«الكناعيص» للسوري خليفة الخضر: قصص واقعية من سجون تنظيم «الدولة»

«الكناعيص» للسوري خليفة الخضر: قصص واقعية من سجون تنظيم «الدولة»

 القدس العربي _مصطفى عباس

تسع قصص تضمنها كتاب «الكناعيص» الذي يروي فيه الكاتب الشاب خليفة الخضر تجربته في سجون «تنظيم الدولة» في سوريا، القصة الأخيرة هي قصته، بينما الثماني الأخريات هي قصص رواها عن آخرين، يقول خليفة إنها أمانة في عنقه أراد إيصالها للعالم، كون كثيرين ممن يخرجون من سجون التنظيم ولا يستطيعون الكتابة، أو يصابون بالهلع، ولا يريدون التكلم من قريب ولا من بعيد عن هذه التجربة المريرة، التعذيب والانتهاك لحرمة الإنسان فيها، لا يختلف في شيء عما عند النظام، ما خلا بعض المصطلحات، فهنا خائن، وهناك كافر، وهناك مرتد وهنا عميل وهكذا دواليك..

«داعش» وعالمنا

الكتاب الذي صدر عام 2017 عن دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع، قدّم له الكاتب ياسين الحاج صالح، تحت عنوان «عالم غريب، عالمنا»، ويقول صالح إنه في شيء من التدقيق، نكتشف أن «داعش من عالمنا، وأن عالمها الموازي ليس إلا عالمنا هذا في واقع الأمر. الغريب، المتوحش، الغاضب هو من هذا العالم بقدر ما نحن، بل لعله من العالم أكثر منّا، وأكثر من أي ضحايا ممكنين له».

الحذاء الأخضر

رغم أن الكتاب توثيقي بالدرجة الأولى، ولكن القارئ يكتشف بسهولة أن الكاتب الشاب يمتلك تقنيات السرد الروائي، ويستطيع التقاط يوميات الحياة العادية وتقديمها للقارئ في قالب درامي جذاب، فأبو رسول النجار عندما نقلوه من سجن إلى آخر لم يحزن إلا على حذائه الأخضر، الذي اشتراه من حلب قبل عشر سنوات بـ1250 ليرة، ورآه في قدمي أحد السجانين، الذي لم يلبث أن قتل بقصف لقوات التحالف الدولي، ففرح أبو رسول لموت هذا السجان لأنه سرق له حذاءه.

تسع قصص مختلفة يكون الراوي فيها هو صاحب القصة ذاته، ويكون السرد أشبه ببوح ذاتي لا يخلو من الحوار، في بعض الأحيان يكون الحوار بالعامية المتداولة في شمال حلب، وفي بداية كل قصة هناك مقتطف صغير منها يختصر الحكاية، أو يعبر عن أهم ما فيها.

تسع قصص مختلفة يكون الراوي فيها هو صاحب القصة ذاته، ويكون السرد أشبه ببوح ذاتي لا يخلو من الحوار

مصلوبٌ لم يمت

«متى تريدون قتلي» هي أول قصة وتحكي سيرة مقاتل في الجيش الحر اعتقله «داعش» وحكم عليه بالإعدام، وتأخروا في التنفيذ فبات ينتظره على أحر من الجمر، ولم تتم مبادلة المقاتل أسوة بغيره من العناصر، فالمبادلة فقط لأقارب قائد الفصيل، ولأصحاب الحظوة، أما المقاتلون البسطاء فلا أحد يأبه بهم، سوى جذع الزيتون الكبير الذي يذبحون عليه، الغريب في هذه القصة هو أن عنصر الجيش الحر الذي أعدم في مدينة الباب يوم الجمعة، بقي على قيد الحياة أثناء الصلب، وتنتهي القصة وهو مصلوب يشم رائحة الفراريج المشوية، ويحس بقرصة الطفل وهو يصرخ به أنه «عدو الله».

الهروب من سوريا

«نظرت خلفي إلى سوريا – بلدي – والشمس تغرب، كأني أمسكت سوريا في يدي ومزقتها بقوة ونفخت على قطعها فتناثرت، فليأخذ كلّ منهم حصّته من البلد، فأنا مهاجر ولن أعود حتى تُرفع راية واحدة فقط في بلدي، راية العدل واحترام حرية الإنسان».

هذا ما قاله أحمد المحمد، الطالب الذي كان يدرس في جامعة دمشق، ثم عاد إلى مدينة الباب كي يسأل عن أخيه المقاتل في الجيش الحر الذي اعتقله «داعش» عبر مكيدة، فاعتقلوا أحمد بحجة أنه عميل للنظام، وبعد أن مات وائل أخو محمد تحت التعذيب أطلقوا سراح أحمد، طالبين منه أن لا يعود إلى بلاد الكفر، فكان ما قاله في بداية المقطع.

كتّيبة التقارير

الكناعيص التي يحمل الكتاب عنوانها، هو اسم وهمي لإحدى العائلات في ريف حلب، التي كان أغلب أفرادها مخبرين للنظام، ويكتبون التقارير عن جيرانهم، ولكن ما أن جاء «داعش» حتى بايعوه وأصبحوا دواعش، وما زالوا على مهمتهم القديمة بالوشاية بالناس، إذْ وشى طفل منهم  بامرأة مسنة خرجت لترمي القمامة وظهر شيء من ساعدها، فاستدعوا زوجها وجلدوه، ما جعل الدنيا تسود في عينيه، ليبيع بيته وأرضه بنصف الثمن ويهاجر إلى أوروبا.

حجي موسكو

ويسرد عيسى الخضر- الاسم الحقيقي لخليفة- قصة مقاتل روسي تم اعتقاله على أنه جاسوس روسي، إلا أنه رغم اعتقاله بقي يجاهر بالعداء للجيش الحر، ومحبة أبو بكر البغدادي، ويدعي أن الشيشانيين اعتقلوه بسبب كرههم للروس، رغم أنه أعلن إسلامه قبل سنوات، «حجّي موسكو، أو أشيموف سيركاي نيكولايافيتش، تم إعدامه على يد طفل آسيوي بإصدار مرئي أنتجه مركز الحياة الإعلامي التابع لتنظيم الدولة».

قصة الكاتب

خليفة الذي اعتقل على يد «داعش» لحيازته كاميرا، ثم حكم عليه بالإعدام كونه رسم مريم العذراء على أحد الجدران في حلب، قبل أن يخفف الحكم للسجن والأعمال الشاقة، أخيرا يسرد خليفة قصته، تحت عنوان العودة إلى السجن، حيث عاد إلى السجن إنما محررا، مع قوات درع الفرات التي دحرت «داعش»، بمساعدة الجيش التركي، فيســـترجع خليفة ذكرياته في السجن، ويبحث عن الأشـــخاص الذين كانوا معه عله يجد أثرا عنــــهم، «تذكـــرتُ ضجة المهجع والكلام الكثير، والصراع بين المساجين على المساحة المخصصة للنوم، أصواتهم وصورهم تخرج من ذكرياتهم، مع كل ذكــــرى حدثٌ كنّا نُضحِكُ أنفسنا به». يشار إلى أن خليفة حاز عام 2017 جائزة سمير القصير فئة مقالات الرأي، وهو من مواليد 1993، ويعمل في المجال الإعلامي في شمال سوريا، ويحرص على أن يوثق على الأرض المعاناة الإنسانية.

  • Social Links:

Leave a Reply