بعد مرور ما يقارب السبعة اعوام على الازمة السورية ، ودخول العديد من الاطراف الدولية والاقليمية على خط تأزيمها بعد تدويلها ، وعلى خلفيتها دخلت بقوة المجموعات المتطرفة بدعم دولي واقليمي لتغيير مسار الانتفاضة السورية من انتفاضة للحرية وانهاء الاستبداد الى حرب مع النظام والتطرف والارهاب . ولكن تمدد الجماعات الارهابية في الاراضي السورية على اساس اقامة الدولة الاسلامية ادى الى انقلاب السحر على الساحر . واصبحت عملية التحكم بتلك المجموعات صعبة ومعقدة لارتباطاتها المتعددة اقليميا ودوليا . مما اصبح الجميع يستشعرون بالخطر من تحولها في الداخل السوري الى افغانستان جديدة ، وخشية منهم من امتداد خطرها الكبير عليهم بعد العديد من العمليات التي نفذتها تلك المجموعات في عقر دارهم . فكان لابد من القوى الدولية وعلى راسها امريكا ان تعلن عن تشكيل تحالف دولي في مواجهتها . والى الاضطرار للتنازل او تعديل اولوياتها الاستراتيجية في سورية والتركيز على محاربة الارهاب تمهيدا لإنجاز الحل السياسي لمنع او تحييد الحواضن الداخلية الداعمة له . وتكثيف الجهود من الجميع ليصب كل طاقاته من اجل انجاز هذا الهدف .
ان هذا التحول في الاولويات الدولية يقتضي تبعا له تغييرا في الرؤية السياسية للانتقال السياسي وتغييرا في بنية الحوامل السياسية المفاوضة على هذا الحل السياسي . ومن هنا جاء الطلب بضرورة الوصول بخطوات جدية الى وفد واحد للمعارضة السياسية وتوسيع الهيئة العليا للمفاوضات والضغط من اجل ادخال المنصات والمجموعات الاخرى التي تتوافق مع الرؤية الدولية الجديدة للمرحلة الانتقالية .
ولذلك فان على المعارضة السياسية ان تتبنى رؤية وطنية متميزة تتقاطع مع الرؤية الدولية في محاربة الارهاب وانجاز التغيير التدريجي في المرحلة الانتقالية ولكن ضمن الرؤية الوطنية التي تؤسس لدولة واحدة موحدة ونظام ديمقراطي مدني تعددي تداولي الرافض للهيمنة او الاحتلال الاجنبي من اي طرف او اي دولة كانت، ولذلك ارى ان المعارضة يجب ان تراعي استجابة للمتغيرات ما يلي :
1- الدفع بعملية توسيع وليس ترقيع او تهجين لبنية تشكيل الهيئة العليا للمفاوضات وان تكون عملية التوسيع شاملة تضم كافة القوى السياسية والشخصيات المؤمنة قولا وعملا بإنجاز الحل السياسي التفاوضي بدون شروط مسبقه . والدفع بالتوافق على اعتبار مقعد الرئاسة والصلاحيات الرئاسية ليس شرطا مسبقا ويخضع للعملية التفاوضية ويبحث على طاولة المفاوضات في جنيف استنادا للقرارات الدولية كمرجعية في التفاوض السياسي .
2- يجب العمل بروح وطنية عالية على اختيار اعضاء الهيئة العليا والوفد المفاوض واللجان والهيئات الاخرى ، مع تفضيل ان يكونوا من المختصين في مجالات العمل المختلفة . وان يكون الاختيار على قاعدة الكفاءة لا على اساس التوازنات او استرضاء اطراف او التغيير والتعديل على اساس الامزجة الشخصية . لان الفعل والتأثير في هذه المرحلة بالذات يتطلب اختيارا للكفاءات لإنجاز فعلا وازنا ، وتأثيرا فعالا بغية انجاز بصمة حقيقية في هذا الاتجاه .
3_ على المعارضة ان تتبنى رؤية واضحة ومتميزة لتركيبة الهيئة العليا الجديدة في اجتماع الهيئة العليا وقبل الاجتماع الموسع ، وان يكون الاجتماع الموسع شاملا لأوسع طيف ممكن من المعارضة السياسية والشخصيات الوطنية . وان تتسلح بخطة طريق للمفاوضات واضحة مبنية على رؤية تفصيلية للانتقال السياسي .
4- يجب تكثيف الجهود للدفع الى تحويل عمل الهيئة العليا على اساس مؤسسي تنضبط وفق قواعد مؤسساتية وليس على اساس الدوافع الشخصية المحمولة على الاجندات الخارجية المتعددة والمتناقضة . وان تشتغل وتلتزم بالرؤية الوطنية التي تم او سيتم التوافق عليها في الاجتماع الموسع والتي تحوز على اجماع مؤسسة الهيئة العامة للقوى المعارضة والشخصيات الوطنية كمؤسسة تعيد انتاج الهيئة العليا للمفاوضات والوفد المفاوض . والوقوف بحزم ضد من يعمل من الاشخاص على النكوص بما تم الاتفاق عليه واتخاذ القرار المناسب به . ان احترام المؤسسة المفاوضة لرؤيتها وقراراتها يفرض فرضا احترام الدول والرأي العام لها .
5_ ومن الجدير بالذكر ان المعارضة تتحمل مسؤولية كبرى في هذه المرحلة ، ولديها فرصة ذهبية ، ومن اليوم قبل الغد في استثمار الوقت في المناطق التي تسيطر عليها او في مناطق خفض التصعيد ، للعمل على تغيير انطباع الناس عن سلوك المعارضة الخاطئ او السيئ ، وان تكون نموذجا في فعلها وسلوكها وبديلا لنظام الاستبداد من خلال اطلاق مبادرات المواطنين في تلك المناطق وترسيخ اسس المواطنة والآليات الديمقراطية واعتماد الاختيار في الإدارات على اساس الكفاءة وصندوق الانتخاب تمهيدا لتأهيل سليم للحاضنة الشعبية بما يؤسس لمرحلة فارقة تطوي صفحة الاستبداد والفساد ، وتمنع من اعادة انتاجه وادخالها مرة اخرى في بيت الطاعة مهما كان النظام الذي سيحكم سوريا ، وإجبار اي نظام كان على تعديل سلوكه الاستبدادي .
6- المعارضة السورية والهيئة العليا للمفاوضات المتولدة عنها امام اختبار حاسم . فإما ان تجري عملية تغيير بنيوية في تركيبتها وهيكلياتها ، وتجري عملية مراجعة لأدائها ودورها أو تنهي نفسها بنفسها ، وتفتح الباب امام القوى الفاعلة الدولية والإقليمية لإنجاز هيئة تفاوضية او جسم مفاوض جديد ، يتناغم مع توجهاتها الجديدة وفق متغيرات الواقع والوقائع وتجاذب الصفقات المعقودة فيما بينها على مناطق نفوذ يتم رسمها على الارض السورية وفق مصالحها بعيدا عن اطراف الصراع في سورية . ولذلك فان القيام بعملية التغيير من قبل المعارضة السورية باتت ضرورية وملحة مقدمة للدخول الى الحوار السياسي السوري / السوري ، للحد قدر الامكان من التوغل الدولي والإقليمي في تفاصيل القضية السورية وعلى حساب الدولة السورية ومصالح ابنائها .
Social Links: