بلدي يا خيار !! – رؤى عبد الصمد

بلدي يا خيار !! – رؤى عبد الصمد

رؤى عبد الصمد
بلدي يا خيار !!
سوق باب جنين في مدينة حلب هو السوق الشعبي الاكثر شهرة ، هناك تنتشر مئات بسطات الخضرة في بقعة صغيرة في مركز المدينة ، تعرقل سير حتى المشاة ، و رغم ان البلدية ذاهبة آيبة تتلف بعض البسطات و تصادر بعضها و تاخذ المعلوم من البعض الآخر ، إلا ان السوق موجود رغم انف الجميع ، و حتى رغم انف فندق امير المجاور ، ارقى فنادق حلب !!
تلة من الخيار ممتدة لمسافة خمسة امتار عليها ثلاثة بياعين ، أحدهم ينادي على الخيار بالميكروفون ، الآخر يزن طلبات الزبائن بعد ان يملؤوا الاكياس بأنفسهم ، الثالث يحاسب الزبائن ..
عشرات الزبائن يتدافعون على بسطة الخيار يملؤون اكياسهم ، و رغم ان الخيار من الحجم الكبير إلا انهم يتسابقون بملئ اكياسهم خشية. ان ينفد الخيار ، رغم ان سيارة سوزوكي صغيرة تاتي كل نصف ساعة و تفرغ في البسطة جوالات جديدة من الخيار ..!!
الخيار ليس مفقودا” طبعا” في السوق بل بجانب هذه البسطة الكبيرة توجد بسطة صغيرة لا تتجاوز ٥٠ كغ يقف عليها شاب صغير (يبدو طالبا” في الصف العاشر ) و لكن لا احد يشتري منه مع ان خياره افضل من خيار البسطة الكبيرة و سعره اقل .
في الجانب الآخر ايضا” بجانب الكراج القديم عشرات بسطات الخيار الصغيرة لفلاحين جلبوا الخيار البلدي العدي و لا احد يقترب منهم ..الكل يسرع ليشتري من البسطة الكبيرة ..!!
البائع على الميكروفون ينادي بصوت مرتفع يزعج كل من في السوق :
-الخيار عنا بعشرة .. أرب يا حباب .. ارب ارب ..بعشرة الخيار ..اصابيع البوبو يا خيار (اي بوبو و الخيارة الواحدة طولها ٣٠سم !! ) .. بياع السماح لهون ..!! لك ما بدنا مصاري ..!! اليوم البيع بخسارة يا ناس ..بس بعشرة الخيار ..
..إذا ما بدك تشتري لا توقف يا حباب ..روح اشتري من الزبالة ..هادا الخيار للأكابر …ما معنا فراطة !! خمسة كيلو بخمسين .. اللي ما معو فراطة لا يجي ..الرزق على الله ..
بعشرة الخيار ..بلدي الخيار ..شغل الفوعة الخيار ..مو من قويق .. افتاح طريق .. انتي هون وين رايح حاسب العمى يضربك .. ابو العيلة لهون …نفقنا نفقنا نفقنا ..بعشرة الخيار اصابيع البوبو يا خيار…. عيف من إيدك و الجبر على الله !!
ابو محمد من الطرف الآخر بجانب المعهد الفندقي سمع هذه المناداة الحماسية انتقل إلى الطرف الآخر بجانب فندق امير ليرى الموضوع ، شاهد البسطة الكبيرة و بلا شعور تناول كيس نايلون من البائع و بدا يملاه . اشترى خمسة كيلو ، دفع خمسين ليرة بسرور ، و نسي ان لديه حقل واسع من الخيار و القتة و البامة و الجبس و البطيخ و نسي انه منذ لحظات كان يبيع الخيار الذي جلبه من حقله ، و انه لم يبع ال ٤٠ كغ التي جلبها معه من القرية إلا بطلوع الروح !!
ايو صطيف زوجته وصته على خمس كيلو باذنجان لتطبخ محشي ، وسط هذا الحماس و عندما شاهد الجميع يشترون من هذا الخيار بلهفة ، وجد نقسه بلا شعور يشتري خمسة كيلو خيار ، دفع الخمسين ليرة ، و لم يتبق معه اية نقود لشراء الباذنجان !!
لطوف مفلس آخر الشهر ، يا دوب بقيان معه ٢٠٠ ليرة و لسا في خمس ايام للراتب ، و لكن وسط هذا الهياج الجماهيري وجد نفسه يشتري خمسة كيلو خيار يدفع خمسين و يبقى معه ١٥٠ لخمسة ايام للحمة و الرز و البطاطا و الخبز و أجرة الباص !!
………………
حدثتكم عن سوق باب جنين بحلب و بسطة الخيار الكبيرة لتعرفوا كيف تدار الاحداث عندنا في سوريا و في العالم العربي عموما” ..بميكروفون و بعض الهتافات و كثير من الحماس و ضجة إعلامية و بعض المفرقعات تشتري خيارا” انت لست بحاجة إليه !!
تلتهم فكرا” خبيثا” و تترك الفكر الجيد كاسدا” بجوارك لأن صاحبه لا يمتلك ميكروفون و لا يمتلك هذا الحماس و هذا الجعير و هذا الصراخ !!
بلدي يا خيار !!!
رؤى عبد الصمد
٢٠١٨

  • Social Links:

Leave a Reply