جيفارا سوريا…  عبد القادر الصالح

جيفارا سوريا…  عبد القادر الصالح

سليمان النحيلي* – زمان الوصل

لم يأتِ من جبال (تورا بورا)، أتى من حلب شهباء الشمال السوري، ولد من رحم المعاناة السورية، عاصر حقبتين أسديتين مريرتين إن رأيته تلفتك إشراقةُ وجهه من أثر السجود، وإن تكلم يعجبك تواضعه ووضوح هدفه، ثائر ضد الظلم وليس معارضاً سياسياً، لم يطمح بمنصبٍ سياسي، إنما سعى لنيل منصب الشهادة لذلك ففي خضم انتصاراته حفر قبره في بلدته وأوصى أن يدفن فيه إن نال شرف الشهادة.

من رجال الزمن الجميل في الثورة حين كان الثائر يشتري بندقيته من ماله، إنه الشهيد “عبد القادر الصالح”، (أبو محمود، حجي مارع جيفارا سوريا والقائد العسكري للواء التوحيد)، الذي يصادف في هذه الأيام ذكرى استشهاده على يد الغدر الأسدية.

وُلد عبد القادر الصالح في بلدة “مارع” من ريف حلب عام 1979 لم يكمل تعليمه الثانوي، لكنه نال حظاً من العلم الشرعي بفضل اجتهاده الشخصي ومتابعته حلقات الدروس في المساجد، متزوج وله خمسة أولاد.

*من التجارة إلى الثورة:

كان أبو محمود على عكس البعض الذي استقلَّ ركب الثورة وتحوَّل من ثائر إلى تاجر، متاجراً بأرواح العباد وثروات البلاد وبيع حق المرور لقاء الإتاوات.

فقد ترك تجارة الحبوب الذي كان يؤمن له دخلاً جيداً وتحول عند اندلاع الثورة السورية ربيع 2011 إلى ثائر. ولأن من تربى على شيء شاب عليه فقد حافظَ على نزاهته وصدقه وتواضعه المعروف بهم حين أصبح ثائراً..لبى نداء الحرية منذ أيام الثورة الأولى، فكان من أول المنضمين للحراك السلمي فقاد المظاهرات في بلدته. وحين أثخن النظام قتلاً بالمتظاهرين واضطر الثوار إلى خوض غمار الكفاح المسلح، اختير عبد القادر الصالح ليقود الكتيبة المحلية في مارع ثم ليقود مجموعة من الكتائب العسكرية في الريف الشمالي الحلبي التي اندمجت تحت اسم “لواء التوحيد” الذي بات القائد العسكري له، وأطلق عليه من حينها لقب حجي مارع.

*القائد المحبوب ولواء  التوحيد:

تمتع حجي مارع (بالكاريزما العالية) فقد امتاز بحضورٍ قوي ووجه قريب إلى القلب تفيض منه الطيبة بالإضافة إلى وضوح الهدف وصدق العمل من أجله فحاز شعبيةً عاليةً في حلب ريفاً ومدينة، ما أهله ليكون القائد العسكري للواء التوحيد ليقوده عند دخول مدينة حلب عام 2012 وقد لمع نجم الصالح في معارك تحرير أحياء “صلاح الدين والصاخور وسيف الدولة”.

*غيفارا سوريا:

كان عبد القادر الصالح في نضاله سباقاً في كل شيء قرن العمل بالقول، تراه في صدارة المظاهرات يواجه رصاص رجال النظام، وفي الخطوط الأمامية للقتال مع الثوار الأمر الذي عرضه لأكثر من إصابة، قاتل في ريف حلب وشمالها وغربها وانطلق بكتيبة من مقاتليه ليقاتل إلى جانب ثوار القصير عندما حاصرتها قوات النظام وحزب الله فسماه الكثيرون جيفارا سوريا.

*المطلوب حيًا أو ميتًا:

شكّلت انتصاراته إيلاماً كبيراً للنظام حتى أمسى رعباً حقيقياً خاصة بعد الالتفاف الشعبي العام حوله، وكان على النظام كي يوقف ذلك الرعب التخلص منه فرصد مبلغ 200 ألف دولار لمن يعتقله أو يقتله، ولذلك تعرض لأكثر من محاولة اغتيال نجا منها.

وكان في كل مرة يقول “لم يمنحني الله  الشهادة تقصيري في واجبي”، حتى نال ما تمناها حين تمكن النظام من اغتياله أخيراً عبر استهدافه بغارة جوية خلال اجتماعه مع قادة آخرين في “لواء التوحيد” قرب “مدرسة المشاة” في 2013/11/16 ليستشهد بعد يومين في إحدى مشافي عينتاب التركية بعد نقله إلى هناك.

ترك خبر استشهاد حجي مارع حزناً عميقا في شارع الثورة السورية وخاصةً أن الثورة كانت تعاني من انعطافة خطيرة، حيث بدأت تظهر بعض الفصائل العسكرية (تنظيم “الدولة” وقسد) بالقرب من مناطق سيطرة “لواء التوحيد”، والتي عملت على حرف مسار الثورة فيما بعد.

“غيفارا سوريا” أو “حجي مارع” أصبح نتيجة آرائه وتصريحاته وإنجازاته على الأرض وصدقه في نضاله ومحبة الناس له رمزاً وطنياً من رموز الثورة السورية النادري التكرار.

  • Social Links:

Leave a Reply