قراءة في مفاصل الثورة والمعارضة
خالد حربا
منذ انطلاق الثورة السورية المباركة ومن يومها الأول برز توجهان الأول انتهج الخط الثوري الذي يرفض أي مساومة وتفاوض مع النظام وكان سلاحه الحناجر والقبضات وأدواته الريشة والألوان والهتافات واللافتات وساحاتهم الشوارع والساحات وهدفهم إسقاط السلطة الحاكمة بكل مرتكزاتها وإقامة دولة الحرية والكرامة وسيادة القانون وكانت كل أهدافهم وطنية بامتياز.
الثاني شخصيات صنفت نفسها تحت مسمى المعارضة بعضهم معارضين حقيقيين قدامى والبعض خرج من سورية لأسباب مختلفة وجدوا بالثورة أداة ومطية يمكن استخدامها لتحقيق مكاسب شخصية لهم فسارعوا للتجمع كيفما كان تحت مسميات مختلفة لتشكيل مكونات سياسية كرتونية بدون قاعدة شعبية وحاولوا خطب ود الثوار من جانب والتودد حينا والانبطاح بأغلب الأحيان للدول ذات الثقل السياسي. فتم اختراقهم بشكل مدروس ممنهج واستطاعت هذه الفئة استقطاب بعض الرموز الثورية والتيارات الفاعلة بغية تشكيل جسم سياسي يتواجدون من خلاله كأشخاص وينفذون مخططات الدول التي فرضتهم على الساحة السياسية فولد المجلس الوطني وحظي بدعم الشارع الثوري وكان متقاربا مع النهج الثوري ولكن هذا لم يتناسب مع توجهات الدول ومخابراتها فتم إجهاضه وتأسس الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة ولا ننكر أنه ضم في مكوناته تيارات فاعلة لكنه ضم بالمقابل وجوه لا تمت للثورة بصلة وتم افراغه من قوة القرار والتأثير باعتمادهم أساساً لاتخاذ القرارات فيه مبدأ التوافق وأهملوا الجانب الديمقراطي وكان هذا أول خطوات الانحدار.
الثالث التيار الإسلامي المتطرف الذي كان للنظام دور أساسي بسرعة انتشاره من خلال الافراج عن إسلاميين بالعفو الذي خرج بموجبه 64000 من سجونه ولم يطلق سراح المتظاهرين الثوريين الوطنيين ومن خلال اختراق هذا التيار بعناصر وضباط مخابرات استطاع التأثير بالخطاب والنهج الثوري وتحويله لتطرف جعل العالم يقف معاديا للثورة تخوفا من التطرف المصطنع المزعوم….
بعد هذا الاستعراض السريع يمكن تصنيف المكونات المؤثرة سلبا أو إيجاباً بمسار الثورة السورية وفق ما يلي:
1 الحاضنة الشعبية التي كانت تمتلك الشارع وتتحكم به والتي انخرطت بالعمل المسلح لاحقاً وتراجع دور الحراك السلمي عندها لانحراف الرؤية وتغيير الأسلوب.
2 العمل المسلح الذي خالطه كثيرا من الأخطاء وافتقد لرؤية ناجعة إضافة للتشرزم والتخندق والولاآت وتنافر الأهداف وفقدان التنسيق والتعاون بين تلك المكونات.
3 الواجهة السياسية التي ادعت تمثيل الشعب وتمثلت بالائتلاف وقد فشلت بتمثل توجهاته وتحقيق أهدافه لأسباب عدة أغلبها يعود لأخطاء منهم ككتل أحياناً وأشخاص بأغلب الأحيان. ولم يستطيعوا التقرب من القاعدة الشعبي والجانب المسلح فيها. لما ذكرناه بالمقدمة من ارتباط بعضهم بسياسات خارجية. واعتمادهم مبدأ التوافق بقراراتهم جعل رأي الفرد والبعض يتغلب على رأي الأكثرية.
4 ما نتج عن توافق الواجهة السياسية مع أغلب الفصائل المسلحة بمؤتمر الرياض وولادة واجهة سياسية تفاوضية وفق أسس وطنية رغم بعض المآخذ في بعض جوابها والتي أطلق عليها الهيئة العليا للتفاوض..
بعد هذا التصنيف يتوجب علينا الإشارة باختصار للمتغيرات على الساحة بالجانب المسلح وما رافقه من فشل في ادارة العمل المسلح وانكفائه على خوض معارك لم تحقق مكاسب سياسية وتفرض واقعا يؤثر بمسيرة العمل السياسي.
والتراجع الخطير بسقف المطالب ابتداءاً من جنيف 1 وما بعده إلى مسلسل لقاءات الاستانا الذي اصاب العمل المسلح بنوع من الفتور وزاد في الشرخ بين الفصائل التي عجزت عن التوحد حول رؤية موحدة فلا نحن وصلنا لوقف تام لاطلاق النار يفسح المجال لانطلاق عمل سياسي ولا هي نجحت بالاستمرار بالعمل المسلح.
وآخرها وأخطرها محاولة تطعيم الهيئة العليا للتفاوض بما سمي بمنصة القاهرة وموسكو والذي سيجعل منها أقرب لهيئة تمثل النظام المجرم بدل ان تمثل الثورة.
خلاصة القول بعد كل ما سلف يفترض علينا الاجابة عن سؤال *ما هو المطلوب حالياً لتحقيق أعلى سقف من المطالب؟؟؟ والجواب:
1 اعترافاً صريحاً من الواجهة السياسية بأخطاء الماضي والتوجه للقاعدة الثورية باعتذار صريح يتضمن وضوح الخطوات الإصلاحية التالية ووضع أسس صحيحة للتعامل مع الأحداث والقيام بإصلاح جذري يطال أعضاء الائتلاف وضم نخب ثورية حقيقية تولد من الشعب لتشكل الصوت الراجح وإلغاء مبدأ التوافق المعمول فيه. وتحديد الصلاحيات والمرجعيات. وتفعيل دور اللجان والمكاتب والتوجه للعالم أجمع ببيان صريح يقطع الطريق على كل من يحاول التلاعب بمسار التفاوض وفرض شروط سياسية لا تخدم الثورة.
2 دعم الحراك الثوري الشعبي وإعادة تفعيله بعيدا عن اي تدخل لصالح تيار سياسي أو فصيل مسلح وتعرية كل من يحاول استغلاله لمصالح فئوية وتركيز نشاطاته حول هدف واحد يتجسد باضعاف السلطة ودعم مشروط للهيئة العليا للتفاوض ومطالبتها بالثبات وعدم التراجع عن الثوابت الثورية الخمس.
3 إعادة التأكيد على أن الهيئة العليا للتفاوض هي المفاوض الوحيد بما يتعلق بالثورة السورية ورفض تطعيمها وأن يخضع الجميع لتوجهاتها ابتداءاً من الحراك الثوري وصولا للائتلاف واعضائه مرورا بممثلي الفصائل والمفاوضين عنهم بحيث تكون الهيئة العليا صاحبة القرار بأي خطوة سياسية أو عسكرية رديفة لعملها كي تستطيع استثمارها وتوظيفها خلال جولاتها التفاوضية باعتبار أي تفرد وخروج عن هذا السياق هو إضعاف لهيبتها وإسقاط لدورها. وأن نجعل كل مقومات القوة الثورية ضمن صلاحياتها وأهم ما فيها ملف المعتقلين الذي تفردت به الفصائل بشكل مجتزأ أضعف موقف الهيئة العليا وأفقدها ورقة ضاغطة دون التقليل من اهمية الدور السلبي الذي انتجته المفاوضات الثنائية بين الفصائل والسلطة بمناطق تخفيف القتال. واعطاء دور لجهات خارج الهيئة العليا للتفاوض.
4 الخروج بميثاق وطني يشارك فيه كل المكونات الثورية يزيل الهواجس الفئوية ويحدد شكل الدولة الضامنة لحقوق الجميع ويرسم مستقبل سوريا القريب التي نريد ويضمن وحدة سوريا ارضا وشعبا بعيداً عن المسميات التي تعد تراجعاً بالوحدة الوطنية. مع التأكيد على محاسبة كل من تلطخت يداه بدماء السوريين.
ختاماً إن ما ورد طرحه لن يحدث إلا إذا صدقت النوايا وتجرد الجميع عن تخندقهم وتولدت قناعة لديهم أن مصلحتهم تتحقق من خلال المصلحة الثورية العامة وليس بمعزل عنها.
كلمات قد تكون قد أغفلت جوانب هامة لكن ما تضمنته ضروريا ويجب العمل عليه.
Social Links: