برنامج العلمانية الشعبية الإسلامية
(٩)
عبد الله خليفه
بما أن تسييس المذاهب يقودُ إلى تفكك المسلمين فإنهم بحاجة إلى فصل المذاهب عن السياسة، وهذا يقود إلى توحيد كل شعب عربي ومسلم، لكن هذا الفصل ليس إلغاءً وهدماً بل هو تطوير فقهي ديمقراطي للمذاهب عبر العقود التالية، لكون هذا الفقه لا يمكن أن ينشأ دفعة واحدة، بل عبر تراكم أجيال، كما أن الوحدة الوطنية لكل شعب ضرورة أسرع من ذلك الإصلاح الفقهي الطويل الأمد. والإصلاح الفقهي لا يلغي المذاهب وكياناتها الخاصة، بل هو يحتفظ لها باستقلالها ونموها المتميز، وهو ينشيء فقهاً عاماً ديمقراطياً هو عبارة عن أفكار النهضة والتحديث والتوحيد وقد تجذرت في ذلك الفقه. إن الشعارات الديمقراطية السياسية هي عامة لكافة المواطنين، فإذا كانوا يتميزون في الصلاة، فإنهم لا يختلفون في مكافحة الفساد، ورد الأموال العامة الضائعة في الدهاليز الحكومية والتي تاهت عن الصحة والتعليم ومكافحة التلوث وعن تدعيم العمالة الوطنية! ولكونها علمانية (شعبية) فهي تعتبر مصالح الجماهير العاملة والفقيرة هي بوصلة حركتها السياسية المطلبية، لأن هذه الجماهير هي أساس وحدة كل شعب، ومعاناة العمال مهما كانت مذاهبهم وأديانهم فهم في النهاية يعانون نفس الأستغلال وتدني الأجور وتخلف وسائل الأمان والسلامة، ولكنهم إذا تفرقوا مذاهب وأدياناً وفرقاً فإنهم وحدهم من يعاني الظروف السيئة لأنهم أقل الناس مالاً وأكثرهم عملاً وأدناهم عيشة. ولكونها علمانية وذلك من أجل عدم استغلال رموز الإسلام في التجارة السياسية بالدرجة الأولى، لكن هذه العلمانية من جهة أخرى تــُبنى على التاريخ والتراث الإسلاميين (تراث الأغلبية في المنطقة)، فهي علمانية لا تقفز في الهواء ولا تلغي جذورها، ولكن هذا التجذر لا يجري باستخدام الدين أو المذاهب من أجل الأغراض السياسية والحملات الانتخابية، وليس هو عدمية دينية كذلك، ومن هنا يغدو التنظيم المؤمن بهذه العلمانية الشعبية الإسلامية مفتوح لكل الاتجاهات الدينية والفكرية، الموافقة لبرنامج النضال من أجل العمال والفقراء وبقية العاملين. إن تكوين تنظيمات لا مذهبية سياسية هي خطوتنا الأولى في توحيد الشعب، فهنا تجد الفئات الاجتماعية التي تتماثل مصالحها بأنها قريبة من بعضها البعض، فلا تجعل من تباين المذاهب مانعاً ضد توحدها، بل تجد من المذاهب المتباينة الإسلامية عناصر مشتركة توحدها ولا تفصلها. إنها لا تجعل الاختلاف الفقهي سبباً في تبعثر الشعب وضياع مصالحه واستقلاله! وإذ يتطلب العمل السياسي داخل مثل هذه التنظيمات إنتاج فكر ديمقراطي وطني، فإن تطوير الفقه الإسلامي باتجاه الحداثة والديمقراطية يغدو جانباً مهماً في هذا الإنتاج، لأن أغلبية الفقه الإسلامي التقليدي على مر العصور السابقة رفض فقه النضال من أجل المساواة وتحرير النساء، ومساندة العاملين، وإلغاء احتكار الطوائف للحكم وأضطهاد الطوائف الأخرى. ولا يمكن للنضال الديمقراطي العام أن يمضي دون تغيير في التراث التقليدي الذي أُعتبر دعامة للحكومات الدكتاتورية، ودون إبراز للنضال الديمقراطي الذي قامت به الفرق والمذاهب الإسلامية، فيغدو نضال المعاصرين الديمقراطيين هو تتويج لنضال الصحابة والأئمة والثوار في العصر السابق.
Social Links: