاطفت بشدة مع حال السوريين المتعثرة في نزوحهم وهجرتهم، وهذه الجهود موضع احترام وتقدير عاليين من قبل السوريين.

5 – 4 – قضية تجنيس بعض السوريين

أثارت قضية منح الجنسية الاستثنائية لعددٍ من السوريين جدلًا في الرأي العام التركي، بين معارض لهذه الخطوة ومؤيد لها، ولكل طرف مبرراته ورؤيته حول هذا الموضوع، ولا بد من الإشارة هنا إلى أمرَين اثنين: أولهما أن هناك مبالغة في الأرقام المنشورة للمجنسين، وربط ذلك بالانتخابات والفرق الذي يمكن إحداثه، وهذا الأمر غير دقيق وغير مقبول منطقيًا؛ وثانيهما أن الوضع القانوني للسوريين ليس موحدًا في تركيا، حيث هناك من يعمل ولديه إقامة عمل، وهناك من لديه إقامة سياحية، وهناك جزء صغير منهم قد حصل على الجنسية، والغالبية منهم يحملون بطاقة الحماية المؤقتة.

ولو نظرنا إلى طول مدة إقامة السوريين في تركيا، نتيجة استمرار الصراع، وكانت صفة الإقامة هي “اللجوء”؛ فلربّما كانت أعداد المجنسين أكبر بكثير من الأعداد الحالية، وذلك بمقاربة بسيطة مع اللاجئين في دول الاتحاد الأوروبي، مع الإشارة إلى أن هناك أكثر من 300 ألف طفل سوري وُلدوا في تركيا.

5 – 5 – المخاوف الأمنية والمشاعر والمواقف تجاه السوريين

تحاول بعض المنصّات الإعلامية والتقارير أن تثير الخوف والحذر في أوساط الرأي العام التركي، من خلال ربط فكرة أن وجود السوريين يزيد من معدلات عدم الأمان وانتشار مظاهر الجريمة، وهذا الوصف غير عادل، حيث يمكننا الاستناد إلى تصريح وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، بأن نسبة ارتكاب السوريين للجرائم في تركيا ضئيلة جدًا، وتعادل نصف نسبة ارتكاب الأتراك للجريمة، وهي 8 بالألف لدى الاتراك و4 بالألف لدى السوريين، وقسم كبير منها يتعلق بالزواج من قاصرات، وهو ما يعدّ جرمًا في القانون التركي، بخلاف ما هو معروف لدى السوريين. أضف إلى ذلك التركيز على بعض السلوكات الفردية ونشرها بكثافة وتعميمها على أنها سلوك للسوريين عمومًا، مع أنه هناك كثيرًا من قصص النجاح والتميز والتفوق والتعاون والإنجاز لدى السوريين، ولكن الاستعداد لتقبّل السلوك السيئ أكبر من الاستعداد لتلقي السلوك الجيد، وذلك ناتج عن تصورات مسبقة، ربّما تكون لدى الطرفين.

5 – 6 – قضايا الخدمات العامة كالصحة والتعليم والنقل وغيرها

لا شك في أن الشعب التركي وحكومته قدّموا مشكورين كثيرًا من الدعم والمساعدة للسوريين، ولكن تقتضي الإشارة هنا إلى أن السوري يدفع رسوم دخول الجامعات، ويخضع للشروط المطلوبة، ويدفع رسوم خدمات النقل والحصول على خدمات صحية، ويسدد كل ما عليه من التزامات كأجنبي يحمل نوعًا من أنواع الإقامة التي تحدثنا عنها سابقًا، ولا توجد لديه ميزة خاصة لكونه سوريًا، والقصد من هذا التوضيح تجنب الاستثمار في هذه القضية لصالح أجندات سياسية، تحرّض على تبني موقف رأي عام يستند إلى مغالطة.

5 – 7 – بعض المخاوف المتعلقة بالهوية ونمط الحياة وبين التصورات والمواقف تجاه السوريين

هناك الذين يعتقدون أن تركيا تنتمي إلى العالم الغربي الحديث، وهم أكثر رفضًا لوجود السوريين، ولذلك يستمرون في تبرير وجهة نظرهم عبر التقارير والآراء ووسائل الإعلام والتركيز على أن السوريين لا يشبهوننا، ثقافيًا ولا اجتماعيًا، ويجب ألا تطول إقامتهم بيننا، بالمقابل هناك من يرى عكس ذلك تمامًا، ويؤمن بأن الهوية الدينية المشتركة تجمع في طيّاتها الثقافة والعادات والأعراف، وكثيرًا من المشتركات التي تسهل عملية توافق وتعايش السوريين مع مجتمعهم المضيف. وبالتأكيد فإن السوريون لا يشكلون أي تهديد ثقافي في تركيا، بسبب حقيقة بسيطة هي وجود تشابه كبير إلى حد التطابق أحيانًا في الثقافة والعادات والتقاليد والقيم بين المجتمعين الجارين السوري والتركي، ولا يحتاج اندماج السوريين في المجتمع التركي إلى سنوات أو إلى جهود كثيرة.

6 – مستقبل وجود السوريين في تركيا

لا تكاد تخلو دراسة ولا استطلاع رأي، من سؤال حول فكرة “عودة السوري إلى بلاده”، سواء كان موجهًا للسوريين أو موجهًا للأتراك، وانتشرت كثير من النسب المتناقضة حول رغبة السوري في البقاء في تركيا وعدم العودة إلى بلاده، إذا ما توقف الصراع وانتهت الحرب، وكذلك بما يخص وجهة نظر الأتراك، فقد استخدم زعيم أحد الأحزاب المعارضة هذه القضية مشروعًا وبرنامجًا له، يقدّمه للشعب التركي في سبيل تحقيق مكاسب سياسية. حاولت الدراسة التي أجراها مركز حرمون للدراسات المعاصرة، بعنوان “آراء المهاجرين السوريين وتطلعاتهم بخصوص مسألة المواطنة والجنسية التركية”[16]، أن تعرف درجة تفكير السوريين في موضوع العودة إلى سورية بشكل عام (مجرد تفكير). وقد وافق نحو ثلث أفراد العينة على ذلك؛ إذ قالوا إنهم لا يفكرون مطلقًا في العودة إلى سورية، ووصلت نسبتهم إلى 33 %، في حين أن نسبة الذين يفكرون في العودة إلى سورية بلغت 67 %. وهذا النسبة على مجرد الافتراض، وهي ترتبط بالظروف السائدة في سورية، وخاصة ضمان سلامتهم وعدم اعتقالهم من قبل أجهزة الأمن، إضافة إلى توفر الاستقرار وفرص العمل وانطلاق إعادة الأعمار، وكل هذا لا يتحقق ببقاء نظام الأسد ونظامه. ولو تحقق لعاد معظم السوريين إلى بيوتهم، ومعظمهم يملك بيتًا، وعادوا إلى أراضيهم وأملاكهم وأعمالهم التي تركوها مرغمين.

7 – في الختام:

– إن حركة الشعوب لم ولن تتوقف، والهجرات بمختلف أسبابها لا بدّ أن تترك أثرها في المشهد السياسي، سواء في بلدان اللجوء أو بلدان العبور أو حتى البلدان المصدرة للجوء، وسياق الهجرة السورية تزامن مع صعود التفكير الوطني والهوياتي في العالم، ولذلك سوف تتأثر ظروف هجرتهم، وتكيّفها القانوني والاجتماعي والاقتصادي.

– تعدّ تركيًا من أبرز الدول المستقبلة للاجئين، بحكم وقوعها في منطقة كثيرة الاضطرابات، وهذا يخلق عليها أعباء وضغوطات اقتصادية واجتماعية، ولكنه يمنحها دورًا أكبر، إقليميًا ودوليًا، يأتي بكثير من المنافع الاقتصادية والسياسية للدولة والمجتمع التركيين.

– لم يلجأ السوريون إلى تركيا أو إلى غيرها بإرادتهم، إنما لجؤوا تحت تهديد الموت والاعتقال والتعذيب والقصف الوحشي، وعودتهم لبلادهم لم تعد رهن إرادتهم، ولا يمكن إرجاع هذه الأعداد (سبعة ملايين لاجئ وستة ملايين نازح داخلي) من دون مناخ سياسي سوري داخلي وتفاهم إقليمي ودولي، فحتى لبنان الذي تؤيد حكومته الأسد ونظامه، حيث يُسهم “حزب الله” الذي يسيطر على السياسة اللبنانية اليوم في حرب النظام السوري ضدّ الشعب السوري، لم يستطع أن يعيد اللاجئين السوريين (وعددهم أكثر من مليون لاجئ سوري) إلى بلادهم، ففي المسألة تعقيدات أكثر بكثير من التصريحات التي يقصد بها المسّ بطرف سياسي آخر.

– إذا كان الوجود السوري في تركيا من المصلحة القومية التركية، فلا بدّ من أن يتم رسم استراتيجية تتيح خلق أفضل المنافع من وجودهم، لهم وللاقتصاد والمجتمع والمصلحة القومية التركية، ولا سيّما أن وجودهم أصبح واقعًا لا بدّ من إدارته والتعامل معه بعلمية وحكمة.

– لا بدّ من الإشارة إلى دور الدراسات والبحوث والمؤشرات ووسائل الإعلام في دعم صناعة السياسات والقرارات المرتبطة بالقضايا المطروحة من خلالها، يرى البروفسور مصطفى كوكسلان أن هناك ضعفًا في دور وسائل الإعلام التركية، عند الحديث عن وجود السوريين في البلاد، مشيرًا إلى أن معظم العاملين في مجال الصحافة على غير دراية بآلية التعامل مع الخبر المتعلق بالسوريين وبالطريقة المثلى لمخاطبتهم، ويخلطون بين تسميتهم بـ “لاجئ” أو “مهاجر”، والجدير بالذكر أن البرفسور كوكسلان هو أحد مؤسسي المشروع البحثي حول وجود السوريين في تركيا ومشكلات التواصل والاندماج بين المجتمعين، وهو بعنوان “التواصل الحضاري حول الهجرة”، ولذلك نشدد على أهميّة دور الإعلام وأدواته، وكذلك البحوث والدراسات والمؤشرات، ولكن بشرط التحلّي بالموضوعية والحيادية والعلمية في التصميم والتنفيذ، والابتعاد عن ميدان التجاذبات السياسية وتضارب المصالح.

توصّلت الدراسة التي أشرنها إليها أعلاه، ونشرتها أخيرًا مؤسسة البحوث الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في تركيا بعنوان: “تصورات ومواقف ضد اللاجئين السوريين في إسطنبول: الحزبية، ومكافحة الأجانب، وتصورات التهديد، والاتصال الاجتماع، توصلت إلى عدد من النتائج المتعلقة بالمتغيرات المدروسة، وقدّمت جملة من التوصيات الفعّالة والموضوعية بخصوص تصحيح نظرة الأتراك في إسطنبول تجاه السوريين:

– أهمية قيام حملة إعلامية طويلة الأمد، بالتعاون مع الحكومة ومنظمات المجتمع المدني، من أجل دحض الشائعات التي لا أساس لها، ومكافحة الصورة النمطية السلبية تجاه المهاجرين.

– إجراء الحملة من خلال وسائل الإعلام التقليدية (التلفاز والصحف والإذاعة) بالإضافة إلى الوسائل على شبكة الإنترنت، وينبغي إشراك أشخاص يمكنهم جذب مختلف الشرائح الاجتماعية، كالفنانين والرياضيين.

– كسر ميل السكان المحليين إلى النظر إلى السوريين على أنهم مجموعة متساوية ومتجانسة، وتقديم صورة أكثر واقعية للاجئين، وإظهار حقيقة أن اللاجئين ضحايا حرب أهلية ويحتاجون إلى المساعدة، لأنهم يحاولون البقاء في الحياة، على الرغم من الكوارث التي حلّت بهم.

– يجب أن يكون الرأي العام التركي على معرفة أوسع بحقيقة الحرب الأهلية في سورية، وأن يكون هناك عمل لزيادة التواصل الاجتماعي للسكان المحليين مع اللاجئين. وعمل كلّ ما من شأنه أن يسهل الاندماج الاجتماعي، مثل زيادة دورات تعليم اللغة التركية، وإزالة العوائق القانونية المتعلقة بالخدمات، وتعديل وضع الحماية المؤقتة ليشمل الحقّ في العمل، وعدم طلب تصريح عمل إضافي؛ لأن الوضع الحالي يشجع على العمل غير الرسمي، ويفتح الباب أمام استغلال العمالة، ويضع المواطنين في الطبقة الفقيرة واللاجئين السوريين الفقراء، في قاع سوق العمل، وهذا مما يضرّ بالسلام الاجتماعي.

  • Social Links:

Leave a Reply