هل انتهى الدور الإقليمي لإيران؟

هل انتهى الدور الإقليمي لإيران؟

زكي الدروبي

تتسارع التغيّرات في المنطقة، حيث ترسم مناطق نفوذ جديدة، ويتم استنزاف وإضعاف قوى كان قد سمح لها سابقا بالتمدد على حساب شعوب المنطقة ومقدراتها، لكنها لم تحسن التصرف، فقتلت وشردت الملايين من البشر في أربعة بلاد عربية، لتحقيق أحلام تاريخية بالقهر والسيطرة أفلت ولم يعد ممكنا لها العيش مجددا، بدلا من أن تكون قوة للخير ورخاء الشعوب والبناء والتنمية.

تكاثر العمليات الإسرائيلية في العمق الإيراني
مع وعينا إلى أن كلاً من إسرائيل وإيران وجهان لعملة واحدة عملة تتسم بالقتل والرغبة في الهيمنة وتشريد شعوب المنطقة، مستندة إلى قصص وخرافات تاريخية دينية، ومع وعينا بأن كليهما بحاجة إلى الآخر ليستمر وجوده، فإسرائيل دولة يهودية، وإيران دولة شيعية، وتريدان تقاسم المنطقة وخيراتها، من خلال تشجيع الانقسامات الدينية المذهبية أو العرقية القومية، واتباعها لهذا أو ذاك من الطرفين المتنافسين، إلا أن التنافس المحتدم بينهما أضعف المحور الإيراني بشدة، وسيدفعه للتراجع والتقوقع، وهنا يمتلك سكان هذه المنطقة فرصة تاريخية لمحاولة بناء دولهم الديمقراطية التعددية، دول المواطنة والعدالة الاجتماعية، وفي استقلالية تامة بعيدا عن الخضوع لهذا المحور أو ذاك.

ففي إطار التنافس الإيراني الإسرائيلي، استفاد الأخير، وعلى مدار سنوات طويلة، من ضعف بنية الدولة الإيرانية والغضب الموجود في قلوب مواطنيها، بسبب سياسات الإفقار والتمييز الديني والمذهبي والقومي التي تتبعها السلطة الحاكمة تجاههم، ونفذ العديد من العمليات الاستخبارية في القلب الإيراني، حيث شهدنا زيادة في وتيرة هذه العمليات هذا العام، رغم عدم تبني إسرائيل لها، كان أهمها الضربة الإسرائيلية الموجهة ضد مواقع عسكرية قرب مفاعل نطنز النووي، والتي أدت إلى إتلاف رادار مستخدم في أنظمة الدفاع الجوي إس-300، والشكوك المتزايدة حول دورها بإسقاط طائرة الرئيس الإيراني السابق، و”الانفجار الغامض” الذي حصل في قاعدة “الشهيد كريمي” قرب مدينة كاشان وسط إيران “وهي إحدى قواعد الإنتاج الرئيسة، ومراكز صيانة الطائرات المُسيّرة التابعة للحرس الثوري الإيراني”، بحسب “إیران إینترنشنال”، ثم اغتيال إسماعيل هنية في منطقة حصينة مؤمنة من الحرس الثوري الإيراني.

كل الأحداث السابقة مريبة، وتدفع المرء للاعتقاد بأن أصابع إسرائيل وراءها، وأنها تستهدف مصانع المسيرات والصواريخ، والتضييق على صناعة وتجارة النفط الإيراني..

ومؤخّراً وخلال الأسبوع الأخير، سمعت أصوات انفجارات في منطقة “قصر شيرين” رغم نفي مسؤول إيراني وجود أي شيء، ناسباً الأصوات إلى تدريبات عسكرية يجريها “الحرس الثوري” الإيراني، ثم احترقت نحو 15 شاحنة صهريج كانت محمّلة بالوقود، بحسب القدس العربي، قرب منفذ برويزخان الحدودي، الذي يفصل العراق عن إيران، ويوم الأربعاء الفائت حصل انفجار في إحدى الورشات التابعة للحرس الثوري في أصفهان، قتل فيه شخصان أحدهما برتبة مقدم، والآخر برتبة نقيب، إضافةً إلى عشر إصابات.

كانت كل الأحداث السابقة مريبة، وتدفع المرء للاعتقاد بأن أصابع إسرائيل وراءها، وأنها تستهدف مصانع المسيرات والصواريخ، والتضييق على صناعة وتجارة النفط الإيراني، خصوصا بعدما كشفت صحيفة “هآرتس” العبرية، أن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أصدر أمراً في منتصف الشهر الماضي آب\أغسطس بمصادرة 18 ناقلة نفط مرتبطة بالحرس الثوري تنقل قرابة 12 مليون برميل من النفط الإيراني، تستخدم من أجل تمويل عمليات “فيلق القدس” و”حزب الله”.

عقوبات وضغوط اقتصادية
تعيش إيران تحت وطأة عقوبات اقتصادية كبيرة مستمرة منذ سنوات طويلة، تسببت في تراجع كبير باقتصادها، وفي معدلات التنمية، وارتفاع عدد الفقراء، حيث تم “القضاء بشكل شبه كامل على الطبقة المتوسطة في إيران”، وفق ما نقلت “إيلاف” عن أحد أعضاء قسم البحوث الاقتصادية المساعد في غرفة تجارة طهران، عازيا السبب إلى “العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران منذ عام 2012”.

ويشير الباحث “إلى انكماش سنوي متوسط ​​بنسبة 11 بالمئة في هذه الفئة السكانية” وقد بلغ ذروته “بنسبة 88 بالمئة خلال السنوات الثماني الماضية”، فقدت إيران ما يزيد على 3 تريليونات دولار منذ الثورة الإيرانية حتى اليوم، بحسب الخبير الاقتصادي الإيراني وحيد شقاقي.

وذهبت هذه الأموال إلى جيوب الفاسدين القريبين من النظام والحرس الثوري، وفي دعم الميليشيات بالمنطقة، وتطوير أسلحة ومعدات عسكرية، لم تستطع حماية أراضيها، حيث تعرضت لعمليات عديدة داخل أراضيها، أحرجتها واضطرت قيادتها للصمت هربا من استحقاق الاضطرار للرد الذي لا تستطيعه، خصوصا بعدما توعد قادتها – على رأسهم “خامنئي”- إسرائيل برد قاس، ثم ومع الحشد الدولي العسكري غير المسبوق، اضطروا إلى سحب تهديداتهم، والدعوة إلى الحوار.

الدعوة التي أتت على لسان خامنئي نفسه، رٌفِضَت أميركياً، فقد كان يرغب في صفقة تعطيه نفوذا في الشرق الأوسط، وتسييل أموال محتجزة، مقابل عدم الرد على اغتيال إسرائيل لهنية، بل على العكس، ازدادت الضغوط على النظام الإيراني، فقد جمدت باكستان مستحقات إيران من مبيعات النفط والكهرباء، وفرضت قيودا على منتجات الصلب الإيرانية منتصف الأسبوع الفائت، وكذلك جمّد العراق ما لا يقل عن 11 مليار دولار من الأموال الإيرانية الناجمة عن شراء الغاز والكهرباء، وكلاهما فعل ذلك تحت ضغوط أميركية مباشرة.

أضاعت إيران العقد الماضي في أوهام التوسّع الإمبراطوري والهيمنة، مما فاقم من تدهور اقتصادها، ووصفه “شقاقي” بأنه “عقد الفرص الضائعة”، فقد انخفض متوسط النمو الاقتصادي إلى 1 %، وارتفع معدل التضخم إلى 27%.

وسيستمر الاقتصاد الإيراني في مواجهة هذه التحديات، وستزداد مع الأيام، خصوصا مع تحول الدول المتقدمة إلى مصادر الطاقة المتجددة، وابتعادها عن الوقود الأحفوري، الأمر الذي وعته دول الخليج العربي، وانطلقت في عملية تحديث اقتصادها، وتنويع مصادر دخل اقتصادها، واهتمت بالتنمية، وابتعدت عن المغامرات الخارجية، وعملت على الخروج من الصراعات التي انغمست فيها، كما تعاونت السعودية مع الوساطة الصينية لتهدئة الأوضاع مع إيران.

الهجوم الإعلامي على قطر، واتهامها باتهامات بشعة، وقبلها هجوم وكالة “تسنيم” -المعبرة عن توجهات الحرس الثوري الإيراني- على محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، واتهامه بأنه يريد وراثة مكانة هنية، يعتبر تحريضا وزرعا للشقاق أكثر فأكثر بين الفلسطينيين وبينهم وبين العرب..

وبالتالي تجنّب صواريخ الحوثي التي تؤثر على مسار التنمية الذي انتهجته، لكن إيران ما زالت في أفكارها الشيطانية، فرئيسها “الإصلاحي” قال خلال مراسم تنصيب وزير خارجيته الجديد أن هدفه من دعوة الغرب إلى مسار السلام، هو تخفيف العقوبات على بلاده، أي أن تفكيره براغماتيا بحتا، وليس بهدف السلام نفسه.

كذلك فإنّ الهجوم الإعلامي على قطر، واتهامها باتهامات بشعة، وقبلها هجوم وكالة “تسنيم” -المعبرة عن توجهات الحرس الثوري الإيراني- على محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، واتهامه بأنه يريد وراثة مكانة هنية، يعتبر تحريضا وزرعا للشقاق أكثر فأكثر بين الفلسطينيين وبينهم وبين العرب، واستمرار تهريب السلاح من سوريا إلى الأردن باتجاه الضفة الغربية، ومحاولة جعل الضفة الغربية، والأردن ساحات تشبه غزة وجنوبي لبنان، بذريعة المقاومة، وتراجع إيران عن تعهداتها التي قطعتها لجيران اليمن بعدم تعيين سفير إيراني جديد لدى الحوثيين، وهو قضية أمن قومي للسعودية، تعني أن العقلية القديمة ما زالت حاكمة.

أخيرا.. كل ما سبق يؤكد أنه لا فرق بين إصلاحي وأصولي، وأن القرار بيد المرشد الإيراني، ويؤكد إفلاس إيران، وضعفها وأذرعها، بعد الضربات المتوالية التي استنزفتها، والتي ظهرت مؤخرا بعدم تحقيق “حزب الله” إنجازا يذكر في انتقامه لمقتل كادره العسكري الأهم فؤاد شكر، وظهر أيضا في إفلاس جماعة الحوثي، وعدم استطاعتها الرد على تدمير إسرائيل لميناء الحديدة، وذهاب خامنئي للطائفية من أجل شد أذرعه، ويوضح أن المنطقة ذاهبة إلى فراغ يبحث عن قوة تملؤه، خصوصا بعد إغراق روسيا أكثر فأكثر في حربها مع أوكرانيا، فهل سيُسمح لتركيا بملء الفراغ؟ وهل سيتم انتقال إيران من نظام طائفي قاتل ونظام قومي يريد استعادة مُلكٍ ذهب به التاريخ، أم ستكون هناك فرصة للتوحد وبناءِ الدولةِ بناءً ذا نظام ديمقراطي تعددي؟

تلفزيون سوريا

  • Social Links:

Leave a Reply