تقوم إيران بكل ما تستطيعه لإحداث تغيير سكاني واسع بين دمشق وبيروت، وصولا إلى القلمون الغربي، مرورا بسرغايا ومضايا وبلودان والزبداني وحدودها مع لبنان، استكمالا للتغيير السكاني بين العراق ودمشق الذي يبقي طريق طهران/ ضاحية لبنان الجنوبي مفتوحةً أمام عسكرها وحزب الله وغيره من مرتزقتها.
هناك تسريباتٌ عديدة حول تمسّك حسن نصر الله بوضع طريق دمشق/ بيروت تحت إشرافه بعد إنجاز الحل السياسي. وعقد “هدنة” مع القلمون الغربي، تمكن السكان من ممارسة حكم محلي، ليس النظام مرجعيته، بل حزب الله، الذي سيمسك بمفاصل المنطقة الأمنية والإدارية.
هناك، أيضا، معلومات حول وصول إيرانيين إلى دمشق ومحيطها ما يعني استيطانهم فيهما و “تنظيف المنطقة عقديا وتطهيرها عرقيا”، وبالتالي انتفاء أي تهديد للحضور الإيراني على محور مزار الشريف/ بيروت.
السيطرة الإيرانية على طريق دمشق/ بيروت ومنطقة القلمون التي تشهد إنشاءات طوبوغرافية، لم يسبق للسوريين أن شاهدوا مثيلا لحجمها، هو تنفيذ لمخطط متفقٍ عليه بين الأسد وطهران، يفرغ المنطقة تدريجيا من سكانها الأصليين، أو يجبرهم على الرضوخ لما تريده إيران، من خلال تعريضهم لضغوطٍ منها تقديمهم إلى محكمة الإرهاب وإدانتهم ومصادرة أملاكهم المنقولة وغير المنقولة، ثم بيعها “بطرقٍ قانونية” إلى الإيرانيين والوافدين إليها من جنوب لبنان والذين سيشكلون، عندئذٍ، كتلة سكانية متجانسة، وكتيمة تغطي وجود الحزب والحرس الثوري بكثافة ثقلها البشري، وتحقق التبدل العقدي والبشري المطلوب لعزل المناطق المعنية عن سورية، تمهيدا لدمجها في نسيج مجتمعي/ جغرافي، يختلف عن نسيجها الراهن،
كل ماسبق من تغييرات يعتمد على أساسين أعلن عنهما بشار الأسد، وقال في أولهما إن السوري ليس من ولد وعاش في سورية ويحمل جنسيتها، بل من يدافع عن نظامها. وقال في ثانيهما إن عمليات الهدن والترحيل القسري التي طاولت تسعة ملايين مواطنة ومواطن من سورية أدت إلى “تحسين نسيج سورية الاجتماعي”.
بالمعيار الأول، يصير الإيراني الذي يقتل الشعب السوري سورياً، ويغدو المواطن السوري أجنبيا يجب ترحيله بالقوة من وطنه، ونزع جنسيته، ويصير تهجير نصف الشعب “خطة وطنية” مدروسة، هدفها تحسين النسيج السكاني للبلاد. والحال لا بد من ملاحظة اندراج “الهدن” التي تفرضها الأسدية على مناطق تنفرد بها وتفتك بأهلها، ضمن الترحيل القسري الذي تفرضه بالحصار والتجويع والقصف العشوائي بالبراميل المتفجرة، وتفضي إلى إفراغ قرى وبلدات ومدن كثيرة من سكانها.
هذا التطور الذي يغير ما أنتجه تاريخ سورية على صعيد بنيتها البشرية، بقوة المذهبية الإيرانية/ الأسدية، يبدو أنه سيلاقيه، بعد اليوم، تطور سيترتب على مذهبية أحد تنظيمات الإرهاب، عنيت “جبهة النصرة” التي عقدت اتفاقا مع إيران حول ترحيل قسري لمواطنين سوريين من ريف دمشق والقلمون إلى كفريا والفوعة، ومن هاتين القريتين إلى ريف دمشق،
السؤال هو: من فوّض الجبهة بتغيير وتدمير حياة أكثر من مائة ألف مواطن يعيشون في ريف دمشق وإدلب؟ وهل أهالي كفريا والفوعة إيرانيون كي تقرّر طهران ترحيلهم عن بيئتهم التاريخية، وإخراجهم من موطنهم الأصلي، وإعطاءهم موطن سوريين آخرين، لحساباتٍ تتصل بمصالح إيران وخططها؟
سيكون المواطنون ااسوربون في هاتين المنطقتين الضحايا الأبديين لهذا الاتفاق بما تضمره من تلاعبٍ بحياة أهالي تلك البلدات، والذي يمثل جريمةً ضد الإنسانية، لا تقرها قوانين أو أعراف أو قيم دينية أو دنيوية. وأستطيع الجزم بأنه لن يبقى بعدها أحد من مواطني المنطقتين الأصليين في بيته، بسبب الضغوط التي سيتعرّض لها، وستخيره بين قبول الرحيل القسري والإعدام كإرهابي أو الانضمام إلى شبيحة النظام ومرتزقته، والقتال ضد رفاق الأمس في الجيش الحر، مثلما حدث بعد هدنٍ عديدة، حولت قسما كبيرا من مقاتلي الغوطة الغربية إلى مرتزقةٍ، يقاتلون رفاق الأمس في القابون وبرزه وجوبر والقلمون … إلخ.
بالترحيل القسري للسكان من ريفي دمشق وإدلب، يقع اختراق قاتل، سيساعد الأسد على استعادة كل شبر من سورية، كما وعد أخيراً. والآن، من كان يصدق أن جبهة النصرة التي قضت على فصائل كاملة من الجيش الحر، بحجة التعاون مع الخارج والتهاون حيال “الرافضة”، هي التي ستتفق مع “رافضة” طهران على ترحيل سوريين من أرض سفك الآلاف منهم دماءهم كي تظل حرة؟
هذه بعض ثمار التمذهب السامة التي لا عذر لمن ينخدع بعد اليوم بها، وبمن يمارسونها.
Social Links: