روسيا تخشى الحراك اللبناني

روسيا تخشى الحراك اللبناني

لا تخفي الصحف والمواقع الروسية توجس الكرملين من أي حراك شعبي للدفاع عن الحق بالحياة بوجه أي سلطة تعتدي على هذا الحق البديهي للناس . وبرزت لدى القيادة الروسية عدائية مميزة ضد ثورات الربيع العربي منذ العام 2011، وأصبح هذا المصطلح بالنسبة لها بمثابة رهاب، لا يعني سوى نشر الفوضى والإضطراب . ولم تقم ثورة من ثورات هذا الربيع ، إلا وكانت روسيا أول ما تبحث عنه هو “القوى الخارجية” ، التي تقف وراء هذه الثورة وما تحمله من تهديد للمصالح الروسية .

ليس الحراك اللبناني الراهن إستثناءاً من الترسيمة الروسية هذه ، بل هو يندرج ضمن سياقها ، وتنظر إليه روسيا كما درجت أن تنظر إلى سابقاته من الثورات العربية . في التعليق الأول على الحراك اللبناني ، وتحت عنوان “لن يحدث ربيع عربي جديد : لماذا ضربت موجة الإحتجاجات لبنان” كتبت نشرة قناة الكرملين “RT” في نسختها الروسية تقول ، بأن الوضع في لبنان يمكن أن تستغله قوى خارجية . وتنقل القناة عن أحد الباحثين في مركز الدراسات العربية والإسلامية في معهد الإستشراق الروسي قوله بأن المشاكل في لبنان “لا تُعالج ، بل تتفاقم”، ويرى بأن تدفق اللاجئين السوريين أضاف عاملاً سلبياً إضافياً للإقتصاد اللبناني.

وتقول القناة أن الخبراء يرون أن تفاقم الصراع السياسي في لبنان واستقالة الحكومة قد يفضي بالبلاد إلى عواقب وخيمة . وتذكر القناة بالحرب الأهلية اللبنانية ، وتقول بأنها انتهت ، لكن الوضع في البلاد أخذ يتأزم من جديد في السنوات الأخيرة ، ويعود ذلك جزئياً إلى تدفق “اللاجئين السوريين السنة ، الذين غالباً ما يحملون أفكاراً جد متطرفة”. وتنقل عن خبيرها المذكور أن القوى الخارجية بوسعها محاولة استغلال الصراع السني الشيعي لتفجير دورة مجابهة داخلية جديدة في لبنان، ترفع استقالة الحكومة من مخاطر حدوثها .

من جهتها ترى صحيفة الكرملين “vz” أن الحراك اللبناني هو “صراع جديد في الشرق الأوسط يهدد مصالح روسيا” . وتقول الصحيفة أن نقطة ساخنة جديدة قد تشتعل من جديد على الحدود مع سوريا ، وأن الأزمة السياسية في لبنان “جار بشار الأسد” تهدد بتدمير السلام الهش بين الطوائف. وتتساءل عن القوى، التي تقف وراء الأزمة اللبنانية الجديدة ، وعن الأخطار التي تحملها الإضطرابات في بيروت للمنطقة ككل ، وما إذا كان بوسع روسيا “المُصلح الرئيسي في الشرق الأوسط”  التأثير على الوضع .

تنقل الصحيفة عن رئيس معهد الشرق الأوسط يفغيني ساتانوفسكي نفيه القاطع لتأثير أي عامل خارجي على “الإضطرابات” الحالية في لبنان . ويصر الرجل على وصفها بالإضطرابات ، ويحصر أسبابها بسلوك النخب المحلية، التي “حولت كل شيئ إلى رماد”، وهي غير قادرة على التوافق على أي أمر، وتناتشت البلد في ما بينها ، وأوصلت الحال إلى حتمية حصول الإضطرابات .

وبعد أن يدخل ساتانوفسكي هذا في تفاصيل نشوء الكيان اللبناني ، الذي يعتبره “مصطنعاً” ،  يقول بأن لبنان هو دولة ضعيفة ويمكن اعتباره “دولة فاشلة” ، يوجد على طرازها الكثير من دول الشرق الأوسط، التي هي أقوى من لبنان بكثير. وأما أن يكون للبنان سفارات وعَلَم  وممثليات دبلوماسية ومقعد في الأمم المتحدة ، فهذا “لا يعني شيئاً” ، كما لا يعني شيئاً كذلك كونه دولة مستقرة ، برأيه . ويرى أن عدم الإستقرار الدائم ، الذي يتحول دورياً إلى مذابح وحرب الجميع ضد الجميع ، هو الوضع النموذجي بالنسبة للبنان . ويعتبر أن الأمن لا يستقر في لبنان إلا إذا احتله أحد ما ، وهذا ما لا يتوفر الآن ، لأن لدى السوريين ما يشغلهم عن ذلك ، وتخلى الإسرائيليون بشكل قاطع عن الأمر ، بعد أن ذاقوا مرارته .

أما الباحث في معهد الإقتصاد العالمي والسياسة الدولية التابع للأكاديمية الروسية ستانسلاف إيفانوف فله رأي آخر في النظام السياسي والحدث اللبناني الراهن . فهو يعتبر النظام السياسي اللبناني ، كما تنقل عنه الصحيفة ، نظاماً مستقراً ، رغم كل تعقيداته ، ويجزم بأن الأزمة الراهنة سوف تنتهي بتوافق ما بين القوى السياسية المختلفة . ويتحدث للصحيفة عن الفارق بين “الإضطرابات” الراهنة في بيروت و”الربيع العربي” (كما يسمي إيفانوف انطلاقة الثورة السورية) في سوريا العام 2011 ، الذي تحول إلى حرب أهلية مستمرة حتى الآن . ويرى إيفانوف في مقارنته هذه بين “اضطرابات” بيروت و”الربيع العربي” في سوريا ، أن المعارضة السورية انطلقت منذ البداية تحت شعارات سياسية، بينما المطالب في لبنان هي إقتصادية في معظمها .

ويرى إيفانوف أن الحفاظ على النظام والأمن في لبنان ، هو “لصالح روسيا، بالتأكيد” ، لأنها تملك قاعدة بحرية عسكرية في طرطوس ، وأي اضطراب للوضع في لبنان سوف ينعكس على الوضع الداخلي في سوريا. ويقول بأن الحرب السورية قد انتقلت إلى إدلب والحدود السورية التركية في الشمال ، وأي اضطراب على الحدود الجنوبية في لبنان لن يكون لصالح روسيا وسوريا . ويقول بأن روسيا تعتبر لبنان بلداً صديقاً محايداً ، ويمثل نوعاً من “النافذة على أوروبا” ، ولها علاقات جيدة وقديمة مع مسيحييه ، نشأت في عهد الإمبراطورية الروسية . كما تربطها علاقات جيدة مع قيادة البلاد ، ولذلك لروسيا مصلحة في استقرار لبنان  ولديها الوسائل للتأثير على الوضع الداخلي فيه ، على قوله .

أما موقع “rambler” الإخباري فيضع الحدث اللبناني ضمن أنبائه المالية ، ويرى أن “الإحتجاجات اللبنانية تهدد بإلحاق خسائر بروسيا” ، ويعتبر أن روسيا لذلك قلقة وهي تتابع الأحداث في لبنان . ويذكر الموقع بمذكرة التفاهم والتعاون في حقل النفط والغاز، التي وقعها البلدان في العام 2013 ، وتعزز التعاون بين البلدين منذ ذلك التاريخ ، برأيه . فقد وقعت الحكومة اللبنانية في نهاية العام 2017 عقدا مع ثلاث شركات من بينها شركة روسية للتنقيب عن النفط والغاز في حقولها البحرية ، واتفاقية أخرى مطلع العام الحالي مع شركة روسية منفردة حول إدارة واستثمار وتوسيع خط أنابيب النفط في طرابلس . وينسب المواقع إلى مصادر دبلوماسية في بيروت قولها ، بأن لبنان معني بتوسيع التعاون الإقتصادي بين البلدين ومشاركة البيزنس الروسي في المشاريع الكبرى في لبنان ، على غرار التنقيب عن النفط والغاز في حقوله البحرية . ولذلك ، يعتبر الموقع ، أن مخاطر سقوط الحكومة اللبنانية تطال موسكو بالمباشر .

هكذا تنظر موسكو إلى حراك اللبنانيين الراهن بأنه صراع جديد في الشرق الأوسط  يهدد مصالح موسكو ، سواء لتأثيره على “السلام” الهش في سوريا ، أو لمخاطر سقوط حكومته الموقعة على العقود مع الشركات الروسية . وهو ليس بنظرها سوى “ربيع عربي” آخر ينبغي الوقوف بوجهه على غرار ما فعلت ، ولا تزال ، حيال الربيع السوري

  • Social Links:

Leave a Reply