عن الهيئة السورية للإعلام
يعيش الإنسان السوري هذه الأيام بين الموت حصارًا والموت قصفًا أو اعتقالًا أو تهجيرًا قسريًا، في ظل حكم الدولة الأمنية الغاشمة، وحكم نظام الأسد ودوره الوظيفي. حيث يعاني السوريين جميعًا حالة الحصار والموت، بينما يتابع (أصدقاء سورية) مؤتمراتهم وتصريحاتهم (الهميونية) غير آبهين بحجم المعاناة التي يحياها هذا السوري المحاصر، أو النازل عليه الموت من الأعلى عبر البراميل أو الصواريخ أو ما شابهها.
من ضمن مناطق الحصار الممارس ضد الشعب السوري الأعزل، هذا الذي يجري لأهلنا في الغوطة الشرقية لدمشق، والذي بدأ منذ شهر أيلول/سبتمبر 2013، وما زال مستمرًا حتى اليوم. أربع سنوات من الحصار الاقتصادي والمعيشي، أطبق على ما يقرب من /300/ ألف مواطن سوري في دوما وكل قرى الغوطة الشرقية، التي لم تقبل الخضوع لهيمنة الحكم والسلطة الأمنية الفاجرة، عندما خرج أهل الغوطة بمظاهراتهم السلمية من الجامع الكبير في دوما، ليقولوا لا للأسد ولا للقمع، لا لإلغاء السياسة من المجتمع، ونعم لإسقاط النظام القمعي، وصوتهم الهادر يقول (يا درعا نحن معاكي للموت).
اليوم وبعد كل هذا الحصار طويل الأمد، وبعد إغلاق كل الأنفاق التي كان أهل الغوطة يهربون منها وعبرها غذائهم وحاجاتهم، يعيش الناس تحت سطوة القهر والتلاعب بأسعار المواد الغذائية والضرورية للحياة، والتي يمارسها النظام وسماسرته على الحواجز، وكذلك بعض المنتفعين من الفصائل المسلحة، فمنذ عام 2013 يعيش الناس بالحد الأدنى للحياة، ناهيك عن قلة وشح المواد الطبية، وتغول بعض المتحكمين هناك ببعض الموارد الضرورية للبشر، لتصل قيمة كيلو الملح إلى /2300/ ليرة سورية و السكر إلى /2650/ ليرة سورية، على سبيل المثال لا الحصر.
كل هذا الحيف الواقع على أهلنا في الغوطة لم يحرك ساكنًا لدى الكثير من أطراف المعارضة أو الأطراف الدولية الإنسانية والأممية، ليترك هذا الشعب يعاني الموت المحقق. ورغم كل ذلك فصموده أسطوريًا بلا شك، في مواجهة الحصار مرة، أو القتل والدمار، ومحاولات النظام التقدم مرات كثيرة، حيث أنه وبعد أن تم توقيع اتفاق خفض التصعيد الخاص بالغوطة الشرقية في القاهرة، ومنذ 20 رمضان الفائت بدأ عدوان جيش الأسد والميليشيات الطائفية المؤازرة له بعمل عسكري ضد أهل الغوطة مجددًا، ليتم إلقاء الآلاف من القنابل القذائف والصواريخ ووقعت الكثير من المجازر، في كفربطنا، وعين ترما، وزملكا وجوبر ودوما.
لقد صمدت الغوطة الشرقية وفصائلها المسلحة في معظمها، وتحملت (ما زالت تتحمل) القتل والعنف والدمار والحصار وقلة الغذاء والدواء بل شُحِّهما الكبيرين.
واستطاعت جهود شباب وثوار الغوطة وصمودهم المتكئ على الإيمان بقضية الشعب السوري، المؤمن أن الحرية والكرامة لا بد آتية، لشعب ضحى كل هذه التضحيات من أجلهما، ومن أجل كنس نظام الاستبداد والقمع ولتعاد إلى سورية سيادة القانون، ودولة المواطنة، ورغم وجود خلافات فصائلية كبيرة بين عدة أطراف عسكرية فصائلية في الغوطة، ورغم سقوط العديد من الشهداء على جبهات لا يجب أن تكون جبهاتهم، نتيجة خلافات فصائلية منبعها خارجي بالأساس ومؤداها داخلي ومحلي ضيق. ما زال الناس كل الناس في الغوطة الشرقية يصرون على خوض المعركة في مواجهة الميليشيات الطائفية، وكسر طوقها حول جوبر وعين ترما، ولم تستطع كل جحافل القتل الأسدي والميليشياتي الطائفي، أن تزحزح قيد أنملة الشباب الثوري الصامد على جبهة جوبر وعين ترما، وتمكنت بالفعل من صد كل أنواع الهجوم الذي حاولته قوات النظام السوري، وكبدتها الخسائر الكبيرة، وبإمكانيات متواضعة، وضمن حالة من الحصار لم يسبق لها مثيلاً في التاريخ المعاصر للشعوب، وهذا الصمود المتروك دوليًا وإقليميًا يكافح لوحده، وهذا الحصار الكبير الممارس ضد الناس المدنيين، جعل من الغوطة الشرقية نموذجًا يحتذى حقًا وصدقًا للشعوب المجاورة، بل للعالم، ليعرف أن الشعب الذي يريد تحقيق أهدافه لا بد من أن تتحقق طالما كان وراءها من يؤمن بها ويدفع الروح والدم من أجلها.
لكن ما يدعو للتوقف قليلًا وتسليط الضوء مرة تلو المرة، على مسألة حصار الغوطة، أن مخرجات أستانة لم تتطرق بشكل جدي لها، وكأن شعب الغوطة الذي يموت جوعًا وحصارًا وقصفًا، لم يعد يهم الدول الإقليمية أو الدول الكبرى والأمم المتحدة، التي تدعي حماية حقوق البشر، وحماية أمنها الغذائي والحياتي.
وكأن القانون الدولي الإنساني، الذي يخترقه نظام الأسد ومن يدعمه من حكام الملالي في طهران، لم يعد يشكل همًا أساسيًا لمن يدعون الحفاظ عليه وسيادته على العالم دون قدرة على حماية قيم حقوق الانسان التي طالما رفعوها ونادوا بها على مدار السنوات والمؤتمرات.
Social Links: