وثيقة.. بهذه “المسطرة” تقيس مخابرات النظام رجال الدين المسيحي، ووفقا لها تقيم نشاطات الكنائس

وثيقة.. بهذه “المسطرة” تقيس مخابرات النظام رجال الدين المسيحي، ووفقا لها تقيم نشاطات الكنائس

كشفت وثيقة رسمية عن متابعة مخابرات النظام لنشاط الكنائس ومراقبة رجال الدين القائمين عليها، وتقييمهم من ناحية “السمعة” والتوجه السياسي، فضلا عن الوضع القانوني والمادي والتعليمي.
الوثيقة التي حصلت عليها “زمان الوصل” تحمل الرقم 10475، بتاريخ 25- 7- 2004، وهي صادرة عن فرع مخابرات إدلب (الفرع 271) التابع لشعبة المخابرات العسكرية، ومرفوعة إلى الفرع 235، المعروف شعبيا باسم “فرع فلسطين”، والملحق بنفس الشعبة.
واستجابة لكتاب وارد من فرع فلسطين، يطلب تزويده بمعلومات حول الكنائس الكاثوليكية -بمختلف فروعها- في إدلب وريفها، تؤكد الوثيقة أن “فرع مخابرات إدلب” أجرى مسحا عاما لتلك الكنائس الواقعة “في مجال عملنا”، فتبين له أن طائفة الكاثوليك هناك تمتلك كنائس تخص “اللاتين” فقط دون سواهم من بقية فروع الكاثوليك، وأن عدد كنائس اللاتين يقتصر على 4 تتوزع على مدن وبلدات: جسر الشغور، القنية، اليعقوبية، الغسانية.
*4 كنائس
تتعرض الوثيقة المخابراتية لكل كنيسة من الكنائس الأربعة بشيء من التفصيل، مبتدئة بكنيسة اللاتين الواقعة في جسر الشغور، وهي تتبع لمطرانية حلب وترتبط بالفاتيكان، ويعود تاريخ إنشائها إلى ما يناهز 8 عقود، وهي مؤلفة من 3 طوابق، وفي كل طابق 4 غرف وصالة تتسع لـ100 شخص، حسب وصف الوثيقة.
وينتقل “فرع مخابرات إدلب” للحديث عن نشاط كنيسة اللاتين في جسر الشغور، منوها بأنه “يقتصر على الصلاة يوم الأحد دون إلقاء عظات”، وأن القائم على أمر الكنيسة هو “الخوري إبراهيم يونس بن سليم وجميلة، مواليد القنية عام 1938”.
وتوضح الوثيقة أن “يونس” تخرج في الفاتيكان، ثم أمسى راهبا في الأردن، قبل أن يقيم في أحد أديرة اللاذقية لمدة 6 سنوات، أعقبها بالتوجه إلى دير الغسانية ليمكث هناك نحو 11 عاما.
وتخلص مخابرات النظام في تقريرها إلى وصف “يونس” بالقول: “سمعته حسنة، غير محكوم، عازب، كادح”، مضيفة: “أهله وأقاربه وأصدقاؤه حزبيون (حزب البعث) وحياديون”.
ووفقا للوثيقة ذاتها فإن هناك كنيسة للاتين في قرية الغسانية في منطقة جسر الشغور، يقوم على شؤونها أيضا “الخوري إبراهيم يونس”، الذي سبق ذكره آنفا، علما أن نشاط هذه الكنيسة يشمل “إلقاء العظات وإقامة الصلوات يوم الأحد، وإحياء المناسبات الدينية والاجتماعية”.
وتعطي كنيسة اللاتين في الغسانية دروسا دينية بإشراف راهبات الكنسية، مدة الدرس الواحد ساعة، وتعقد بشكل دوري كل أيام الأسبوع عدا يومي الجمعة والأحد.
*تقدمي
وتتحول الوثيقة إلى الحديث عن كنيسة اليعقوبية التابعة لجسر الشغور، التي يقوم عليها “الخوري عاطف فلاح بن شكري والدته برناديت، مواليد تبنة 1965 درعا”.
وتنوه مخابرات النظام بأن “فلاح” هو “راعي الطائفة”، وأن لديه “بعض النشاطات” مثل استقبال الرحلات القادمة من مختلف أنحاء سوريا بغرض الاطلاع على المعالم الأثرية.
