أعطني حكومة بلا ضمير أعطك شعباً بلا رغيف!

أعطني حكومة بلا ضمير أعطك شعباً بلا رغيف!

د. أسامة القاضي  – تلفزيون سوريا

تأسياً بوزير الإعلام النازي جوزيف غوبلز صاحب شعار “أعطني إعلامًا بلا ضمير أُعطك شعبًا بلا وعي” تعمل حكومة عرنوس بشعار : “أعطني حكومة بلاضمير أعطك شعباً بلا رغيف” فموازنة 2021 واحدة من أخفض الموازنات التي عاصرتها سوريا منذ الاستقلال فهي أقل من 3.5 مليارات دولار رغم أنها تبلغ أعلى رقم في تاريخ سوريا على الإطلاق إذ وصلت 8.5 تريليون ليرة سورية.

 

المشكلة تكمن في حجم تقلص الاقتصاد وانكماشه وسوء إدارته، ووزارة المالية لاتفتئ تكذب على الناس من خلال إعلامها الذي لم يسعفه حظ الإعلام النازي من الدعم والإخلاص لمشروع ألمانيا الاستعماري، فهو إعلام رديء وعديم المصداقية حيث لايوجد عاقل يسكن في منطقة النفوذ الروسية حيث توجد حكومة النظام مقتنع بحرف واحد من ذلك الهراء الذي يخرج من فم وزير المالية السابق مأمون حمدان والذي كان مديراً تنفيذياً لـ”هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية” مابين عامي 2009 و 2011 والذي سيسجله التاريخ أنه واحد من أكذب وأسخف الوزراء الماليين الذين عرفتهم سوريا حيث ادعى أمام “مجلس الشعب” في 15 مايو 2020 أنه “في سوريا مافي حدا جائع!”، وفي فبراير 2018 قال : “الحكومة تعلن عن مسابقة لاختيار 100 موظف فيتقدم إليها 5000 مواطن متسائلاً “لماذا يريد الناس وظيفة في الدولة؟ واعتبر أن ذلك يدل على غياب ثقافة العمل!”.

 

والآن يأتي وزير المالية الحالي “كنان ياغي”، الذي كان منذ عام 2015 يشغل منصب نائب المدير التنفيذي لنفس “سوق دمشق للأوراق المالية” التي كان سلفه حمدان يديرها والتي تعد واحدة من أفشل الأسواق لأوراق مالية في العالم حيث فيها عام 2019 فقط 27 شركة وقيمتهم السوقية كلهم مجتمعين أقل من 500 مليون دولار، يعني الوزير السابق والحالي لديهم خبرة “وول ستريت” سوريا!

 

وآخر ماتفتق عن عقل ياغي “المبدع” أن إيرادات الدولة الجارية ستكون كبيرة حيث قدرتها “الحكومة العتيدة” في مشروع الموازنة للعام القادم بمبلغ 3477 مليار ليرة مقابل 1167 مليار ليرة وتعتقد الحكومة أن هذا إنجاز كبير ودلالة على تحسن النشاط الاقتصادي، بينما هو عبارة عن الضرائب التي تجمعها الحكومة بعد “زيادة الرواتب” التي عادت وأخذتها كضريبة، وتعكس التضخم الجامح بين عامي 2020 و2021، حيث كانت الليرة السورية أقل من 1000 ليرة سورية عام 2019 يوم أعلن عن موازنة 4.5 تريليونات ليرة سورية لعام 2020، بينما الآن في نوفمبر 2020 سعر الليرة 2450 ليرة للدولار الواحد يوم إعلان موازنة 2021.

 

مبرر زيادة الإيرادات الوحيد هو وضع اليد على أموال رامي مخلوف ورجال أعمال آخرين كانوا متحلقين حوله، ولاتشكل عشرة بالألف مما ربحه آل الأسد ومخلوف على مدى خمسة عقود والتي معظمها تقريباً خارج سوريا.

