فساد العولمة والعولمة بلا فساد – نصرة الاعرج

فساد العولمة والعولمة بلا فساد – نصرة الاعرج

فساد العولمة والعولمة بلا فساد

نصرة الاعرج

لا يكن التنبؤ بظهور مرض يتفشى فيغرق المجتمع فسادا” ونشر روائحه القذرة
فكان كارثي النتائج و قاتل بلا حدود
,فالفساد كلمة كبيرة معنى ومفعول، فهي محبطة للهمة ومثبطة للضمير والعقول، ف الفساد سرطان فتّاك لدحض الانعكاسات القوية والمفيدة للبناء للتنمية بكل أنواعها الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والسياسية، وكل ما يخص بنية المجتمع وحقوق الإنسان، فلا يمكن أن يكون هناك مرض يرهق المجتمع ببنيانه الفوقي والتحتي أكثر من آفة الفساد، وسلبية انعكاساته تتعلق بمدى انتشار هذه الظاهرة أفقياً وشاقولياً والفترة الزمنية لنموها وتغلغلها
.ومن المؤكد أن النظرة للفساد بوصفه مرض قاتل ومدمر لكل منجزات التنمية ومعرقل لإستمرارها و مهشم للبنى الاجتماعية مؤديا لإضعاف مقاومة المجتمع و يجعله عرضه لكافة انواع الأمراض الداخلية و الخارجية و استمرار الفساد و تضاعفه و تنوعه ادى لتعقيدها و لصعوبة الحلول فلم يكن دواعش و إرهابي الداخل أقل تاثيراً من دواعش وإرهابي الخارج بل على العكس فقد كان الرهان على الإسقاط الداخلي الإقتصادي و الإجتماعي بعدما عجزت أحدث الأسلحة و مئات آلاف المرتزقة و التي بينت طبيعة و حقيقة ما يحاك و التي استثمرت مطالب إجتماعية و إقتصادية محقة لتركب موجتها وتوجهها بالاتجاه المدمر وكلنا يعلم أن ما نظر به قبل الأزمة عن نهج اقتصادي متواتر النمو يحقق منجزات تنموية مميزة و عن علاقات إقتصادية غير محسوبة الخلفية كان مترافق بفساد مغضوض الطرف عنه
و بتقويض دور المؤسسات المتابعة و المحاسبة و المراقبة لسلوك هؤلاء المبرمجين
و قد قدر الفساد بحوالي 1000 مليار ليرة قبل الأزمة و بحوالي 30 % من الناتج المحلي الإجمالي ,لا أحد ينكر أن الفساد ظاهرة تاريخية عالمية ومعولمة و كان أحد الأدوات الرئيسية لتهيئة البلدان بنيوياً قبول الإملاءات الأمريكية بمختلف أنواعها وخاصة الإقتصادية و ذلك من أجل سحق الهويات الوطنية و تمرير عادات و تقاليد و سلوكيات آنية
تعزز الفردية و تنمي الأنانية بحيث تكون أبعد ما تكون عن السيرورة التاريخية التراكمية التطورية لأي بلد وبالشكل الذي يهيء ويولد صدمات داخلية هدامة وبذلك كان الفساد سابقا ملازم و ممهد للغزو الثقافي الهادف لسلب المجتمعات من التحصينات القيمية و الأخلاقية من أجل تمرير الاستغلال الاقتصادي مرور الكرام و تفريغ مسبق لأي مقاومات مجتمعية لمشروعها الإمبريالي اللا حضاري و اللا إنساني وبذلك لم يخرج الفساد عن منظومة العولمة فأصبح معولم
ومنظومة ثنائية الأبعاد
وأصبح هناك منظمات حامية وداعمة له و كذلك أصبح مجال ومدى الكثير من أنواع الفساد عالمي يجتاز الحدود الوطنية الوهمية التي بقيت كالمخدرات و الأسلحة و شراء الأعضاء فضلاً عن مافيات محلية ترتبط بالمافيات الدولية و خاصة ما يتبع للشركات متعدية الجنسيات وأساليبها في الحصول على العقود والمواد و بيع المنتجات, والثوب الاجمل للفساد و الذي لا يحوي سوى القباحة أنه منظومة متعدية للقومية و للجنسية و للطائفية و للمذهبية فهو يتطلب إيديولوجيات تقاطع بين كل هؤلاء من إنحطاط قيمي وأخلاقي و قابلية لفعل أي شيء مقابل الحصول على منافع بطرق غير نظامية .
