غالباً ما تكون القرابة لعنة تلاحق المرء طيلة حياته

غالباً ما تكون القرابة لعنة تلاحق المرء طيلة حياته

هيفاء الحاج حسين

في بيئة الاستبداد يعتاد الناس على فكرة الوصاية التي يمارسها النظام السياسي عليهم فيجند المخبرين لملاحقة تحركاتهم ولجمها أو بترها، ويتحول الأمر إلى إرثٍ ثقافيّ بديهيّ، فيبيح المجتمع لأفراده مسؤولية الرقابة على الحريات، بدءاً من رقابة الأبوين مروراً برقابة الأقارب وليس انتهاءً برقابة الجيران وأهل البلدة.
من منا لا تلاحقه حتى اليوم (مهما بلغ من العمر) عقدة الذنب كدمّلة خفيّة أوالتبكيت المبهم على أمرٍ مجهولٍ يجهد كي يعرفه وهو ينبش بذاكرته ويفند ما تأخر وما تقدم من أفعاله علّه يكتشفه ويراجع نفسه فيه؟
ورغم الشتات الذي نعيشه كسوريين في أرجاء الأرض لم يتخل الكثير منا عن عمله الطوعي في رقابة إخوانه وفرض الوصاية عليهم وانتقادهم وإصدار الأحكام الأخلاقية فيهم لكأنهم لم يغادروا بيئة الاستبداد وقوانينها الظالمة قط!
كم من مراهقة زوجت باكراً أو حبست أو قتلت لأن أحد الأقارب وشاها لأبيها أن رآها بعينه في موقفٍ مشينٍ مع أحد الشبان وكثيراً ما يكون الموقف بريءٌ كل البراءة لكن إغراء المبالغة وإذكاء النار يضخّا الادرينالين في رتابة وقت الواشي ويشبعا حاجته لإثبات وجوده الهامشيّ الهش. كم من الأولاد الأذكياء عافوا مدارسهم وارتموا في حضن الشارع بسبب سوء فهم المعلمين والإدارة لتمردهم الذي إنما ينبع من عقولهم التي لا تقبل الأسر والقوالب الجاهزة؟
كان الناس سابقاً يبيحون لأنفسهم التدخل في شئون الآخر من باب أنهم ومثلما يشدّون أزر بعضهم في الملمات ّيحق لهم أن يطلقوا أحكامهم ويفرضوا آراءهم بالمقابل، لكنهم اليوم، قلما يؤازرون وكثيراً كثيراً ما يتحكمون.
ها إني بلغت من العمر ما بلغت وما يزال يسكنني هاجسٌ يستيقظ فجأة دونما سبب يشعرني بتقصيري في أمرٍ ما أو يذكّرني بإثمٍ غامضٍ لا أعرف أصلاً ما هو لكنه يلاحقني بقوة ويفسد عليّ غفوةً هانئة حين أستلقي بعد يومٍ متعِب.
وأتساءل: هل القرابة لعنة أم نعمة؟
هل ينبغي لتقويم الأخلاق أن يشقينا أو أن يسعدنا؟
هل يأتي يومٌ نتحرّر فيه من سوط الجلاد فينا وعلينا؟

  • Social Links:

Leave a Reply