اختبارات سقط فيها اقتصاد الأسد – علاء كيلاني

اختبارات سقط فيها اقتصاد الأسد – علاء كيلاني

تكلفة القمع السياسي (الإجراءات الأمنية والاستخباراتية والعسكرية ضد الشعب)، التي أنفقها نظام الأسد، على مدار السنوات السبع التي مضت، تعادل أضعاف التكلفة التي كان من الممكن أن تحتاج إليها الحياة الديمقراطية، في مناخ حقوقي يقوم على العدل والمساواة. لكن الحفاظ على المصالح الحزبية، والفئوية، والأقلوية، التي ظهرت في فترة زمنية متقدمة، وسجلت أضخم مقدرة على ممارسة العنف والإبادة في لوائح الاستبداد والدكتاتوريات المسجلة عالميًا، كان يقتضي جنوح النظام نحو استخدام القوة الغاشمة التي ضربَت مفاعيلها بنية الاقتصاد، ودمّرت الحياة الحضرية، على نحو مريع.

تمثل إحدى مخرجات الحرب إصرار الأسد على إقصاء فكرة تداول السلطة بشكل سلمي، وهي القاعدة الأساس للديمقراطية التي تعتمدها أنظمة الحكم الجمهورية، أو التي تدعي حكم الشعب لنفسه، لأي محادثات تتعلق بالمستقبل. ومن الواضح أن الدولة البوليسية التي تسيطر على البلاد تعمل للحفاظ على امتيازاتها، واستمرار عصبتها المستفيدة، اقتصاديًا، في الجمع بين النهب المنظم للثروات الرئيسية، والنهب المرحلي، حيث يحتكر رجال أعمال النظام في النمط الأخير، الاستثمار بقطاعات حيوية، يستولون فيها على الأموال، ويودعونها في حسابات خارجية.

من منطق مصلحي، تبرر هذه الشبكة جرائمَ النظام، بطريقة مستفزة، كتغذية افتراض معتاد، يزعم أن الأسد الذي صعد إلى سدة الحكم، بخيار مجتمعي طوعي، من حقه أن يحافظ على أمن رعاياه، وأن يحميهم من الإرهاب، ولو أدى ذلك إلى استخدامه للقوة العشوائية المدمرة. إنهم ينظرون بعين واحدة، ويرسمون في النهاية، صورة انتصار مزيف، لنظام دموي، غير قابل للاستمرار أو إعادة إنتاج نفسه، بعد أن استنفد كل أساليب القتل وفنون الإبادة، واحتكر السلطة والاقتصاد بشكل مطلق، وخلّف إرثًا مدمرًا من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، إلى جانب شبكة فساد متسعة، تقود مؤسسات مدمّرة أخلاقيًا، تؤمن لها مصالحها.

في محاكاة لهذا لإرث، تختصر لوحة جصية، وضعها الإيطالي أمبروجيو لورانزيتي في العصر الوسيط، شكلَ النظام الفاسد، على هيئة طاغية يجلس تحت جدار هدمته الحرب، محاطًا بسلسلة من الرذائل: الوحشية، والخيانة، والفتنة، والغرور، من دون أن يغفل الأضرار التي خلفها وراءه. لقد ربطت اللوحة بواقعية، بين دهس قيم العدالة، وضراوة ووحشية الديكتاتور، وتأثير كل ذلك على الاقتصاد. ففي معظم الأحيان، تفتقر مؤسسات الطاغية إلى هيكلة ناجحة، تمتلك سلطة صنع القرار، وتنتج مصالحه الضيقة حكومات غير قادرة على تحقيق النمو، لا تمتلك قابلية التطوير، بسبب ضلوع الشبكات المسيطرة، في أعمال نهب موصوفة، لموارد الاقتصاد ومخرجات العمل الإنتاجي.

إن أقرب مثال هو ما تقوم به حكومة الأسد اليوم، فعلى الرغم من تغوّل أدواتها، تحاول استثمار ما أطلق عليه رئيسها “الانتصار النوعي” الذي تحققه الآلة العسكرية، والترويج لتنمية وفق رؤى وخطط مدروسة. لكنّ الذين يتباهون بمؤسسات استطاعت تأمين مراكز إيواء لبعض مهجري الحرب، في المناطق الخاضعة لسلطتها، كإنجاز، فشلوا حتى في أزمنة السلم في تحقيق أهداف الخطط الخمسية، التنموية، المتوالية، وصياغة تصور واضح المعالم، يساعد الدولة في مغادرة عنق الزجاجة.

عمليًا، يوظف الخطاب الرسمي الراهن، القوة الغاشمة في التخفيف ما أمكن من قلق الداعمين لها محليًا، عبر ربط إنجازات الجيش والميليشيات الأجنبية العاملة على الأرض، بإنجازات مماثلة، يستعد لها الجناح المدني في السلطة. وهو بذلك أشبه بمن يبيع السمك في الماء. فالتنمية أساسًا، لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال حكم رشيد، وشفافية، وقانون مهيمن. ويعتبر الفساد وغياب العدالة الاجتماعية والمساواة في توزيع الدخل العقبة الأساس أمامها. وقد سقط اقتصاد الأسد، في ثلاثة اختبارات رئيسية؛ فعلى مستوى السياسات المالية العامة، لم تحقق البرامج الحكومية أي نمو مستدام. وعلى مستوى الإنفاق الاجتماعي، فشل نظام الأسد في تحييد الأثر السلبي لسياساته الاقتصادية، على الطبقات التي كانت تفتقر إلى شبكة أمان اجتماعي. كما فشل في موازنة سوق العمل، وتوزيع الدخول، عندما ارتفعت نسب البطالة لمعدلات عالية، وتحول حملة الشهادات إلى الاقتصاد الموازي، للعمل بمهن لا تحتاج إلى كفاءة كاختصاصاتهم الدراسية.

إن الآثار التي ترتبت على هذا الفشل الشمولي، زادت من هيمنة الزبائنية، كما عمقت فجوة عدم المساواة، وأدت إلى انخفاض النمو، وانتشار الفقر، كما زادت من حجم الفساد الحكومي، وانتشاره داخل قطاعات واسعة؛ ما شجع على اللعب بالمال العام، وأشاع ظاهرة غسل الأموال، وقوض الإنفاق على الاستثمار في مجالات الصحة والتعليم والطاقة، وأضر بالفقراء عندما خلق فجوة همشت دورهم في حراك المجتمع.

لا تبدو انتصارات الأسد المفترضة قادرة على إشاعة الرضا، حتى بين الموالين له؛ فتدهور البيانات الاقتصادية حول أوضاع الأسر المعيشية، وتفاوت الدخل، وغياب الخدمات الحكومية، وارتفاع معدلات الفقر المطلق، تمثل الجزء الأهم من تنمية تعيسة، تروج اليوم لها الحكومة على إيقاع حرب أفسدت حياة شعب، كان يتطلع للحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ويأمل من خلال التداول السلمي للسلطة، بناء غد لا رعب فيه، ولا خوف، من حكم ديكتاتور مستبد، كالذي انتفضوا ضده.

  • Social Links:

Leave a Reply