الفصل الأول: النظام الرأسمالي

الفصل الأول: النظام الرأسمالي

 

الاقتصاد السلعي

إذا درسنا الحياة الاقتصادية في ظل الرأسمالي، نجد أن أول صفة من صفاتها هي إنتاج السلع. قد يسأل القارئ: «حسنا. ولكن ما أهمية ذلك؟». الأهمية في الأمر أن السلعة ليست مجرد منتوج. السلعة شيء جرى إنتاجه من أجل السوق.

المنتوج الذي ينتجه المنتج لنفسه، لاستعماله الخاص، ليس سلعة. الفلاح يبذر ويحصد الموسم ويدرسه ثم يطحن الحبوب ويخبز الخبز لنفسه. هذا الخبز ليس سلعة. إنه مجرد خبز. وهو يصبح سلعة فقط عندما يباع ويشترى. أي عندما يجري إنتاجه من أجل المشتري. من أجل السوق. والذي يشتريه يملكه.

كل المنتجات في ظل الرأسمالية يجري إنتاجها من أجل السوق. أي أنها جميعا سلع. كل مشغل أو مصنع ينتج في العادة منتوجا واحدا فقط. لذا يسهل علينا أن نفهم لماذا المنتج لا ينتج المنتجات من أجل استعماله الخاص. صاحب معمل التوابيت يصنع التوابيت في معمله. وطبيعي أنه لا يصنعها لنفسه أو لأسرته وإنما للسوق. ومثله صاحب معمل زيت الخروع. فحتى لو كان هذا الرجل يعاني باستمرار من اضطرابات في المعدة، فإنه لن يستعمل لسد حاجته الخاصة أكثر من كمية تافهة من زيت الخروع الذي ينتجه معمله. وما نقوله هنا يصح –في ظل الرأسمالية- على أية سلعة تخطر بالبال.

معمل الأزرار يصنع الأزرار. لكن ملايين الأزرار لا تصنع لكي تخيَّط على بذلة صاحب المعمل. إنها تصنع برسم البيع. وكل ما يصنع في ظل النظام الرأسمالي يصنع من أجل السوق. ويصب في هذه السوق النقانق والقفازات والكتب ودهان الأحذية والآلات والويسكي والخبز والأحذية والأسلحة الخفيفة –باختصار، تصب في هذه السوق كل المصنوعات.

الاقتصاد السوقي يفترض بالضرورة وجود الملكية الفردية. الحرفي المستقل الذي ينتج السلع، يملك محترفه وأدواته. صاحب المعمل أو المشغل يملك المعمل أو المشغل ببنائه وآلاته. وحيث تسود الملكية الفردية والإنتاج السلعي، يسود النزاع على المشترين أو المنافسة بين الباعة. وحتى قبل ظهور أصحاب المعامل والمحترفات والرأسماليين الكبار، عندما لم يكن يوجد غير الحرفيين المستقلين، كان هؤلاء الحرفيون يتنازعون فيما بينهم على كسب المشترين. وكان الأقوى والأذكى والأكثر طمعا والذي يملك أفضل الأدوات، وخاصة الذي ينجح في تخزين المال، هو دائما الذي يبلغ هدفه ويجتذب الزبائن ويدفع منافسيه نحو الإفلاس. لهذا نقول أن نظام الملكية الصغيرة، والاقتصاد السلعي القائم على هذه الملكية الصغيرة، كان يشتمل على بذور الملكية الكبيرة وينبئ بانهيار العديد من المنتجين الصغار.

الصفة الرئيسية للنظام الرأسمالي هي الاقتصاد السلعي. والاقتصاد السلعي هو اقتصاد ينتج من أجل السوق.

احتكار الطبقة الرأسمالية لوسائل الإنتاج

إن الاقتصاد السلعي لا يكفي لوحده لوجود النظام الرأسمالي. فقد يوجد الاقتصاد السلعي دون أن يوجد الرأسماليون. ومثال على ذلك الاقتصاد الحرفي حيث المنتجون الوحيدون هم الحرفيون المستقلون. هؤلاء ينتجون من أجل السوق ويبيعون منتجاتهم. ومنتجاتهم –بلا شك- سلع، وإنتاجهم إنتاج سلعي. ولكن هذا الإنتاج ليس إنتاجا رأسماليا. إنه ليس أكثر من إنتاج سلعي بسيط. ولكي يتحول الاقتصاد السلعي البسيط إلى إنتاج رأسمالي، يجب أن يتوفران شرطان: 1- يجب أن تصبح وسائل الإنتاج (الأدوات، الآلات، الأبنية، الأراضي، الخ.) ملكا فرديا بيد طبقة محدودة نسبيا من الرأسماليين الأغنياء، 2- يجب أن يؤدي ذلك إلى انهيار وإفلاس معظم الحرفين المستقلين والفلاحين وتحولهم إلى عمال مأجورين.

قلنا أن الاقتصاد السلعي يؤدي إلى إفقار البعض كما يسمح بإغناء البعض الآخر. وهذا ما حصل فعلا. لقد انهار معظم الحرفيين المستقلين والمعلمين الصغار في كل البلدان على حد سواء، واضطر أفقرهم حالا إلى بيع أدواتهم وتحولوا من «معلمين» إلى مجرد «بشر» لا يملكون غير قوة سواعدهم. أما الأغنياء، فازدادت ثرواتهم، فأعادوا بناء مشاغلهم ووسعوها وادخلوا الآلات الجديدة إليها وبدأوا يستخدمون المزيد من العاملين. أي أنهم تحولوا إلى أصحاب معامل إلى أرباب عمل.

ومع مرور الزمن، انتقل إلى أيدي الأغنياء كل ما هو ضروري للإنتاج: أبنية المصانع، الآلات، المواد الأولية، المستودعات، المساكن، المشاغل، المناجم، سكك الحديدية، السفن التجارية، الأراضي –باختصار، كل وسائل الإنتاج. وصارت وسائل الإنتاج هذه كلها ملكية خاصة للطبقة الرأسمالية، صارت «احتكارا» للطبقة الرأسمالية، كما يقال.

عدد قليل من الأغنياء يملكون كل شيء. وجماهير الفقراء الواسعة لا تملك شيئا سوى سواعدها. الصفة الرئيسية الثانية من صفات النظام الرأسمالي، إذن، هي احتكار الطبقة الرأسمالية لوسائل الإنتاج.

العمل المأجور

الأعداد الكبيرة من البشر الذين حرموا من كل ملكية، تحولوا إلى عمال مأجورين لرأس المال. هل كان الفلاح أو الحرفي المفقر يملك مخرجا آخر؟ لا. فإما أن يخدم كعامل زراعي عند مالك الأرض الرأسمالي وإما أن ينزل إلى المدينة ويبحث عن عمل في مشغل أو مصنع. لم يكن له من مخرج آخر. هذا هو أصل العمل المأجور. والعمل المأجور هو الصفة الثالثة من صفات النظام الرأسمالي

  • Social Links:

Leave a Reply