هو ليس وفاءً، إنّه الحبّ”

هو ليس وفاءً، إنّه الحبّ”

هيفاء الحاج حسين

نمنمات سورية


كثيراً ما سمعتهم يَعْجبون مستهجنين من رجلٍ تزوّج بعد ترمّله بقليل, كأن يقولوا:

  • يا للدناءة! شهران مرّا فقط على وفاة زوجته, وهاهو يتزوّج من أخرى دون أيّ حياء, يا للرّجال وأنانيّتهم! النّساء قد يعشن عمرهنّ وفيّاتٍ لزوجٍ اختطفه الموت مبكراً واكتفين بدفء الذّكريات.
    ما استطعت يوماً التعاطف مع إدانةٍ من هذا النّوع, وكنت أسأل نفسي:
  • إن كان قادراً على ترميم جراحه بهذه السّرعة والتكيّف مع امرأةٍ أخرى فلم عليه أن يؤجل؟ مراعاةً لمشاعر الناس؟
    ولم عليه أن يراعي مشاعر الناس؟ هل يستطيع الناس مقاسمته ليالي وحدته؟
    هل يستطيعون ملء الفراغ الذي تركته بعد رحيلها؟
    أمّا عن وفاء النساء فأعتقد أنهنّ ببساطة أقدر في الالتزام والتكيّف مع الأعراف وأضعف من أن يواجهن المجتمع بخيارٍ يدينهنّ.
    لا يمكن لأحدٍ أن يحلّ مكان الآخر قطعاً, وعليه فليبق مكان الراحل محفوظاً وليستوطن السّاكن الجديد في مكانٍ على مقاسه.
    لِمَ يجب على المجتمع أن يرفع سياطه على الأفراد ويجلدهم بها لقاء خياراتٍ تخصّهم وحدهم فقط ولا تسيء لأحد؟
    فلانة قبرت أربعة أزواج! فتصير مادّةً غنيّةً للشّجب والنميمة.
    بينما كنت دوماً أشعر تجاهها بالإعجاب, فتلك شجاعة وتصالح مع الحياة والأقدار, وقلّة من يملكونها.
    إنّها حياةٌ واحدةٌ نعيشها, ومن حقّنا أن نهدرها بالطريقة الّتي تناسبنا, كالأجر الشّهريّ الّذي نحصل عليه لقاء عملنا لا يحقّ لأحدٍ مناقشتنا في كيفيّة إنفاقه, وكذلك وقتنا المحدّد على هذه الأرض.
    دوماً يستدعيني للحديث في هذا الموضوع تعليق الأصدقاء تحت منشوراتي الّتي أحيي فيها ذكرياتي مع زوجي الراحل مشيدين بوفائي, وكثيراً ما حاولت الردّ موضّحةً أنّه ليس وفاءً فأنا لا أومن بهذا النوع من التضحية.
    أن أكون عاشقةّ لرجلٍ لا أرى حولي من يستطيع منافسته شيء, وأن أكون وفيّةً لذكراه بغلق الأبواب على قلبي شيءٌ آخر.
    أنا أدين للحياة لا للموت, ودوماً أرفع رايتها وأدافع عنها وعن الأحياء, فللميّتين عالمٌ آخر لا نعرف عنه شيئاً ذهبوا إليه دون رغبتنا ومن غير استئذانهم أيضاً, أمّا الحياة فهي رقعتنا وملعبنا نحن الأحياء ونستطيع أن نجعلها ممكنةً وسعيدةً لو شئنا, فلم يكون علينا الانسحاب منها ومحاولة مشاركة الرّاحلين رحلتهم المجهولة والغياب معهم؟
    بهذا المعنى أعلن إني لست وفيّةً, ولا أومن بوفاءٍ من هذا النوع, كل ما في الأمر أني ما أزال أسيرة الحب الذي كان دون أن يكون لي مقدرةٌ في السيطرة على توجّهات قلبي, وحين أمتلك تلك المقدرة لن أستح من إشهارها لأنّني في ذلك أنتصر للحياة, وأنتصر للحبّ أيضاً.
    وكلما صحوت في صباح يومٍ جديد أشكر الله على نعمة الحياة, وكثيراً ما أذرف الدّمع مفتقدةً نصفي الآخر لأنّه ليس معي كي يشاركني هذا الجمال,
    لا وفاءً بل حباً فقط.
    لذلك أرجوكم لا تطلقوا عليّ هذه الصفة لأنّها تقيّدني بما لا يشبهني, ولا أحبّ أن أكون ملاكاً أنا أحبّ الإنسان خطّاءً ونبيّاً في آن.

  • Social Links:

Leave a Reply