 

إن تضخم 150 % بالمئة خلال العام الفائت وحده يجعل مبلغي الواردات تقريباً لهما نفس القيمة حوالي 1.4 مليار دولار، وهي قيمة التضخم الذي يشكل موتاً بطيئاً لمن تبقى من أهلنا في منطقة النفوذ الروسية.

 

تم إصدار المرسوم التشريعي رقم 24 للعام 2020 بحيث يعدل الحد الأدنى المعفى من الضريبة على دخل الرواتب والأجور ليصبح 50 ألف ليرة سورية بدلا من 15 ألفاً ولكن وزارة المالية عاجلت الموظفين برافع رواتبهم بحيث يكون معظمهم يشمله الحد الأدنى، وتلقائياً مع رفع رواتب أقل من ثلث العاملين في سوريا العاملين لدى الحكومة ترتفع الأسعار فوراً فتصيب كل العمالة السورية وخاصة ثلثي العمالة التي لاتعمل أصلاً لدى الحكومة، وأما بالنسبة للموظفين فمعظمهم لم يستفد من المرسوم 24 ولكن عاجله ارتفاع الأسعار وبذلك انخفضت قدرته الشرائية بشكل أسوأ.

 

كما قام عباقرة وزارة المالية بتعديل الشرائح الضريبية التصاعدية لتكون 30 ألف ليرة سورية لكل شريحة ضريبية. وتعديل النسبة الضريبية للشرائح لتبدأ من 4% بدلا من 5% وصولا إلى 18% بدلا من 22%.

 

يعتقد البعض أنه بعد حرائق أكثر من 150 غابة وخمسة ملايين شجرة سيكون المرسوم 23 رحيماً بإعفاء المقترضين الزراعيين ولكن كان المرسوم “سخياً جداً” حيث أعفاهم من كل الفوائد العقدية وفوائد وغرامات التأخير المترتبة عليها. وإعادة جدولة أرصدة رأسمالها بتاريخ نفاذ هذا المرسوم ولغاية عشر سنوات على أقساط متساوية وتواريخ استحقاق موحدة بعد استبعاد الفوائد-فقط الفوائد وليس أصل القرض- على أن يستحق القسط الأول منها بتاريخ 1/8/2021. لكن إذا أحبوا ممكن المصرف يقرضهم مرة ثانية!. حيث أتاح المرسوم للمصرف الزراعي التعاوني بإعادة إقراض المتضررين الراغبين بذلك سواء ممن تمت جدولة قروضهم أو غيرهم من المتضررين بقروض قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل بنسبة 100% للغاية المطلوب إقراضهم لأجلها مع منحهم فترات السماح!

 

وزير المالية كان كريماً مع المتضررين حيث خصص ملياراً و530 مليون ليرة لمحافظة اللاذقية تغطي 153 قرية متضررة من الحرائق في المحافظة، ومبلغ 840 مليون ليرة لمحافظة طرطوس تغطي 84 قرية متضررة فيها، بمعنى 10 ملايين ليرة لكل قرية أو بالأحرى 4000 دولار لكل قرية من أجل “مشاريع” خدمية! طبعاً لايعرف أحد كم سيبقى من مبلغ الـ 4000 دولار ليتم إنفاقه على القرى، لأن المحافظين في دولة “الرشادة والشفافية” بدؤوا “فعلياً” بتشكيل اللجان للإشراف والمساعدة في تنفيذ المشاريع بالقرى وقطاعات الوحدات الإدارية وفق احتياجات وأولويات كل قرية!

 

توزعت النفقات العامة في موازنة عام 2021 على بندي نفقات جارية بنحو 7 آلاف مليار ليرة المعنية بالرواتب والأجور وماتبقى من دعم حيث تضمنت الاعتمادات نحو 3500 مليار ليرة للدعم الاجتماعي و50 ملياراً لصندوق دعم الإنتاج الزراعي و50 ملياراً لصندوق المعونة الاجتماعية وتنمية المرأة الريفية، الطريف حقاً التبجح بالاهتمام بالريف وتنمية المرأة الريفية حصراً رغم أن معظم أرياف سوريا تقصف منذ أكثر من تسع سنوات وعلى رأسها ريف دمشق وريف حلب وريف حماة وريف درعا وريف ادلب، أما الـ 1500 مليار ليرة التي من المفترض أن تخصص للإنفاق الاستثماري فلا أعتقد أن “الحكومة العتيدة” ستستطيع الاستغناء عنها لاستيفاء الحاجات الأساسية من غذاء ووقود وصحة وتعليم ورواتب لذلك على الأغلب سيتم تحويلها لاتفاق جارٍ قبل نهاية عام 2021.

 

إن الحالة الاقتصادية المتردية لأهلنا الذين يعيشون في منطقة النفوذ الروسية حيث يعيش أكثر من تسعين بالمئة منهم تحت خط الفقر ومعاناة أهلها فيما يخص الوقود والماء والكهرباء وأضيف فوقها حرائق أكثر من 160 غابة والتي أحرقت قرابة خمسة ملايين شجرة إضافة إلى خسائر ناتج الدخل القومي خلال السنوات التسع الماضية تجاوزت 13 تريليون ليرة سورية. يجعل معها أي إدعاء بتحسن طفيف في الاقتصاد مجرد مزحة سمجة، وخاصة إذا أضيف لها سوء إدارة لما تبقى من نشاط اقتصادي من مثل استصدار مرسوم رقم 3 الذي يمنع التعامل بغير العملة السورية المنهارة وإغلاق محلات الصرافة حيث منع النظام عن نفسه ايراد أكبر من 1.5 مليار دولار سنوياً من تحويلات السوريين في الخارج، وذلك زاد في تدهور حالة النشاط الاقتصادي حيث نفّر عدداً كبيراً من المستثمرين والصناعيين حتى من الموالين.

 

زاد في حالة التدهور الاقتصاد صراع داخل الأسرة والحجز على أموال رامي مخلوف الذي كان الوكيل الحصري لأية مشاريع كبيرة في سوريا، والتي من جرائها أخاف المستثمرين و”رجال الأعمال” في الشام القابضة ودمشق القابضة وغيرها خشية الاعتقال والحجز مما ساهم في هبوط النشاط الاقتصادي لأقل من 10 بالمئة، حيث يصعب معها أن تزيد إيرادات الضرائب منهم، وليهنئ الشعب السوري نفسه بعدما صار لدينا “إيماتيل” بدل “سيرياتل” بفضل السيدة الأولى فهذا نصر مؤزر للشعب السوري!

 

مالم تنته الأزمة السورية بصفقة أميركية روسية قبل نهاية عام 2021 فإن موازنة عام 2022 قد تصل إلى 15 تريليون ليرة سورية بدلاً من 8.5 تريليونات ليرة سورية، وستضطر الحكومة “الذكية” لطباعة المزيد من العملة السورية -ليس لدى شركة تكامل المسؤولة عن “البطاقات الذكية” ابن خالة السيدة الأولى- ونرى في السوق عملة سورية من فئة الـ 5000 وفئة الـ 10 آلاف ليرة.

 

إن التضخم الجامح الذي تعاني منه سوريا لن يوقفه سوى حل سياسي حقيقي والدخول في إعادة إعمار بتوافق دولي، بعد أن يعود اللاجئون والنازحون السوريون إلى بيوتهم، ويخرج المعتقلون وتتوقف الآلة العسكرية التي تدمر المدارس والمشافي والمدن وهو عين قانون قيصر الذي بات قانوناً لايوقفه سوى تطبيق بنود الإصلاح السياسي وكل ماعداه مضيعة للوقت، ووضع مساحيق تجميلية على جسد متعب وشبه ميت.

  • Social Links:

Leave a Reply