يتابع الرفيق يونادم يونادم كتاباته حول الماركسيه: “ماركس ومونتسكيو”

يتابع الرفيق يونادم يونادم كتاباته حول الماركسيه: “ماركس ومونتسكيو”

 

الحلقه الخامسه

تعتمد تحليلات ماركس وملاحظاته على وقائع تجريبية ملموسة، فهذا هو صلب وأساس منهجه في البحث. حسبنا التنكير بان مر١حع “رأس المال”، ناهزت العشرة آلاف مرجع ووثيقة.

لكن هذه التحليلات لا تتميز في كونها ملاحظات غير منسقة في نظرية خاصة بالدولة، فحسب (كما أشرنا) بل انها ذات محدودية اخرى، زمانية ومكانية.

لا ريب في ان ماركس درس دراسة مستفيضة تاريخ المانيا وفرنسا وبريطانيا، بما في ذلك تطورها السياسي، وبوجه أدق تطور الدولة.

إن تعميماته وملاحظاته تعتمد أساسا على هذه البلدان. بتعبير آخر إنها تعتمد على جزء من التجربة الأوروبية المعاصرة لها. وماركس نفسه يعترف، بتواضع العارف، ان دراساته عن الدولة محدودة تماما. وهذا ما نراه في نقاشه مع الحركة العمالية في هولندا (مؤتمر الاممية في لاهاي 1872) حيث يؤكد انه يجهل خصائص الدولة وتطورها في هذا البلد، ولا يستطيع ان يقرر إن كانت الثورة البروليتارية قابلة للتحقيق بوسائل الاقتراع (كما في إنجلترا) أم بوسائل العنف، كما يتوقع لها في بعض بلدان

القارة (فرنسا أساسا). الميزة الأخرى لتعميمات ماركس انها محدودة من حيث الزمان أيضأ. فهي تتمحور بدرجة أساسية على القرن التاسع عشر. مثل هذه المحدودية في رقعة المكان والزمان تجعل أي تعميم ناقصا. فالاستدلال (induction) الفكري، أي استخلاص مفهوم عام من حالات فردية، لا يتحقق، كما رأى أرسطو، إلا بعد الفراغ من معاينة كل الحالات الفردية. ولربما لهذا السب بالذات أدار أرسطو ظهره إلى الاستدلال باعتباره محالا منطقيا. ولربما لهذا السبب بالذات احيت الفلسفة الإنجليزية على يد (فرنسيس بيكون)، مبدأ الاستدلال المنطقي ارتباطا بالنزعة التجريبية، أي دراسة الحالات الجزئية.

من المفيد هنا أن نقارن نماذج ماركس بنماذج مونتسكيو. ومرد هذا الاختيار أن مونتسكيو هو أحد المنابع الأساسية للفكر السياسي ل (هيغل) ١لذي تعلق به ماركس، نقدا او قبولا، كما ان مونتسكيو هو خير مرجع كلاسيكي للنظم المقارنة.

يعتمد مونتسكيو في نظريته الحقوقية-السياسية (روح الشرائع) مقارنات تاريخية حضارية – جغرافية واسعة، مرنة، ومركبة.

معروف أن منطلق نظرة مونتسكيو هو النظرة الحقوقية، أي دراسة القوانين. انه يرى، أي مونتسكيو، في القوانين والشرائع (عقل الانسان) والتي ستتحول إلى “العقل” أو “الفكرة” الهيغلية لاحقا.

ونراه ينظم دراسة الحقوق من الأعلى إلى الأدنى. وهناك أولا القانون الطبيعي (الناشئ عن تركيبنا ككائنات طبيعية)، (٠حق السلم، حق الاغتذاء، حق الوصال الجنسي). هناك ثانيا القانون الوضعي، وهو يتمايز إلى حقول شتى: حق الأمم (العلاقات بين الدول) الحق السياسي العام (الحكمة ١لبشرية الني تتأسس عليها كل المجتمعات) الحق السياسي الخاص المميز لكل مجتمع (علاقة الحاكم بالمحكوم) الحق المدني (علاقة مواطن بآخر، أي العلاقات الاجتماعية)، والحق المنزلي (الاسرة).

ولو قلبنا التسلسل لتشكلت عندنا السلسلة التالية: الأسرة، المجتمع المدني، المجتمع السياسي (الدولة)، النظام الدولي. وهو بنيان فلسفة الحق نفسه عند هيغل كما سنرى.

بعد تحديده لمفهوم القانون (أو الشرائع) الوضعي باعتباره “عقل الانسان”، يبدأ مونتسكيو بحثه في اشتقاق القوانين من ” طبيعة الحكومة” أو حسب تعبيره “مبدأ كل حكومة”، فهو العنصر الحاسم، والمنبع الأصلي الذي تتفرع عنه المسارب الأخرى، سواء نزولأ إلى المجتمع فالأسرة والفرد، أم صعودا إلى العائق بين الدول.

إن شكل الحكم (شأن روح الشرائع) يتحدد بمركب من عوامل متنوعة: خصائص الشعب المعني (الاخلاق، العادات، الدين)، ثم سبل عيشه (أو نمط الإنتاج المحدد: زراعة، صيد، رعي، تجارة)، ثم الخصائص الطبوغرافية (المناخ، تضاريس الأرض، الموقع)، ثم مستوى التطور الاقتصادي الاجتماعي، – حجم الثروة، عدد السكان إلخ. وسيجد في هذا التعيين المركّب من حتمية ثقافية، وحتمية جغرافية، وحتمية اقتصادية، منبعا لتعيين تنوعات هائلة في نظم الحكم، ومبادئه، وبنائه المؤسساتي، وتقاليده، وقواه الاجتماعية. إن نظام العلاقات الضرورية التي يطلق عليها اسم الشرائع، تندغم عنده، شان بنية الدولة، في كل الأبعاد المذكورة.

يجد دارس مونتسكيو. أن لديه حشدا من الدول يغطي القارات: اميركا، فرنسا، انجلترا، اسبانيا، السويد، روميا، هولندا، ايطاليا، تركيا، اليابان، الصين، افريقيا، او التاريخ: روما، أثينا، بابل، قرطاجة، الآشوريون، أسبارطة، إلخ٠ لكنه يركز على خمسة نماذج اساسية: الجمهورية الرومانية ودولة المدينة الإثينية، الامبراطوريات الاستبدادية الشرقية (تركيا العثمانية)، النظام الملكي الفرنسي، النظام الملكي البريطاني. يبدأ تنميط مونتسكيو للدولة من حيث اشكال الحكم: جمهوري، ملكي، استبدادي. ثم يعمل على توسيع هذا التنميط الأساسي بتنميطات ثانوية من أسلوب الحكم (ديمقراطي، أرستقراطي)، الى المبدأ الأساسي للحكم، إلى اشكال تنظيم المؤسسات في الدولة (فصل او دمح السلطات)، إلى اشكال التنظيمات الوسيطة الواقعة ين الدولة والمجتمع، والطبقات التي تشغل هذه المواقع.

وبقدر ما يتطق الأمر بهذه الدراسات المقارنة يمكن القول إن المقايسات والمقارنات نات ثلاثة أبعاد.

البعد الأول هو البعد الحضاري، أي المقارنة بين الدولة في الشرق والدولة في الغرب.

والبعد الثاني بعد تاريخي، هو مقارنة أوروبا الحديثة (في زمانه) بماضيها، بروما القديمة أو أثينا.

أما البعد الثالث فيعتمد مقارنة داخلية إن جاز التعبير بين

النموذج الفرنسي والنموذج البريطاني، المتمايزين مؤسساتيا واجتماعيا واقتصاديا، وان كانا يندرجان في نمط “المجتمع التجاري” أي المجتمع الرأسمالي الحديث. ورغم الطابع الحقوقي في سفر مونتسكيو، فإنه يقدم نظرة أرحب إلى الدولة، وبخاصة بعدها المؤسساتي وعلاقاتها بمختلف الطبقات. وأن هذه الأبعاد امتدت، الى حد ما، إلى معالجات هيغل.

لكن ما يهمنا في هذا الصدد، الاشارة إلى سعة وشمول نظرة مونتسكيو إلى تنوع الدول، وضيق ومحدودية تذميط الدولة، المختزل في كلاسيكيات ماركس. نعود إلى حيث انطلقنا. لم يترك لنا ماركس إرثا كافيا في مجال دراسة الدولة، بل خلف حقولا فارغة، تتعلق بتشكل الدول الحديثة في أوروبا، آو في الشرق: اليابان، مصر، تركيا العثمانية. لقد عاصر ماركس ثورة الميجي اليابانية، واطلع على إصلاحات محمد علي، وكانت التنظيمات العثمانية الأولى قد بدأت في حياته. لكن عينه بقيت لصيقة بأوروبا، بل بدولها الرئيسية: فرنسا، بريطانيا، المانيا، رغم إشاراته المهمة لنمط الدولة في الشرق القائم على غياب الملكية الخاصة للأرض، معللا ذلك بظروف المناخ وطبغرافية الأرض (حتمية مونتسكيو الجغرافية؟) وخضوع المنتجين للدولة بوصفها المالك والحاكم (فرضية نمط الإنتاج لآسيوي).

  • Social Links:

Leave a Reply