وتذكر الوثيقة بأن معظم أبناء اللاتين الكاثوليك في اليعقوبية “مغتربون”، حيث يقيم جزء منهم في حلب وآخر في اللاذقية، وقلة قليلة في قريتهم.
وتنتهي الفقرة المخصصة لكنيسة اللاتين في اليعقوبية، بتوصيف “الخوري فلاح” على النحو الآتي: “ثقافته ثانوية، أخلاقه حسنة، ماديا وسط، كادح.. غادر القطر إلى الأردن بقصد دراسة الكهنوت.. أصلا من قرية تبنة التابعة على محافظة درعا، يظهر عليه بأنه حيادي، إيجابي، أفكاره تقدمية وعظاته جيدة ومؤيدة للوضع، لم يظهر عليه أي نشاط معادي”.
وتصل مخابرات النظام في تقريرها إلى الكنسية الرابعة والأخيرة، وهي كنسية اللاتين الكاثوليك في بلدة القنية (جسر الشغور)، التي يقوم عليها “الخوري حنا جلوف ابن موسى وجانيت، مواليد 1950 القنية”.
ويتضمن نشاط الكنيسة –حسب الوثيقة- على “إلقاء العظات وإقامة الصلوات والحفلات الاجتماعية”، فضلا عن إقامة معارض تشكيلية واستقبال “الرحلات الترفيهية والتبشيرية”.
ولا تتعرض الوثيقة لأي وصف يخص “جلوف” بعكس القائمين على الكنائس الأخرى، مختتمة بالإشارة إلى أن الكاثوليك لم يحدثوا أي كنيسة في إدلب وريفها، لأي طائفة من طوائفهم، عدا الكنائس الأربعة المذكورة سلفا.
*لا حياة
يلاحظ المتمعن في الوثيقة أن رجال الدين المسيحيين ليسوا مستثنين من رقابة المخابرات، وهذا متوقع وغير مستغرب من نظام الأسد، بل هو مكشوف لكل من يعرف طبيعة هذا النظام، لكن ما قد يكون مخفيا نوعا لجوء مخابرات النظام إلى “مسطرة” عامة وواحدة للتقييم، لا أحد فوقها على ما يبدو، وهي مسطرة الانتماء الحزبي والنشاط السياسي، الذي يخضع لمعايير النظام.
فمن الضروري لكل سوري حتى لو كان رجل دين مسيحي أن يكون حزبيا هو وأهله وأصدقاؤه، وإلا فلا مناص من أن يكون -أو يكونوا- “على الحياد” أي بلا لون سياسي ولا موقف واضح مما يجري حولهم، ومن المستحب بل والواجب أن يكون “مؤيدا للوضع”، ومن البديهي أن يعتزل أي “نشاط معاد”، وكلمة “معاد” هنا، تعني ما يحدده النظام حصرا، لا ما تمليه معايير الحق والحقيقة، التي تسعى الأديان لتطبيقها، وحث الأتباع على التزامها.
ولابد -في عرف النظام وقواميس تصنيفه- أن يكون السوري –وضمنا الخوري- “تقدميا”، ولا داعي لشرح المعنى الحقيقي لهذه المفردة لدى آل الأسد، إذ يكفي أن يتذكر السوري –أي سوري- عبارة حافظ الشهيرة: “لا حياة في هذا القطر إلا للتقدم والاشتراكية”، ويقارنها بما تم تطبيقه على أرض الواقع، ليعلم ويعاين حقا صورة “التقدم” كما رسمتها ريشة النظام.
وكما رجال الدين، فإن الكنيسة ككيان اعتباري، لاينبغي -تبعا لمخابرات الأسد- أن “تشذّ” عن الدور المرسوم لها في مخيلة النظام، فكلما كانت الكنيسة ملتزمة بإقامة الصلوات فقط، أو إلقاء العظات والخطب ذات الاهتمام الديني البحت الخالي من أي روابط مع الوضع الحالي أو إسقاطات عليه، ازدادت طمأنينة النظام ومنظومته المخابراتية، وكلما كان العكس، كان ذلك ادعى لريبتهم ولسعيهم في مقاومة هذا الاتجاه حتى يتقلص إلى أدنى الحدود، أو يختفي نهائيا.

  • Social Links:

Leave a Reply