بقلم: ماجد مرشد
تصنيفات وكتب:هناك من النقاد الغربيين من صنف بعض الأعمال عبر بضع دراسات نقدية، تناولت مفهوم الخارق للواقع، وبعضها تحدّث عنه بإجلال وكأنه إعجاز يتربع على قمة الإدهاش والعبقرية (15): الأنطولوجيا الضخمة للخارق للواقع Anthologie du Fantastique لــ J. Goimard غوامار و Stragliati ستراغلياتي، ضمت تعداداً لمعظم الحكايات. بيير جورج كاستيكس Pierre – Georges Castex Le Conte fantastique en France de Nodier à Maupassant القصة الخارقة في فرنسا من نودييه إلى موباسان، 1951 : تتضمن تحت باب خارق للواقع أناشيد مالدورور Les Chants de Maldoror للتريامون Lautréamont . مارسيل شنيدر Marcel Schneider تاريخ الأدب الخارق للواقع في فرنسا- 1964″Histoire de la littérature fantastique en France : يرى أن جذور الجنس توجد في العجيب المسيحي القروسطي. تزفيتان تودورف Tzvetan Todorov في: مدخل إلى الأدب الخارق للواقع Introduction à la littérature fantastique- 1970- يقحم ألف ليلة وليلة Les Mille et une Nuits مقدماً لها بأنها السباقة. روجيه كايوا Roger Caillois أنطولوجيا الخارق للواقع- 1966 Anthologie du fantastique، يخلط قصصاً صينية من القرن الثالث.لقد اختص أرسطو بالتراجيديا. أما الخارق للواقع فلم يختص به أحد. ليس له منظّر، ولا مؤلف في بيئة مصطنعة، قد يستخدم كمرجع مطلق. لكن نودييه Nodier، بشكل خاص، كتب في 1830 بياناً حقيقياً “عن الخارق للواقع في الأدب Du fantastique en littérature”، أقام فيه التسلسل الممجد للكتاب الخارقين للواقع: غوته Goethe، دانتي Dante، وفيرجيل Virgile، وهوميروس Homère، وأهمل كتّاب الكتاب المقدس، والكتب الدينية الأخرى.ولو حاولنا فهم الأسباب التي حدت بنودييه Nodier، لينسب للخارق للواقع أصولاً مماثلة ذات اعتبار ونفوذ، لخمّنّا أنه استسلم للبحث عن الأصول التي قد تحدد هذا المفهوم كجنس أدبي، إذ امتثل لمنهج علمي عام كان متّبعاً في القرن التاسع عشر. ولكن اليوم أيضاً، فإن كل تفكير حول الخارق للواقع والعجائبي، يصب في قالب على أطر مشابهة، يعيق فهم المسألة أكثر من أن يوضحها. فما بالك لو أدخلنا الخيال العلمي بأساليبه المختلفة، وشطحاته البعيدة والقريبة، وأخضعناه للتجنيس مع مفهوم الخارق للواقع أو العجائبي؟! كذلك الأدب الديني من قصص الأنبياء والغيبيات والتاريخيات وغيرها؟!الدكتورة “بهاء بن نوار”، اعتبرت أن العجائبية «سمة بارزة من سمات التراث الحكائي العربي القديم- كما فعل تزفيتان تودوروف تماماً- ولا سيما حكايات ألف ليلة وليلة، ومجموع السير الشعبية، إلا أنها في الرواية المعاصرة تكتسب معانيَ جديدة مختلفة عن المعاني التراثية، (رغم أنها) تستقي مصادرها من هذا التراث العربي القديم، وكذا من التراث الغربي بنوعيه؛ القديم والحديث، وبمعنى أدقّ، يمكن القول إن العجائبية في الرواية العربية المعاصرة تستقي مصادرها، وتمدّ جذورها، في التراث الإنسانيّ كله؛ شرقيّه وغربيّه».(16)في الخاتمة:وختاماً، لا بد لنا من تبسيط بعض المفاصل، التي تضعنا على عتبة فهمٍ للصعوبات المواجهة للخارق للواقع، كجنس أو تيار أدبي مستقل. فبدلاً من تشبيه عدد معين من المؤلفات المعتبرة تقليدياً، خطأ أم صواباً، على أنها “خارقة للواقع”، مع تمثّل الفكرة المتوهّمة عن الجنس أيضاً، واستحالة استخراج النقاط التي توحد بينها… سنحاول تبسيط الولوج إلى تمظهر العجائبي والخارق للواقع في الأعمال المقاربة عموماً، حتى لا نصل إلى حدّ من التجميع العشوائيّ لمؤلفات عصورٍ مختلفة تماماً، انطلاقاً من اللحظة التي تقدّم بعض التشابهات السطحية، وتبدو أنها تقابل- قريباً أو بعيداً- الصورة المأمولة.إن أي مقاربة للأدب العجائبي أو الخارق للواقع، لا بد لها من رصد صفة من صفات الخارق للواقع أو أكثر، في النص المتناول: – الحدث العجائبي: تحرّك الأشياء من تلقاء نفسها، اشتعال النار وحدها، تغيّر صورة المكان فجأة، حوادث غير متوقّعة كالانتقال الخاطف، أماكن مسحورة، سماع أصوات مثيرة ومرعبة، سطوع أنوار مبهرة مفاجئة في العتمة، تحول الماء إلى دم، أحلام مزعجة، كوابيس….- أدوات عجائبية: بساط الريح، التفاحة والطاقية، العصا السحرية، مكنسة المشعوذين، قبعة الإخفاء، الفانوس السحري، آلات خارقة، مراكب فضائية خارقة وصحون طائرة، أدوات مسحورة تحكي….- الشخصية العجائبية: مصاص دماء، ملاك، جنّي، إلاه، شخص متقمّص، مارد القمقم أو الفانوس، رجل فضائي من مجرات أخرى، رجل متحوّل بأحد الأشكال الحيوانية، شخصية خرافية أو أسطورية بقدرات خارقة للواقع….- اللغة والسرد العجائبيين: أسئلة المتن وأشكال الخطاب، سلطة الخيال كتضخيم صور الأشياء والوصف، مستويات اللغة والأسلوب، آليات حكائية تكسر النمط المألوف، سكونية السرد وقوالبه، الإيحاء والانزياح الدلالي، اللعب على الألفاظ والمفردات….إن البحث في أيّ عمل أدبيّ، وتلمس صفة فيه أو بعض الصفات مما أشرنا إليه، لا يمنحه جنسية خاصة توسم بالعجائبي أو الخارق للواقع، بل لا تصنّفه في بوتقة خاصة، كرواية الخيال العلمي مثلاً، رغم تفاوت درجات منطقيتها وقبولها عقلياً، أو إمكانيات تحققها يوماً، رغم أن الهدف من كتابتها ليس السبق العلمي للمكوّن العلمي الواقعي، بل تتعدد الأهداف أيضاً وتختلف من عمل تخييلي لآخر.ولعل الصورة التي قدّمها القرن التاسع عشر بشكل عام، والرومانسيون بشكل خاص، عن الخارق للواقع، ما زالت تتوسع أفقياً وعمودياً في الرواية المعاصرة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، سلسلة ستيفاني ماير (17) الكاتبة الأميركية (مواليد 24 ديسمبر/ كانون الأول 1973)، التي اشتهرت بسلسلة مصاصي الدماء الرومانسية Twilight”الشفق”، ونالت رواياتها شهرة عالمية، حيث فازت بالعديد من جوائز الأدب، وباعت أكثر من 70 مليون نسخة على مستوى العالم، وحيث ترجمت إلى 37 لغة مختلفة، وأخرجت سينمائياً في عدة أفلام.(تمت)الإحالات:15- جويل مالريو، الخارق للواقع، ترجمة الدكتور عبد الهادي صالحة، دمشق 2017، (قيد الطبع).16- “العجائبية في الرواية العربية المعاصرة مقاربة موضوعاتية تحليلية”، أطروحة مقدمة لنيل درجة دكتوراه في الأدب العربي، إعداد الطالبة بهاء بن نوار، إشراف الأستاذ الدكتور الطيب بودربالة، جامعة الحاج لخضر- باتنة- الجزائر، السنة الجامعية 2012- 2013 ، ص4.17- ستيفاني ماير، موسوعة ويكيبيديا الحرة.
Social Links: