الأصول النظرية للدولة الاستبدادية : ماجد العلوش
دراسة التطور السياسي للدول العربية المعاصرة تظهر أصليين إثنين للممارسة السياسية او صفتين واضحتين للدولة السياسية العربية المعاصرة
* – الاصل الاول هو الدولة العقائدية : ذلك ان مثل هذه الدولة تتطلب تحديد ” مرجعية ” ما للدولة وهذا التحديد يشكل اولا نفيا للدولة الوطنية غير المتشكلة تاريخيا او قفزا فوقها ، وفي الحالتين قطعا لعملية التطور التاريخي ( الطبيعي ) للدولة الوطنية قيد التشكل ( ذلك ان الدول العربية المعاصرة ومعظم دول العالم الثالث تفتقر الى مشروعية النشوء الطبيعي / التاريخي , وهي دول اصطناعية استلزمتها تسويات القرن التاسع عشر وتوازنات القرن العشرين في أَوربا ) وثانيا خلق ” صفوة ” وصية على ا لدولة بداية ثم مالكة لها في مراحل لاحقة
* – الاصل الثاني هو الدولة الشمولية وما يستتبعه من مظاهر لاحقة تَنْتُجُ آليا عن الدولة الشمولية . في الاصل الاول تبدأ الدولة عقائدية قومية او دينية أو اجتماعية ( اشتراكية ) وتحت ضغط الواقع تتحول الى دولة طائفية ضرورة أي ننتقل من دولة ( القومية العربية ) او (الدولة الاسلامية ) – وما ينطبق عليهما ينطبق على غيرهما من العقائد القومية ، والدينية ، والاجتماعية – الى دولة ( القومية العربية الاشتراكية ) او الى ( الدولة الاسلامية السنية او الشيعية ) . هكذا من العقائدية ( الشمولية ) الى الطائفية ثم الى المذهبية فتصبح الدولة القومية هي دولة ” البعث ” او ” الناصرية ” او غيرها وتصبح الدولة الاسلامية هي الدولة ” الداعشية ” او ” الخمينية ” او غيرها .
الحالة متشابهة في الاتجاه اليساري حيث تم الانتقال من ” الماركسية ” كعقيدة عامة الى ” اللينية ” كطائفة ثم الى ” الستالينية ” او ” الماوية ” كمذهب . تتدرج الأمور بعدها الى ” الشخصانية ” فتنحصر العقيدة والدولة في شخص ” القادة التاريخيين ” بدء من مختار ابعد قرية والذ ي تتولَّد لديه قناعة انه الضامن الوحيد ليس لوجود الدولة وحسب بل لاستمرار الكَوْنِ برمته ، فالشخص هو الدولة و الدولة هي الشخص ويصبح ” مَلَّا ” المسجد هو المفسر الوحيد للشريعة والواهب المنان لصكوك الغفران والخازن المُفَوَّض على ابواب النيران الاصل الثاني مرتبط بالأول اذ ان الدولة العقائدية دولة اقصائية ضرورة , حاجتها الى اقصاء العقائد الاخرى تدفعها الى السيطرة على مفاصل الحياة العامة فتسيطر على الجيش ، والاجهزة الامنية ، والثقافة ، والاقتصاد ، والاعلام ، والتربية ، وووووو ……… أي تتماهى السلطة باعتبارها ( الحامل التاريخي ) للعقيدة ، والدولة باعتبارها مجال تَعَيُّن العقيدة . هكذا اذا : الدولة العقائدية تقود ضرورة الى الدولة الشمولية أي المسيطرة على مفاصل الحياة العامة كطريق وحيدة لتحويل العقيدة القطاعية الى عقيدة مجتمعية ( عقيدة المجتمع باسره ) فتضطر الى فرض الذات و الاقصاء , وهذا يتطلب العنف ضرورة من جهة ومن جهة اخرى يشعر المَقْصِيـين بالتهميش والدونية ويضعهم في دائرة المراقبة والشك المواجهة العقائدية المرتكزة الى العنف من جهة والتحول التدريجي من العقائدية الى الطائفية ( وتاليا الى المذهبية والشخصانية ) يزيد الحامل التاريخي للعقيدة ( السلطة ) شعورا بالخوف فيندفع اكثر في المواجهة . هكذا تصبح العقيدة مشروعا مؤجلا لصالح امن الحامل العقائدي ( السلطة ) فتتحول الدولة الشمولية الى دولة امنية وَيُفْتحُ الباب واسعا امام ( المَخْصِيِين ) للدخول في الدولة ( السلطة ) , وتحت العباءة العقائدية تتم تصفية الحسابات الشخصية , وبناء الاقطاعيات , لقد تتبعنا هنا أصلان إثنان من الأصول النظرية التي شكلت الأساس للدول السياسية العربية ما بعد التكون والاستقلال مفترضين ان المشكلة تتعلق بالوعي وليس بالأخلاق أي ان أؤلئك الذين دعوا الى الدول العقائدية في بداية الامر لم يخطر ببالهم قط ان تتحول تلك الدول الى مجرد فروع مخابرات يحتجز فيها الشعب والتاريخ والعقائد في زنزانة واحدة ثم يختصر كل اؤلئك في شخص ” القائد – الاله “
Social Links: