الماركسية وظاهرةالانتهازية والشعوب التحررية

د. منذر ابومروان اسبر

تتعدد الآراء حول الانتهازية لدى مختلف الحركات السياسية بصدد مصدرها أو علاقتها مع النظرية أو التنظيم الحزبي او المواقف من الأحداث السياسية .

ولقد اتسمت الوضعية العد. منذر ابومروان اسبرربيةمع احدات ” الربيع العربي ” بوقائع انتشار الحروب الأهلية وارهاب القوى الحاكمة ، وتصاعد الاحتلال الاجنبي وتكاثر المجموعات المسلحة الخارجية و انتهاج التمحورات الخارجية الانتهازية ، الوقائع التي تشكل عناوين لهذه الوضعية المأساوية الدموية اكانت داخلية أم خارجية أو مشتركة .

ولما كانت التجربة الماركسية هامة وأساسية في العصور الحديثة فإن عرض العلاقة بين ماعاشته من احداث وبين ظاهرة الانتهازية السياسية ، من شأنها القاء الأضواء على ماسببته كظاهرة ترافق العمل السياسي وتهدد نضالات الشعوب التحررية باستمرار .

لقد اخذ لينين بمقولة الانتهازية في دلالاتها المعروفة كسياسة ظرفية دون مبدأ وطبقا للمصالح الخاصة و البحث عن المكاسب المؤقته .

ولكن لينين لم يتوفف عند ذلك بقدر ما أنه ربط الانتهازية بالتحريفية للنظرية الثورية التي يقوم عليها التغيير وبناء المجتمع والاقتصاد والدولة .

وتشكل أطروحات برنشتاين النموذج التحريفي الانتهازي في الحزب الديمقراطي الاجتماعي الالماني بما جعل المقولة التحريفية الانتهازية نظرية لبرنشتاين قام بنقدها وتعريتها أبرز القيادات الماركسية ، نقصد روزا لوكسمبورغ وكاوتسكي وبليخانوف ولينين .

فاطروحات برنشتاين تتعلق بالنظرية على أن الماركسية نظرية تقوم على عناصر اختبارية تمحيصية على شاكلة نظرية التطور الداروينية ،وبالتالي فإن كل تغيير ليس اكثر من تطور تدريجي ينفي الحاجة إلى الثورة بينما يتحقق التغيير والمجتمع الجديد الاشتراكي عبر هذا التطور اي عبر المؤسسات البورجوازية الليبرالية دعما لها وحركة إصلاحات مستمرة فيها .

بهذا تطرح روزا لوكسمبورغ السمات الأساسية للانتهازية في أنها :

_ضد النظرية اولا ومع البحث عن المكتسبات العاجلة ثانيا واعلاء اولوية التاكتيك ثالثا وممارسة التنازلات المستمرة رابعا وحق المناورة على الحلفاء والأصدقاء خامسا .

ولكي تضع روزا لوكسمبورغ حدا للانتهازية التصفوية للتغيير والثورة ، فلقد عملت على ربط الاستراتيجية بالاهداف السياسية وعلى تعضي العمل السياسي نفسه بالنضالات الاجتماعية ، واعتماد التحليل الملموس للوضعية التاريخية وتناقصاتها وتطوراتهاقاعدة لكل عمل سياسي.

واذا كان لايوجد من حتمية تاريخية لسقوط النظام القائم كما تقول روزا لوكسمبورغ أو استباق تاريخ سقوطه والأشكال التي يأخذها ، فمن الخطأ الاعتقاد ان هذا التغيير يتم تدريجيا عبر الإصلاحات له ودقرطة سلطة الدولة وزيادة بعض العائدات الإنتاجية على قوى العمل الاجتماعي .

وعلى صعيد أخر وبدراسة الحركات السياسية فإن لينين يرى أن معظم تنظيماتها التي تقول بالتغيير والثورة كان منقسمة إلى تيارين :

التيار الانتهازي والتيار الثوري وأن هذا الانقسام التنظيمي يأخذ أشكالا مختلفة حسب اللحظة التاريخية بما يطرح النضالات الفكرية والسياسية الضرورية لتعرية الانتهازية و فقدان الخط والخطة السياسية .

والواقع ان لينين يعيد بعض اشكال الانتهازية الى جذر اجتماعي للبورجوازية الصغيرة الطامحة إلى الارتقاء في السلم الاجتماعي وبوجه خاص لشرائح الأرستقراطية العمالية والثقافية ، الشرائح التي تهدف إلى تقاسم منافع النظام القائم بمايخدم مصالحها الخاصة دون أن تدرك على الصعيد العالمي أن هذه المنافع ليست سوى بعض مايقدم النظام الرأسمالي نفسه لها من استغلال واستلاب للشعوب .

وتتبدى الانتهازية في أوضح صورها بالعلاقة مع الإمبريالية وحروبها حيث التقت القوى البورجوازية الرأسمالية والاشتراكية الإصلاحية والديمقراطيةالليبرالية في دعم الحرب وبحيث أن عنوان الأممية الثانية هوحسب لينين “الانتهازية ، هذاهو عدونا السياسي ” .

بعبارة أخرى فإن الموقف من الحرب اوالاحتلال الخارجي يشكل مقياسا فاصلا بين الموقف الانتهازي تدعيما و تواطؤا وبين الموقف التحرري معارضة ومناهضة .

ولكن الانتهازية تتغيير أيضا بتغير ظروف العمل السياسي والثورة ، ففي روسيا وبين معاهدة السلام ( بريست ليتوفسك ) والسياسة الاقتصادية الجديدة ، تعاظمت انتقادات اليسراوية ( وبالضرورة اليمين ) لتقدم العدو الألماني في الأرض الروسية وضد القيام بمساومات مع العدو ، بما دعى لينين إلى الرد عليها بضرورة معرفة الإمكانيات في المواجهة مع العدو نفسه و” امتلاك أوسع المرونة في التاكتيك ” في الظروف العصيبة ، لماذا ؟ لأن اليسار الطفولي ينهج ترديد الثوابت الدوغمائية والخطابات الشعارية في حين أنه يقوم في بلدان أخرى برفض المشاركة في الانتخابات واجراءالتحالفات الضرورية اوالأخذ بخصوصيات هذه البلدان أي دون أي اعتبار للواقع القائم فيها .

أن مساهمة التجربة الماركسية في نقد وتفنيد الانتهازية والتمييز الفاصل بينها وبين العمل السياسي تغييرا وثورة ، سواء بالعلاقة مع النظرية السياسية أو مع التنظيم السياسي أو مع الحرب الإمبريالية أو مع الاحتلالات الأجنبية أو مع الظروف المستجدة للعمل السياسي ، يشكل مرجعية خاصة في أوضاع الشعوب التحررية العربية التي تطرح العمل باتجاه الحل التفاوضي الانتقالي والتغيير الوطني الديمقراطي الجذري .

اكاديمي وباحث
14 تموز ٢٠٢٤

  • Social Links:

Leave a Reply