ردًا على قول السفهاء وسفهاء القول – أحمد برقاوي

ردًا على قول السفهاء وسفهاء القول – أحمد برقاوي

يتشاطر سفهاء الجماعة الحاكمة في سورية، المدافعون عن أحط أشكال الاستبداد في هذا العصر، بقولهم إن ما جرى في سورية هو تمرد على الدولة، ناسين أنه لو كانت سورية دولة، لما كان لهم مكان في ساحة القول، ولا مكانة لأي جماعة من جماعات الاستماع إلى هذا القول ومؤيديه.

يقول الواقع: انفجرت الثورة في سورية ضد سلطة غاشمة، وليس تمردًا على دولة، فالتمرد جرى على سلطة دمرت الدولة. أجل علينا أن نكرر: قامت الثورة ضد سلطة دمّرت الدولة وألغت منطق الدولة، حتى صارت المؤسسات التي من شأنها رعاية حق المواطن وحمايته من الاعتداء مؤسساتِ سلطة غاشمة تعتدي على المواطن والدولة، لا مؤسسات دولة.

لو كانت هناك دولة، بالمعنى المعاصر للكلمة، مؤسسة على مبادئ الحق والواجب والحرية والمواطنة؛ لما كانت هناك ثورة.

هدف الثورة كان ولم يزل قيام الدولة بمفهومها المعاصر، حيث المواطنة والحق والحرية، وما يترتب على هذه المفاهيم من قيام مؤسسات فاعلة في تحقيقها.

كل العنف الذي استخدمته الجماعة الحاكمة والدمار الذي أحدثته كان للحيلولة دون قيام الدولة، والبقاء في حال السلطة بلا دولة.

جميع الحركات الأصولية العنفية وغير العنفية ذات منطق متطابق مع منطق سلطة بلا دولة، ولهذا كان صراعها صراع سلطة ضد سلطة مشابهًا لها. وعقليتها عقيلة الجماعة الحاكمة نفسها، ومنطق الحرب والغلبة والغنيمة واحد، لدى الطرفين.

ولأن الأمر على هذا النحو، فإن الكفاح الشعبي السوري، بكل مكوناته التاريخية، ذو مصلحة، من حيث المبدأ، بقيام الدولة السورية، وما يترتب عليها من انتصار الذات الحرة، حتى أولئك الذين جرهم النظام إلى معركته للحفاظ على السلطة سيجدون أنفسهم بحاجة إلى الدولة ومنطق الدولة، وآية ذلك أن السلطة لا تستطيع، عبر منطق الغنيمة، أن تلبي كل حاجات مؤيديها، فمنطق الغنيمة سيخلق عاجلًا أم آجلًا التفاوت الطبقي، وما سيتولد عنه من تناقضات وصراعات.

إن عقل الدولة المعاصرة وحده اليومَ من يفكر في أحوال سكان الدولة، بوصفهم مواطنين يشعرون بالحرية، وخارج عقل الدولة لا يكون إلا عقل الجماعات العنفية، وما يترتب عليه من موت الأمن، وعقل الجماعات الطائفية بوصفه عقلًا زائفًا، وما يتولد عنه من نفي الآخر وتدمير الحقوق، وعقل سلط ما قبل الدولة وما يتولد عنه من خراب القيم، وعقل المافيات المحتكرة للثروة وما يتولد عنه من فقر.

فالدولة جيش، ولكن ليس جيشًا يقهر السكان، الدولة شرطة وأمن، ولكن ليس من أجل تصفية المواطنين وقتلهم ومراقبة أفواههم، الدولة جامعات، ولكن ليس من أجل احتلالها عبر الأميين والجهلة. وقس على ذلك.

لعمري، إن اعتقاد السلطة بأنها قادرة على تكسير رأس التاريخ الطبيعي والسيرورة المجتمعة، وهمٌ ما بعده وهم. والسلطة المتأخرة ذات الغباء العبقري لا تتعظ بالتجربة، وليس في استطاعتها الاتعاظ بالتجربة، لأنها إن فعلت واتعظت انهارت أعمدة بقائها الزائف، وفِي كل الأحوال، فإن اعترفت أم لم تعترف، فمآلها إلى زوال.

لكنها إن اعترفت وودعت التاريخ بسلام؛ فإنها توفر دماء الناس، وإن لم تعترف فإنها تودع التاريخ بدماء وحرب وتدمير الأوطان.

  • Social Links:

Leave a Reply