فتهشيم البنى المجتمعية وتدمير البنى التحتية وتشويه البنى الفوقية هي أهم الأدوات لتنفيذ السياسات التي تلبي مصالح الغرب وأدواته، وكان أهم مدخل للوصول إلى ذلك بتعميم سياسات الفساد والإفساد وما ينجم عنها من سلبيات قاتلة للمجتمع، وإن اختلفت انعكاساته ما بين الفساد الكبير والفساد الصغير.
الفساد الكبير: فصراع المصالح الناجم عن سياسات الفساد والإفساد قد حرف الصراع الطبقي باتجاه شاقولي حتى بين الطبقات البرجوازية,وقد كان لهذا الفساد نتائج خطيرة زوال الطبقة الوسطى، زيادة عدد الفقراء والعاطلين عن العمل، وانتشار السكن العشوائي عبر اللعب بالمخططات التنظيمية، وتفشي الظلم الاجتماعي والتهميش، واللعب بأمن البلد وانتشار أمراض اجتماعية خطيرة ( المخدرات، العصابات، الانحدار القيمي والأخلاقي).
بالتالي الفساد من الأمراض التي كلما كبر حجمها ازداد مفعولها وانعكس تأثيرها بشكل مضطرد على عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية بشكل خاص، كذلك يؤثر على الموارد البشرية من حيث أنه يسبب انخفاض الانتاجية وزيادة البطالة وهدر الإمكانات والجهود وإحباط الإبداع والابتكار، وينعكس الفساد على الموارد البشرية من ناحيتين:
1 – تنشئة وتنمية الموارد البشرية، فالفساد لا يستثني قطاعاً من قطاعات الدولة الاقتصادية والاجتماعية إلا ويصيبها، ومن ضمنها المؤسسات التعليمية، والتدريبية والتأهيلية، والصحية، فهو يدخل إليها من حيث التعيين للكوادر، و صرف الموازنات، و التخطيط ووضع الخطط والمناهج، وبالتالي ينعكس على أداء هذه القطاعات، وبدوره يؤدي إلى سوء الأداء، الأمر الذي ينعكس على سوية الموارد البشرية التي تخرجها تلك المؤسسات. وكذلك يؤدي تفشيه اإلى انخفاض الإنتاجية، التي تؤدي إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي، و هو ما ينعكس عليه انخفاضاً في الأجور، وبالتالي تنعكس على الأسرة وقدرتها على تنشئة وتربية الأطفال الذين يشكلون مستقبل الموارد البشرية أو على من هم في سن الموارد البشرية.
2 -سوء استثمار الموارد البشرية بعدم وضع الإنسان المناسب في المكان الذي يتناسب مع إمكاناته ومقدراته، وكذلك عدم استثمار موارد بشرية كبيرة نتيجة تفشي البطالة وهجرة كفاءات بشرية
هناك من يعرّف الفساد على أنه (انحراف أخلاقي لبعض المسؤولين الحكوميين).
و نلاحظ أن التعريف السابق يركز على الجانب الأخلاقي الاجتماعي ويعتبره البعد عن الأخلاقيات المتعارف عليها اجتماعياً من قبل الموظفين الحكوميين الذين يتخذون قرارات مرتبطة بالموارد البشرية والمالية والاقتصادية والاجتماعية. ويمكننا أن نعتبر هذا التعريف غير كامل بسبب اقتصاره على موظفي القطاع العام كمرتكبين لظاهرة الفساد من ناحية، وكذلك لأن بعض الأخلاقيات قد تكون مرفوضة في مجتمع معين ولكنها مقبولة في مجتمع اخر .
أما البنك الدولي فقد وضع تعريفاً للفساد وللأنشطة التي تندرج تحته على النحو التالي: (إساءة استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص، يحدث عندما يقوم موظف بقبول رشوة أو طلب أو ابتزاز لإجراء عقد أو تقديم خدمة أو كسب مناقصة أو مزايدة).
ونحن بدورنا سوف نعرّف الفساد على أنه الاستغلال المشروع وغير المشروع للأنظمة والقوانين من قبل موظفي القطاع العام أو الخاص، أو من قبل أي مواطن، بغية الحصول على المكاسب المالية والعينية لشخصه أو لغيره ممن تربطه بهم مصلحة.
بعض مظاهر الفساد:هناك الكثير من الأشكال المادية والمعنوية التي تدل على انتشار ظاهرة الفساد ومن هذه المظاهر:
1 – الواسطة أو المحسوبية وكل تدخل غير مشروع في إنجاز أمر أو تحقيق غاية بشكل غير قانوني أو أخلاقي، أو بشكل يتجاوز أسس العمل وقوانينه.
2 – المحاباة الإدارية بعامل الصداقة والمحسوبية والقربة والمصلحة وتبادل المنافع والالتفاف على القوانين والأنظمة.
3 – الرشوة (البخشيش) وهذه من أكثر الممارسات الفاسدة المنتشرة بكثرة في أيامنا هذه، بحيث تؤدى من قبل الكثيرين من صغار الموظفين، وعامة المواطنين مقابل أعمال إدارية أو تواقيع، أو تسهيل معاملات أو تمريرها، كالقروض أو الإعفاء من الضرائب والرسوم أو تخفيضها (كموظفي الجمارك)، ويضطر المواطن لأن يدفع المال بسبب الضغط الإداري الممارس عليه من قبل الموظف المعني بالقضية، وإعاقة عمله وتأخيره لهذا العمل، وعرقلة معاملته التي تكون غالباً قانونية.
4 – التهريب: التهريب يعد نوعاً خطيراً من الفساد، سواء أكان بعلم الجهات المسؤولة وتحت حمايتها أو بتجاوز الأنظمة والقوانين بالقوة والإرهاب ومواجهة السلطة المسؤولة إن اقتضت الضرورة ذلك.
5 – الفساد في التعيين الوظيفي بحيث تسند الوظائف الهامة إلى عناصر غير كفأة ولا تمتلك المواصفات والمؤهلات التي تتناسب مع المنصب الذي تعين به مقابل مبالغ مالية أو هدايا عينية أو بسبب الولاء السياسي أو المذهبي أو الإقليمي أو العرقي، ولهذا النوع من الفساد نتائج كارثية وخطيرة تزداد كلما ازداد هذا النوع .
6 – هدر المال العام ويتمثل في الاستغلال العيني باستعمال السيارات والتجهيزات والموارد العامة في مصالح خاصة، وتسخير المرؤوسين للمصالح الشخصية، وصرف المكافآت لمن لا يستحقها، وتبذير الأموال في الأماكن غير المنتجة، كتأثيث المكاتب الفخمة.
7 – التهرب الضريبي والجمركي وتهريب الأموال، إذ يقوم الكثير من المسؤولين الحكوميين في البلدان النامية بتهريب الأموال التي حصلوا عليها بطرق غير شرعية إلى مصارف وأسواق المال في الدول الأجنبية, وخلال الأزمة التي كان لتعقد أسبابها ومنعكساتها دوراً في تضاعف الفساد و ولوج أنواع جديدة منه لم تكن معروفة مع شفافية وقحة وعلنية في ممارسته كسرقة الممتلكات و تملك أراضي ومباني بغير حق و كذلك تهريب الشباب و تهربهم من الخدمة و محاباة البعض على حساب الواجب الوطني وكذلك الفساد في الإعانات و المعونات و في تمييز البعض عن الآخرين ناهيك عن الفساد الناجم عن الاحتكار عن طريق بعض القرارات و التغاضي عن الأسعار واللعب بسعر الصرف وما نجم عنه من اغتناء وإثراء المئات على حساب لقمة العيش وعلى حساب صبر وصمود الشعب و بذلك كان هؤلاء الفاسدين العون و المساعد لمن حاول النيل من جسد البلد ولمن أفاض الدم و الدمار.
وهناك أسباب كثيرة تؤدي إلى انتشار ظاهرة الفساد وتفشيها، لم نأتي على ذكرها.

  • Social Links:

Leave a Reply