نشرت “هيئة تحرير الشام” صورًا لقائدها العام أبي محمد الجولاني، قالت إنها ملتقطة أثناء اجتماعٍ طارئ عقد لبحث التطورات الميدانية في ريف إدلب، بعد التقدم الذي حققته قوات الأسد (المصدر: عنب بلدي).
أقول: نعم، هذا هو الخبر الذي يبل الأرياق، ويريح الأعصاب، وينعش الأفئدة وسط هذا الازدحام في أخبار اللقاءات، والمؤتمرات، والاتصالات، والاستحقاقات، والمراسلات، والقرارات الدولية الفاشلة، العقيمة، التي لا تقدم، ولا تؤخر، وتفوح منها روائح الخيانة، والاستسلام… فها هو القائد المفدى، خليفة الأمة، أبو محمد الجولاني، الذي لم يأتِ إلينا محمولًا على ظهر دبابة أمريكية، ولا جاء نتيجة لتسوية تآمرية، بل إنه تأمَّر علينا بموجب بيعة صريحة من قبل أهل الحل والعقد.
لا يسألنِّي أحد من أين، وكيف، ولماذا جرت هذه البيعة؟ ومن هؤلاء الذين يسمّون أنفسهم أهل الحل والعقد؟ فأنا مثلك أيها السائل، والله، لا أعرف مِن أين، ولا كيف، ولا لماذا جرى هذا كله، وإنما سمعت من الناس أن الأمة السورية انقسمت، قبل سنوات، إلى أمتين، بايعت إحداهما أبا بكر البغدادي خليفة للمسلمين في بلاد العراق والشام، وبايعت الأخرى أبا محمد الجولاني خليفة للمسلمين في بلاد الشام (فقط)، على أن يأتي يوم تتحد فيه الخلافتان، وتسيل دموع الفرح على اللحى، وتذبح الخراف، وتملَّص عظامها، وتزدرد في الأفراح والليالي الملاح.
كنا، قبل أن يأتي هؤلاء المشايخ لنصرتنا، نتخبط في الظلمات، وتغطس أقدامنا في المجارير والسياقات والكنائف، نحسب أن اسم دولتنا هو سوريا، وإذا بهؤلاء الخلفاء الميامين يرشدوننا، قبل أوان الأوان والحمد لله، إلى أن اسمها “الشام”.. ومن شدة غفلتنا وغبائنا كنا نعتقد أن ثورتنا هي ثورة السوريين كلهم في وجه نظام فاشستي مستبد، لنكتشف، قبل الفوات أيضًا، أنها ثورة لأهل الرّبط والفَلْت، واسمها “جهاد” وليس ثورة، والعدو ليس مستبدًا ولا فاشستيًا، وإنما هو صائل وباغٍ، والذين يخالفوننا الرأي ليسوا معارضة ولا هم متآمرون، بل إنهم خوارج العصر، كلاب أهل النار. شهداؤنا في الجنة وفطائسهم في النار، وكل من سوانا كافرٌ يُقتَل أو يُستتاب أو يَدفع الجزية وهو صاغر.
خلَّصنا البغدادي والجولاني من أوهام الثورة، والتطلع نحو الديمقراطية، فالديمقراطية كفر صراحٌ، وهي دين الغرب الذي يترك المرأة الأرملة تمشي على حل شعرها دون أن يفرض عليها العيش في كنف محرم يضبها ويسترها.
قلت إن الخبر الذي قرأناه في الأعلى يبل الأرياق، ويريح الأعصاب، وإنني غير متراجع عن كلامي. فها هو الجولاني يجتمع مع أركان حربه ليضع الخطط للغزوات والموقعات والثغور. صحيح أن الجولاني وتحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا) قد تخاذلوا في مختلف أنحاء البلاد، وركبوا الباصات الخضر أكثر مما كان الناس يركبون في باصات الهوب هوب من الكراج الموحد في “باب الجنين”، وأن النظام الصائل ينتصر عليهم الآن في أرياف إدلب، إلا أن هذا الاجتماع قمينٌ بدبِّ الرعب في قلوب الأعداء، ويبعث الطمأنينة في قلوب أبناء الأمة. وهذا يكفينا ويزيد.
Social Links: