العمل النقابي وضروراته في ظل الثورة السورية ..

العمل النقابي وضروراته في ظل الثورة السورية ..

في حوار مع م.سامر كعكرلي

حاوره زكي الدروبي

لفترة طويلة احتكر نظام الأسد الأب والابن كل المجال العام، فأمم العمل الحزبي والسياسي والفكري والثقافي، حتى النقابات المهنية لم تسلم من شره، فحين وقفت هذه النقابات موقفاً وطنياً بوجه استبداده وتسلطه بادر لحلها ، ثم صنع نقابات على قياسه وهيمن عليها، فأصبحت تدور في فلكه وتسبح بحمد نظامه.

للحديث عن موضوع المجتمع المدني والعمل النقابي التقت الرافد عضو المكتب السياسي لحزب اليسار الديمقراطي السوري المهندس سامر كعكرلي مدير عام اتحاد الغرف الزراعية السورية سابقاً، ونائب أمين عام اتحاد اللجان الوطنية للتأهيل والتدريب حالياً.

لنبدأ بالحديث عن ضرورة العمل النقابي في سورية، برأيك هل يوجد ضرورة للعمل النقابي في الثورة السورية حالياً أو لنقل بصيغة أخرى هل نملك رفاهية التفكير في العمل النقابي في ظل الموت ، والدمار الذي يعيشه السوريون كل لحظة ؟

لا يمكن لأي ثورة في العالم أن تنطلق شرارتها الأولى وأن تستمر ،إلا إذا كان الثوار على يقين كامل بأن هذه الثورة مآلها الانتصار طال الزمان أو قصر، وبما أن ثورتنا انطلقت لتحقيق دولة الكرامة ،والعدل ،والمواطنة، وبما أن النضال لا يمكنه أن يكون نضالاً عسكريا فقط، وأنه لا بد من البدء ببناء مؤسسات سوريا القادمة التي ستحقق بسواعد جيشنا الحر، كان لا بد من البدء بالتفكير بتنظيم المجتمع المدني في سوريا التي لم تكن غائبة عن هذا العمل قبل استيلاء حزب البعث على السلطة بانقلاب عام 1963، كانت الغرف التجارية والزراعية التي تأسست في دمشق عام 1892 هي شكل من أشكال المجتمع المدني ، ونقابة المحامين التي تأسست في عام 1921 برئاسة الشخصية الوطنية فارس بيك الخوري ، هي أيضاً من منظمات المجتمع المدني، ولا ينسى السوريين نقابات العمال قبل سيطرة البعث عليها ، وكيف كانت تلك النقابات تؤثر في مجرى الحياة السياسة ، والاقتصادية ، والثقافية ، والاجتماعية في سوريا.

بعد انقلاب البعث قامت سلطات الأمر الوقع البعثية بالتضييق على النقابات ،وذلك عن طريق الاعتقال ،والتصفية ، ولعل بيان نقابة المحامين الذي أتى عقب أحداث حماة من عام 1964 هو أكبر دليل على التصاق تلك النقابات بالشعب ، وانعكاس حقيقي لتطلعاته من حرية وكرامة .

عندما قام حافظ الأسد بانقلابه عبر حركة أسماها الحركة التصحيحية ، انقض على النقابات ، وقام بحل مجالسها ، وتأليف مجالس جديدة توافق أهوائه في الاستبداد والطغيان، وكان ذلك عام 1976 الذي يعتبر آخر عام على منظمات المجتمع المدني الحقيقي في سوريا، ومنذ ذلك الوقت أصبح المجتمع السوري يعيش حالة من الغياب عن كل ما يسمى بالعمل الجمعي ، وأصبح العمل الجماعي الذي تمثله منظمات المجتمع المدني تهمة يعاقب عليها قانون الطوارئ .

من تلك الحقائق التاريخية يتبين بأن العمل في مجال المجتمع المدني ليس ترفاً على الرغم من الدمار ، والقتل المستمر، لا بل بالعكس تماماً ، فإن هذا العمل لا يقل أهمية عن عمليات التحرير.

_ ما هي أهمية العمل في مجال المجتمع المدني بالنسبة للثورة السورية ؟

تكمن أهمية العمل في مجال المجتمع المدني بالنسبة للثورة السورية من واقع شدة التدمير الذي يقوم به جيش النظام ، وحلفائه من حزب الله الإرهابي ، والميلشيات الطائفية القادمة من العراق ، إضافة لقوات الاحتلال الروسي، هذا التدمير الكبير هو مجال واسع للعمل في مجال المجتمع المدني ، فالإغاثة وإعادة الإعمار وتنظيم شؤون اللاجئين، والإهتمام بالطلاب السوريين ، وغيره من المهام هو من صميم عمل المجتمع المدني، وإن تأطير المهن السورية من معلمين ، وأطباء ، ومهندسين ، وغيره من المهن يساعد في تسهيل ، وتنظيم العمل بشكل يتناسب مع حجم الكارثة التي سببها النظام في سوريا .

ولبيان أهمية العمل المدني لا يسعني سوى أن أبين بأن قسم من الأكراد الذين خانوا الثورة السورية ،وأقصد حزب ال “ي ب د” قد اتصل بي في عام 2013 كوني سوري من أصل كردي، للعمل على بناء منظمات المجتمع المدني في شمال شرق سوريا ، وكان جوابي لهم أنني أشترط أن يكون هذا العمل تحت العلم السوري الذي تبنته الثورة ، فرفضوا ذلك وطلبوا العمل تحت رايتهم الحزبية ، فرفضت ذلك . من هذه الحادثة يتبين لنا أهمية منظمات المجتمع المدني ، ولكن شريطة التصاقها بثوابت الشعب السوري الثائر .

_ كيف ينظر حزب اليسار الديمقراطي للتجربة النقابية السابقة، في سورية ؟

بشكل عام لم يغب اليسار السوري المتمثل بالأحزاب الشيوعية قبل استيلاء حزب البعث على السلطة في سوريا عن العمل في مجال المجتمع المدني، ولكن للأسف اهتم اليسار السوري في تلك الفترة فقط بالنقابات العمالية ، وذلك تماشياً مع التجربة السوفيتية التي كانوا يتماهون معها، وسبب ذلك غياباً تاماً عن الفكر النقابي في باقي المهن ،والحرف ، مما أدى لتسلل بعض القوى اليمينية لتلك النقابات، أما اليوم ، ومن مبدأ استخلاص العبر من ماضي سوريا ، فإن حزب اليسار الديمقراطي السوري يحاول بكل ما أوتي من قوة المساهمة في العمل على إعادة بناء المجتمع المدني في سوريا، والمساهمة في تأطير هذا المجتمع بنقابات مهنية تبنى على أسس ديمقراطية ، كمبدأ هام من مبادئ الحزب التي أقرتها أدبيات الحزب .

_  ما هي الأسباب التي تدعوا حزب اليسار الديمقراطي للعمل نقابيا وجماهيريا ؟

أهم الأسباب التي تدفع حزب اليسار السوري للعمل في مجال المجتمع المدني إضافة لما تم ذكره من أهمية هذا القطاع، هو التزام الحزب ضمن أدبياته بدولة المواطنة التي من أهم أركانها منظمات المجتمع المدني .

_ من خلال تقديمك تبين بأنك نائب مدير عام اتحاد اللجان الوطنية للتأهيل والتنمية فهل يمكنك بأن تضع قارئ الرافد بصورة هذا الاتحاد ؟

قبل الدخول في تفاصيل اتحاد اللجان للتأهيل والتنمية لا بد من التطرق قليلاً إلى منظمات المجتمع المدني التي قامت في الثورة، بداية لا بد من التأكيد بأنني لا أقصد بمنظمات المجتمع الدولي تلك المنظمات التي قامت برعاية وتمويل من بعض الجهات سواء العربية أو الغربية، لأن مفهوم منظمات المجتمع المدني يقوم بالأساس على فكرة التطوع أي أن العامل بمجال المجتمع المدني لا يتقاضى مقابل لقاء عمله .

للأسف كرس نظام البعث الكثير من المفاهيم الخاطئة التي لا تناسب فكرة الحرية والديمقراطية التي نادت بها ثورتنا العظيمة ومن تلك المفاهيم هو فكرة التماهي بين مؤسسين أي عمل مدني وبين ملكية هذا العمل وفي هذا السياق يستحضرني تجربة قامت في دول الشتات وهي تجربة اتحاد المهندسين الزراعيين والأطباء البيطريين السوريين تلك التجربة قام بها بعض المتطوعين بهدف جمع شمل المهندسين الزراعيين ومن ثم لاحقاً الأطباء البيطريين ضمن كيان جديد، هذا الكيان، وبسبب عقلية البعث أصر بعض المؤسسين (وأنا اعتبر من المؤسسين) بأن لهم الأحقية في أي مناصب يمكن أن تكون في هذا الاتحاد، رفضت الفكرة وانسحبت من هذا الاتحاد .

أما عن اتحاد اللجان الوطنية للتأهيل والتنمية، فهو كيان قام به بعض السوريين الذين يعتبرون من الكوادر المثقفة، ويعمل الاتحاد على تأطير المجتمع السوري ضمن نقابات مهنية، وقد نجح في إنشاء نقابة المعلمين التي أجرت انتخاباتها بكل شفافية، وتم نتيجتها تسمية نقيب، ومكتب للنقابة، والعمل جارٍ على نقابات أخرى مثل نقابة المهندسين، ونقابة المهندسين الزراعيين .

إضافة للعمل النقابي فإن الاتحاد يتضمن لجنة اعتبرها من أهم لجانه، وهي لجنة الدراسات الإستراتيجية، والتي تعنى بالقضايا الإستراتيجية السورية، وهي مكونة من العديد من الكوادر السوريين. وتعتبر كافة لجان الاتحاد لجان مفتوحة، وغير مغلقة لتستوعب كافة أبناء الشعب السوري كل في مجاله، ليساهم في بناء سوريا القادمة .

  • Social Links:

Leave a Reply