من لم يُقتل بالقصف يقضي جوعاً أو مرضاً
سوريتنا برس
“لا أحد يموت من الجوع” مثل اعتاد السوريون ترديده عند مواجهة أي أزمة عصيبة في حياتهم، ولكن هذه المقولة انقلبت حقيقةً تتكرر منذ سنوات في ظل الحرب التي تعيشها سوريا، آخرها الطفل عبيدة الذي لا يتجاوز عمره شهر واحد، وتوفي في الغوطة الشرقية الجمعة الماضية، جراء سوء تغذية حاد بسبب الحصار المفروض من قبل قوات النظام السوري على الغوطة للسنة الخامسة على التوالي.
ولم يكن الطفل عبيدة الأول ولا الأخير بين سكان الغوطة، حيث قضى العشرات من الصغار والكبار جوعاً أو مرضاً بسبب عدم توفر الأدوية اللازمة لعلاجهم، بينهم ستة توفوا بأمراض القصور الكلوي، وسط عجز المجتمع الدولي عن تقديم أي حلول لإنقاذهم.
إضافة لوجود حالات في الغوطة الشرقية على وشك الوفاة، وبحاجة للعلاج الفوري في مشافي النظام بدمشق، كون الأجهزة الطبية والأدوية الخاصة بعلاج تلك الحالات غير متوفرة في الغوطة.
حالات حرجة تحتاج الخروج من الغوطة
وقال المسؤول الإعلامي في الهلال الأحمر بمدينة دوما في الغوطة الشرقية حمزة حجازي لــ سوريتنا: إن “هناك 400 حالة في الغوطة مسجلة لدى الهلال الأحمر تحتاج للخروج من الغوطة، و70 % من تلك الحالات بحاجة لخروج فوري، بينها حوالي 80 طفل، 35 منهم تحت سن الخامسة”.
ومعظم تلك الحالات تعاني من أمراض قلبية تحتاج إلى قثطرة أو جراحة قلبية، وأمراض سرطان، وأورام، وقصور كلى مزمن (مرضى غسيل الكلى)، وأمراض المناعة الذاتية، وبعض الأمراض التي تحتاج إلى عمليات نوعية ومستلزمات جراحية غير متوفرة في الغوطة.
وأضاف حجازي أنه “إضافة إلى الحالات المرضية الحرجة، هناك حالات إنسانية تتطلب أيضاً الخروج الفوري من الغوطة، مثل زوجة موجودة في الغوطة وزوجها وأولادها في الخارج وليس لها أي معيل أو معارف ضمن الغوطة”
وفي ظل تواجد كل هذه الحالات الحرجة سواء المرضية أو الإنسانية، يقوم الهلال الأحمر في الغوطة، بتوثيق تلك الحالات، وعرضها على اللجنة الطبية التي تُقيّم مدى خطورتها، وإرسال البيانات إلى مكتب الهلال الأحمر في دمشق، والذي يقوم بعرضها على الجهات المعنية كمنظمة الصحة ووزارة خارجية النظام، للنظر فيها وإخراجها، وفق ما ذكر حجازي.
ولفت المسؤول الإعلامي في الهلال الأحمر بمدينة دوما، إلى أن “الهلال الأحمر الذي يسعى إلى إخراج الحالات من الغوطة الشرقية لا يضمن عدم تعرضها إلى الاعتقال بعد الخروج إلى مناطق النظام”، وهذا ما حدث قبل فترة حين تم إخراج طفل عمره ثلاث سنوات مع والده، وبعد عدة أشهر من إخراجه إلى دمشق، قام النظام باعتقال الأب، في حين تم وضع الطفل ضمن دار الأيتام.
الروس أصحاب القرار
وفي سياق متصل قال مصدر في معبر مخيم الوافدين مع الغوطة الشرقية لــ سوريتنا، فضّل عدم الكشف عن اسمه: إن “موضوع إخراج الحالات الحرجة من الغوطة أصبح موضوع سياسي بحت، وبات إخراج مختلف الحالات الحرجة من الغوطة بيد الروس، وهم أصحاب القرار فيه، فلو طلبوا إخراج الحالات فسيخرجهم النظام مرغماً”.
وأضاف المصدر أن “نداءات الاستغاثة وتقارير الحالات الإنسانية في الغوطة وصلت إلى مختلف الجهات المعنية والمنظمات الحقوقية والهيئات الدبلوماسية بمختلف دول العالم، ورغم ذلك لم يستطيعوا تقديم أي شيء للأهالي في الغوطة، وإنما كانوا يكتفون بالإدانات فقط”.
وعملت جمعيات ومنظمات إنسانية طبية على رأسها جمعية “سامز”، بعد فتح ملف الحالات الطبية الحرجة في الغوطة الشرقية بداية الصيف الماضي، على الضغط على النظام لإخراج تلك الحالات إلى مشافي دمشق، وذلك عن طريق التواصل مع سفارات وبعثات الدول لدى الأمم المتحدة ووكالاتها المختلفة وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، لكن تلك الجهود لم تفلح إلا في إجلاء ستة مرضى، وفق ما ذكر المصدر المطلع.
وقالت أم محمود هاشم من سكان عربين: إن “زوجها يعاني من احتشاء في عضلة القلب، وبحاجة للخروج إلى أحد مشافي دمشق لإجراء عملية جراحية له، وقد تواصلت مع مختلف الجهات المعنية ضمن الغوطة لإيصال صوتها إلى المجتمع الدولي والضغط على النظام، بغية السماح بإخراج زوجها من الغوطة، إلا أنها لم تلقَ أي استجابة”.
علاج بالإمكانات المتاحة
وفي ظل صعوبة إخراج الحالات من الغوطة، يتم العمل على علاجها بالإمكانيات المتاحة، وحول ذلك قال الناطق الإعلامي باسم المكتب الطبي الموحد في الغوطة الشرقية عمار الصيداوي: “يتم تقديم العلاج للحالات الحرجة عن طريق الأدوية التي تكون ضمن قوافل المساعدات التي تدخل إلى الغوطة بين الفينة والأخرى، في حين أن دور المنظمات ضمن الغوطة والبالغ عددها سبع، هو تقديم دعم لوجستي ومالي بالحدود الدنيا”.
وأضاف الصيداوي أنه “من الممكن تخفيض عدد الحالات الحرجة إلى ما دون المئة، في حال إدخال المستلزمات الطبية الضرورية لعلاجها، حيث تعمل عشرات المشافي ومراكز الرعاية الصحية والمستوصفات على معالجة مئات المرضى بشكل يومي وبمختلف أنواع المعاينات والعمليات”
وقال أبو منذر أحد سكان دوما: “أصبح من الطبيعي أن يتوفى طفل حتى بعمر الشهر نتيجة الجوع، فهذه أصبحت سياسة النظام وروسيا اللذان يسعيان إلى قتل سكان الغوطة بمختلف الوسائل، فمن لم يقتل بالقصف، يُقتل نتيجة الجوع أو غياب العلاج”.
Social Links: