الثورة السورية و مصير من يتنازل عن حقوق الملايين: تحليل ثوري وقانوني

الثورة السورية و مصير من يتنازل عن حقوق الملايين: تحليل ثوري وقانوني

نايف سلامة

مقدمة

بصفتي حقوقيًا وثوريًا، أجد من الضروري أن أقدم توضيحًا بشأن الطرح الذي يتداول حول فكرة “الكيان السني”، والتي قد تؤدي إلى المساس بحقوقنا في تحقيق العدالة لأولئك الذين ارتكبوا الجرائم ضدنا من قتل وتهجير واغتصاب وتدمير وسفك للدماء البريئة. إن هذا الطرح يهدد بالإطاحة بحقوق المهجرين والمشردين، الذين يعيشون في مخيمات يملؤها البؤس والشقاء، وحقوق الأجيال التي عانت مرارة الذل أمام أبواب المنظمات الإنسانية، والتي حُرمت من التعليم ونشأت في ظل البؤس قبل أن تشرق الشمس. إن هذه الحقوق هي حقوق أساسية لا يمكن التنازل عنها، ويجب محاسبة أولئك الذين يدعون إلى التخلي عنها.

الثورة السورية التي انطلقت في عام 2011 كانت تمثل صرخة جماعية للحرية والكرامة في وجه نظام استبدادي قمع الشعب لعقود. هذه الثورة لم تكن مجرد احتجاج على سياسات النظام، بل كانت تعبيراً عن الرغبة في تغيير شامل يعيد للسوريين كرامتهم وحريتهم. قدَّم الشعب السوري تضحيات جسيمة، ولم يسلم بيت من ألم أو خسارة. من هذا المنطلق، فإن أي طرح لفكرة إقامة “كيان سني” على جزء صغير من الأراضي السورية، مع التنازل عن حقوق ملايين المهجرين و المظلومين ، و حق الدماء الزكية التي سفكها نظام السفاح ، يمثل خيانة عظمى لمبادئ الثورة وتضحياتها.

الحكم الثوري: الخيانة والمحاسبة

في سياق ثوري حقيقي، يُعتبر الطرح القائل بإقامة كيان سني والتنازل عن حقوق المهجرين بمثابة خيانة للثورة وتضحيات الشعب. الثورة السورية لم تكن تسعى لتقسيم البلاد أو تأسيس كيان طائفي، بل كانت تسعى لبناء وطن حر وديمقراطي لجميع السوريين بغض النظر عن طوائفهم.

من منظور تاريخي، يمكن مقارنة هذه الحالة بما حدث في الثورة الفرنسية، حيث تمت محاكمة ومعاقبة كل من تعاون مع الأعداء أو سعى لتقديم تنازلات. مثال على ذلك، “المحاكم الثورية الفرنسية” التي أدانت كل من خان أهداف الثورة أو سعى لتقديم تنازلات للقوى الأجنبية (Thompson, 2000). المحاكم الثورية كانت ترى أن الخيانة السياسية يجب أن تُقابل بعقوبات صارمة تصل إلى الإعدام، وذلك بهدف حماية أهداف الثورة وتضحيات الشعب.

القانون الوطني: الخيانة العظمى

وفقًا للقانون السوري، فإن التنازل عن جزء من الأراضي أو حقوق المهجرين يُعد جريمة الخيانة العظمى. ” قانون العقوبات السوري” نص على أن كل من يحاول اقتطاع جزء من الأرض السورية يُعاقب بالاعتقال المؤقت أو المؤبد.
في دولة ديمقراطية أو في ظل نظام قانوني نزيه، فإن من يقدم على مثل هذه الخيانة يُحاكم بتهمة الخيانة العظمى، وتكون العقوبة عادةً الإعدام أو السجن المؤبد.

يمكن الاستشهاد بحالة الرئيس الفنزويلي السابق “كارلوس أندريس بيريز” الذي تمت محاكمته بتهمة الخيانة العظمى في بلاده بعد أن قدم تنازلات اقتصادية وسياسية تعتبر تهديداً لوحدة وسيادة فنزويلا (Hourani, 1991).

القانون الدولي: حقوق المهجرين واللاجئين

من منظور القانون الدولي، يُعتبر التنازل عن حقوق المهجرين واللاجئين جريمة تتعارض مع القوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. اتفاقية اللاجئين لعام 1951 (Fisher, 2019) تنص على أن للاجئين الحق في العودة إلى ديارهم، وأنه لا يجوز لأي فرد أو حكومة التنازل عن هذا الحق دون استشارة اللاجئين أنفسهم. حقوق المهجرين محفوظة وفقًا للقانون الدولي، وأي محاولة للتنازل عنها تُعتبر مخالفة للمعايير الدولية.
يمكن مقارنة ذلك بما حدث في اتفاقية أوسلو التي تم بموجبها تقسيم فلسطين إلى مناطق متفرقة، مما أثار انتقادات شديدة من المجتمع الدولي واعتبرها البعض تنازلاً عن حقوق الفلسطينيين في وطنهم. يُذكر أن هذه الاتفاقية، رغم الاعتراف بها دوليًا، قوبلت بمعارضة واسعة من قبل المنظمات الفلسطينية الثورية

كذلك على سبيل المثال، بعد الحرب العالمية الثانية، تم إنشاء العديد من المحاكم الدولية لمحاسبة أولئك الذين ساهموا في تهجير شعوب أو التنازل عن حقوقهم، مثل محكمة نورمبرغ التي حاكمت المسؤولين النازيين عن الجرائم المرتكبة بحق الشعوب المهجرة.

الأمثلة التاريخية:
الثورة الجزائرية وجنوب أفريقيا
تقدم الثورة الجزائرية مثالاً واضحًا على مقاومة كل أشكال التنازل عن حقوق الشعب. الثورة الجزائرية التي استمرت لسنوات طويلة ، لم تقبل بأي تسوية تتضمن التنازل عن حق تقرير المصير (Moussa, 2015). رغم المحاولات الفرنسية لتقسيم البلاد أو الإبقاء على نفوذ استعماري، رفض الثوار أي حلول وسطى وأصروا على الاستقلال الكامل. كان الجزائريون يرون في أي محاولة للتنازل عن حقوقهم خيانة لدماء الشهداء وتضحيات الشعب.

أما في جنوب أفريقيا، فقد كانت تجربة الفصل العنصري (الأبارتهايد) درسًا في مخاطر إقامة كيانات على أسس عنصرية أو طائفية. الثورة التي قادها نيلسون مانديلا لم تكن فقط لتحرير السود، بل كانت لمحو آثار العنصرية وضمان حقوق متساوية لجميع المواطنين، بغض النظر عن أصولهم أو انتماءاتهم (Kuper, 1998). بذلك، تم رفض أي محاولة لتقسيم البلاد أو التنازل عن حقوق الأغلبية.

خاتمة: مصير من يطرح فكرة كيان طائفي

تاريخيًا، كل من حاول التنازل عن حقوق شعبه أو تقسيم بلاده كان مصيره المحاكمة والعقاب. في سوريا، أي طرح لإقامة كيان سني والتنازل عن حقوق الملايين من المهجرين يُعتبر خيانة عظمى. يجب محاكمة هؤلاء الأشخاص وفقًا للقوانين الوطنية والدولية بتهمة الخيانة. إن الثورة السورية قامت من أجل الحرية والكرامة لجميع السوريين، وليس من أجل تقسيم البلاد أو إقامة كيانات طائفية. إن تحقيق العدالة يتطلب محاكمتهم و محاسبتهم وفقًا للقانون.

  • Social Links:

Leave a Reply