منصور الأتاسي
أثار الهجوم الكيماوي الذي نفذه النظام السوري، ردود أفعال صاخبة لدى الرأي العام، والحكومات العالمية. هذه الجرائم اختص بها النظام، حيث لم يستخدم أحدٌ منذ الحرب العالمية الثانية مثل هذه الأسلحة ضد المدنيين ما عدا الحكام المستبدين، وكنا قد عددنا الأسباب والدوافع التي دفعت النظام للقيام بهجوم كيماوي في شمال سورية في المقال السابق، ومنها أن النظام قرأ التصريحات الأمريكية الأخيرة قراءة خاطئة أو أراد أن يستفيد منها لتوجيه ضربة كبيرة ضد المعارضة السورية …. ونرى أن نتائج الضربة المجرمة، والتي أدت إلى قتل ما يقارب من مئة مدني قد حركت الرأي العام الدولي، وفرضت عليه الرد المناسب لمنع اتساع هذه الأعمال الإجرامية وسرعان ما كان الرد الأمريكي بقصف المطار الذي انطلقت منه الطائرة التي قصفت خان شيخون .
وإن كنا نعتقد أن هذه الضربة هي ضربة محدودة، تهدف أمريكياً إلى استخدام الكيماوي ومعاقبة الطيارين الذي قاموا بالتنفيذ، ولم تعاقب النظام الذي أمر بالتنفيذ، إلا أنها تشكل تطوراً نوعياً في الموقف الأمريكي الجديد الذي بني على انتقاد موقف إدارة أوباما ونتائجها الكارثية …, و من خلال التصريحات التي أدلى بها العديد من القادة يمكن أن نصل إلى الاستنتاجات التالية:
1- هناك تأييد عالمي كبير لهذه الضربة، مقابل رفض واضح للسياسة الروسية والإيرانية الداعمين الرئيسيين لإجرام النظام.
2- انتهاء العمل بالاتفاق الذي شكل تحولاً في مسار الثورة السورية عام 2013 والذي كان نتيجة الضربة الكيماوية على الغوطة الشرقية حيث كان واضحاً من الاتفاق – الأسد مقابل تسليم السلاح الكيماوي – واليوم وبعد تنفيذ النظام لمجزرة خان شيخون يبدو أن الولايات المتحدة قد تحللت من هذا الاتفاق الذي سيشكل انعطافاً جديداً في مسار الثورة السورية.
3- وكما يبدو أن هذه الضربة قد أخرجت أمريكا من سياسة الانكفاء عن مشاكل الشرق الأوسط وأعادتها لتلعب دوراً أكبر في المنطقة من جديد وهذا تنفيذاً لما أعلنه ترامب في حملته الانتخابية.
4- هناك تطور في السياسة الأمريكية بمعنى أن الأمريكيين قصفوا المطار دون استشارة الروس، أي أن هناك جديد في السياسة الأمريكية.
5 – لوحظ تخبط في السياسة الروسية، فهي غير قادرة على مواجهة الأوروبيين والأمريكان والأتراك وغالبية الأنظمة العربية مقابل دعم نظام معزول، وبنفس الوقت غير قادرة على الاستسلام لهذا الواقع ….و لكن نعتقد في النهاية أنه إذا استمر الموقف الأوروبي الأمريكي على ما هو عليه فإن روسيا ستعيد تقييم سياستها مع النظام السوري .
4- يجب أن نرى أن أهداف الضربة تتحدد ب :
أ- الرد على الكيماوي.
ب – تأمين شكل من الحظر الجوي يمنع النظام من ضرب المدنيين.
ج – إقامة مناطق آمنة من أجل إعادة السوريين من الدول المجاورة بعد أن اشتكى زعماء هذه الدول من الضغوط الناجمة عن وجود اللاجئين السوريين في بلادهم.
و نعتقد أن هذا هو السقف الذي يريده ترامب الآن … ويمكن أن يتطور لتحقيق اتفاق سياسي ينسجم مع مقررات مجلس الأمن وهذا في مرحلة لاحقة.
وانطلاقاً من هذه الرؤية علينا أن لا نزيد التفاؤل ولا نرفع سقف الاحتمالات مما ينعكس في حالة من الإحباط لاحقاً، ورغم ذلك فإن قصف الأمريكان شكل حالة جديدة ونوعية للسياسة الأمريكية يتطلب متابعتها والتعامل معها بكل واقعية دون زيادة أو نقصان لنستطيع الاستفادة من نتائج هذه العملية.
لقد دفع الشعب السوري غالياً من حريته ومن اقتصاده ومن سنوات شبابه من أجل تأمين قوة جوية وبرية تستطيع تحرير الأراضي المحتلة وحماية سورية من النفوذ الأجنبي، إلا أن حماقة النظام بدلت الأهداف التي أنشئ الجيش السوري لأجلها، فلم يُستخدم سلاح الطيران ولا غيره ضد الاحتلال الإسرائيلي ولا من أجل تحرير المناطق المحتلة، بل عمل النظام على حماية المناطق المحتلة من أي نشاط حاولت أن تقوم به القوى الوطنية والذي حاول العديد من السوريين القيام به .. وسرعان ما تحول هذا السلاح إلى سلاح قاتل للسوريين .. وقد سقط حوالي مليون شهيد ومثلهم من الجرحى وهُدمت نسبة كبيرة من البنى التحتية وشُرد ملايين السوريين لأن الجيش قد خالف عقيدته القتالية، وأصبح في مواجهة الشعب، لذلك فإن موقف شعبنا من تدمير الطائرات التي تقتله هو موقف مبرر ومفهوم وصحيح ومؤلم بنفس الوقت بسبب سياسة النظام.
بقي أن نقول أن هذا التطور النوعي في الموقف الأمريكي، سيكون له تداعياته الإيجابية اللاحقة، وبقي أن نقول أن علينا أن نعزز الوحدة الوطنية، ونطور علاقات قوى المعارضة السورية بعضها ببعض، وننسق عملها مع عمل المجموعات العسكرية، لتلعب دوراً ضامناً في الانتقال إلى الدولة المدنية الديمقراطية القادرة على جمع كل السوريين، وإنهاء نظام الاستبداد والنهب والقتل الذي أضر كل السوريين.
Social Links: