في الذكرى الخامسة من استشهاد مشعل التمو ..
لم أرد الإسراع في إنجاز كتابي في صديقي مشعل التمو”1958-2011″ الذي تحل ذكرى استشهاده الخامسة في السابع من أكتوبر القادم-بالرغم من أهميته لدي-لسبب رئيس هو محاولتي عدم المغامرة في الإشارة إلى الأدوات التي ساهمت في اغتياله قبل التأكد مما بحوزتي من معلومات، لاسيما أمام ضعف حيلتي في هذا المجال. إذ لا أعدو أن أكون أكثر من صاحب رؤية، أو إعلامي، أو صديق لشهيدنا مشعل. أحمل في ذمتي أمانة علاقتنا المائزة، وإن كانت هناك مقدمات ما تقربنا من شخصية القاتل، حتى في عمق محايدتنا، لكنها غيركافية، وإن كان القاتل-هنا-ينطبق عليه المثل القائل”و هو شطر من بيت شعري أيضاً”:
يكاد المريب أن يقول خذوني
وحقيقة، فإنني لا أريد أن أبدي برأيي الشخصي في حدث كنت بعيداً عنه لحظة وقوعه آلاف الكيلومترات على حساب الأمانة المطلوبة مني ككاتب، يقوم في مهمته البحثية، ليكون حالي-هنا- حال من لديه قناعاته في تحديد شخصية القاتل. غير أن هذه القناعات لا تصلح لأن تكون كافية في المحكمة، منتظراً بذلك أن يتنطع أحد ما ويقول:
أنا من كلفت بهذه المهمة
أنا كنت في دائرة التخطيط
أنا من كنت في دائرة التنفيذ
أنا كنت الشاهد..إلخ..
وإن كان من يكلف بهكذا مهمة أحد اثنين، إما قتيلٌ بمقتل القتيل على يديه- حين يكون كاريزمياً مهماً كما هو حال مشعل- أو متورطٌ في جرائم ووقائع تجعله غير قادر على القيام بهذه الشجاعة، وإن كان هذا الأمل جد طفيف على ضوء الجرائم السياسية التي تتم. لاسيما عندما يكون هناك قاتل مدرب، له تاريخه في هذا الكار، بل إنه لا يتم تخيره إلا بعد دراسات معمقة عن شخصيته، وسايكولوجياه، بحيث يكون معطوب الضمير ولعلنا بتنا الآن، بعد معاينتنا لوقائع الحرب السورية نتعرف أكثر على هذه الشخصية. إذ صارت تقدم نفسها كما هو حال الداعشي. أو آكل الأكباد الآدمية، أية كانت هويته. وهما شخصيتان طالما عانى منهما السوري في أقبية فروع أجهزة مخابراته. وفي هذا ما يعني لدي أن لا تعويل عليه البتة. ناهيك عن أن الاغتيالات المافيوية التي تتم ضمن هذا الإطار تكون ضيقة النطاق، خيطية، مباشرة، حتى وإن اعتمدت على آخرين- بشكل مباشر أو غير مباشر- من أجل تنفيذ مهمتها، لاسيما في ما يتعلق بحركة الضحية، وأية معلومات تتعلق بيومياتها، وإقامتها وغير ذلك….!.
وقد جاءت اللحظة الفوضوية التي تم فيها اغتيال مشعل مناسبة لكي يتمكن القاتل من محاولة التملص من تحديد هويته، على نحو جازم، قطعي، دامغ، مباشر. في ظل هيمنة آلة الرعب في أعلى مستوياتها بعد أن شارك الأجهزة الأمنية سواه في ممارسة القمع، وهوما شجع كل الأطراف ذات السبق المافيوي في سوريا، القديمة منها والجديدة، لتنفيذ خططها، في محاولة إلقاء تهم ما لا تريد تنسيبها لنفسها، على كاهل الآخر، أياً كان. ضمن مناخ ملائم لكل أنواع الجرائم، بما جعل حياة أي شخص وسلامته في هذا المكان، أمرين يتمان بمحض المصادفة. بل وبما يجعل كل امرىء ضحية سهلة أمام أي قاتل مافيوي رسمي أو مترسم، أو غير ذلك.
وإذا كانت الخلافات السياسية الكردية التي وصلت إلى لحظة الانفجار قبيل اغتيال مشعل، قد خلقت أجواء ملائمة لتنفيذ جريمة اغتياله، ليتمكن القاتل من التملص من تحديد هويته، وهوية الجهة، أو الجهات التي كانت وراء تنفيذ هذه الجريمة، أو مستفيدة منها، بالرغم من معرفة الشارع برمته من المستفيدون الفعليون من هذه العملية الإجرامية، ومن المسؤولون عنها: والمسؤولية الأولى هي مسؤولية النظام السوري الذي أوصل البلاد إلى هذه اللحظة من الفوضى، والبلبلة، لأغراض ما عادت خافية على أحد البتة.
وبالرغم من معرفتي الدقيقة بطبيعة شخصية مشعل بإيجابياتها، وإنسانيتها، وكاريزماها، وحنكتها، وحكمتها، ومآخذي عليها التي كنت أصارحه بها- كما يفعل معي- إلا أنني- في فضاء المآخذ- على معرفة بطبيعة نقاط الثغرات في شخصيته وهي تدخل ضمن إطار حماسه الثوري، وجرأته، وردود أفعاله. إلا أن هناك ما بدر منه كي يؤازر قاتله في سرعة الاهتداء إليه، وفي مقدمة ذلك: طيبته، وعدم احترازاته الكافية. كما بدا أخيراً. ناهيك عن أمر مهم وهو ثقته المطلقة بدنو سقوط النظام- كما تم مع الشهيد محمد معشوق الخزنوي– حيث كانت بعض المراكز الأوربية قد قالت ذلك لكل منهما….؟؟!!!!.
إن انقطاع مشعل لمدة ثلاث سنوات تقريباً، عن الشارع، وعدم الاطلاع المباشر على ما يتم من المستجدات الطارئة، تركا ثغرة لديه في التفهم الكامل لطبيعة اللحظة، لاسيما وإنه أمام خياري: الحراك واللاحراك انخرط في أولهما، وبكل ما لدنه، مدفوعاً بما يكنه في أعماقه لسوريا المتصورة في رؤاه، بعد أن عاش خلال فترة سجنه مع أعداد من المعتقلين السوريين، وتجلى ذلك في اندفاعه في لجة هذا الحراك والتعاون مع النوى الأولى لواجهات الثورة، كأحد الأرقام غير ممكنة التجاوز من قبل أحد.
ومن ضمن نقاط الخلل في قراءة اللوحة من قبله، كما أزعم، هو أنه لم يجد التعامل مع التهديدات التي راح يتلقاها، قبيل محاولة اغتياله الأولى. إذ راح ينحاز إلى لحظته الحماسية وهي أن الثورة أكبر من محاولات الفتك والإجهاض. بل إنه أكبر من رصاصات قاتله- وهي الحقيقة- التي يتجاهلها غباء القاتل الذي ستحل عليه لعنة دم هذا الشهيد الكبير طوال الزمن.
إن شجاعة مشعل- وهو المجرب في أكثر من محطة كردية- ولكن الشجاعة “غير المتهورة” على ضوء معرفتي به، كانت وراء استرخاص حياته، لاسيما إنه كان يعرف أن إبداء أي موقف من رأس النظام كان له ثمنه، وهوما لم يتورع عنه البتة. بل لقد كان أول الأعضاء القياديين المعلنين في الداخل– إذ اختيركعضو في الأ
لقد كان حرياً بمشعل ألا يعلن عن التهديدات التي وصلته-وهي وجهة نظري- لاسيما بعد أن وصلته أسماء الخلية الأولى التي كلفت باغتياله في المحاولة الفاشلة التي سبقت عملية اغتياله، كما تردد. إذ لجأ إلى الاستقواء بتعاطف مناضلي الثورة به، وهو كنز كبير لم يتوافر لأحد، غير أنه كان غير ممكن الصرف المباشر، في ظل ذلك الواقع. بينما ثغرات التسلل إليه ظلت كما هي، بالرغم من كل احترازاته: مرافقه وهو نجله:مارسيل في حله وترحاله” و في أكثر الأحيان: شقيقه عبدالحميد. إذ طالما قلت له في مرحلة ما قبل السجن، عندما كانت أجهزة الأمن تهددنا، ومنها عشية 5 حزيران 2005 وفي أربعين الشهيد محمد معشوق: حذار من نشر التهديد بحقنا، لئلا يستغل بعضهم التهديد.
حين تم اختطاف مشعل التمو، وكما قيل على ألسنة مقربين منه أنه كانت في حوزته نسخ من العدد الجديد لجريدة تياره- المستقبل-وفيها ما استفز بعض أطراف الحركة الكردية. ويبدو أنه لم يرد- من جهته التصالح معها- بعيد سجنه. إذ واصل نقده لها، بضراوة، كرد فعل منه على استهدافه من قبل الوجوه التي لم تتفهم حالته، وصارت تستكثر عليه أن يكون له حضوره. ماتسبب في ديمومة الخلاف بينها. ناهيك عن اصطدام حزب الاتحاد الديمقراطي به. عندما حاول اختراق مظاهرة جمعة صالح العلي التي تم إقرار مخطط اغتياله بموجبها. ما جعله وآخرين يقودونها بعكس الاتجاه المعتاد، بعد أن تقدمت مجموعة صغيرة – منهم من هو معروف باسمه كما قيل آنذاك- في محاولة تغيير شعاراتها، ورايتها، واستفزاز المتظاهرين، الأمر الذي دعا النظام كي يستفيد من هذا الخلاف الطارىء، ويفرق التظاهرة التي كان مشعل ممن يقودونها، ليحصل الخلاف الكبير، بما يحدث فرزاً حتى ضمن الحراك. إذ صدر بيان عن إحدى جهات الحراك الرئيسة، يدين التظاهرة التي انضم إليها مشعل، ما جعلني أتدخل بشكل شخصي، وأصحح ما تم من قبل أحدهم، عبر إصدار توضيح كان لمشعل تعليقه عليه…!.
من جهتي، وبعيد التهديد الذي تم، حاولت تشكيل لجنة مصالحة بين طرفي الخلاف، دون معرفتي بما وراء الأكمة- كما يقال- وقد وافق الطرفان، على ذلك، غير أن اللقاء لم يتم…!.
لقد كان على الشهيد مشعل أن يغادر المكان بعد أن تحسس الخطر، بل بعد أن ترجم ذلك عبر محاولة اغتيال فاشلة، يعرف من كان المخطط لها-بحسب المقربين منه و ربما من يمكن تسميتهم بالمؤتمنين على وديعة ما افتراضاً- ومن المنفذون، وبات يتوارى عن الأنظار، ويتخذ ترتيباته المناسبة، غير الناجعة، لاسيما إن القاتل كان يتابع حركة سيارته، وربما أكثر من ذلك أيضاً، كي يقرر أخيراً ذلك- وهو ما علمته من الصديق ريزان شيخموس بعد اغتياله بساعات- إلا أن مخطط قتله كان محكماً، كما يبدو، لأنه غير الكثير من معادلة تموضع الحراك الكردي على خريطة الثورة. بل كان اغتياله بداية مرحلة من الرعب، والهلع، والخوف، ووأد الحراك، وتشتيته، وتهجيره، بل تهجيرالكرد من مكانهم.!.
هذا المناخ، المكربن، آزر القاتل كي يسرع من وتيرة الإقدام على تنفيذ مهمته، بسلاسة، وهدوء، ودم بارد، وربما أنه راح يشارك في تشييع الجنازة، أو يذرف دموع التماسيح عليه، بعد أن استطاع أن يدون وقوع فعل الجريمة من قبل مجهول، وإن كان معلوماً ضمن دائرة ما، إلا أن أحداً لم يجازف
بمهمة تقديم ما لديه من وقائع، عبر تواطؤ ملموس، ناهيك عن أن هناك محاضر اجتماعات لدى تياره، فيها الكثير من الوقائع، في ما يتعلق بتحديد هوية من كانوا وراء محاولة اغتياله الأولى، أو من هددوه. يضاف إلى كل هذا هو أنه- وحتى الآن- لم تشكل لجنة قانونية- للبت في ملابسات هذه الجريمة السياسية العظمى التي تمت. بل لم يدرج ملف اغتيال مشعل ضمن أية حوارات مصالحاتية تتم. وإن كانت برأيي النقطة الأولى التي كان يمكن الحديث عنها ضمن الإشكالات القائمة، وذلك لأن حدث اغتياله يمثل بداية الانهيار العظيم لمكاننا، وإنساننا. ويظل من هدده في موقع التهمة، إلى أن يأتي بما يستلزم من وثائق تؤكد أن غيره هو الجاني، بالرغم من أن القاتل الأول والأخير لكل سوري، ولكل كردي، بل لكل ما يحدث في المنطقة هو:النظام وأدواته…!.
Social Links: