رأس المال

رأس المال

 

نستطيع الآن أن نفهم بوضوح ما هو رأس المال. رأس المال قيمة قبل أن يكون أي شيء آخر. قد يكون مالا أو آلة أو موادا أولية أو أبنية صناعية أو سلعا مصنوعة. غير أن رأس المال قيمة تسمح بإنتاج قيمة جديدة، أي تسمح بإنتاج فضل القيمة. رأس المال قيمة تنتج فضل القيمة. والإنتاج الرأسمالي هو إنتاج فضل القيمة.

في المجتمع الرأسمالي، تكون الآلات والأبنية الصناعة على شكل رأسمال. ولكن هل تكتسي الآلات والأبنية دائما شكل رأسمال؟ لا، بالتأكيد. إذا كان المجتمع بأسره مجتمعا تعاونيا ينتج كل شيء لنفسه، فلا تكون الآلات ولا المواد الأولية رأسمالا، نظرا لأنها ليست مستخدمة كوسائل لمراكمة الأرباح عند قبضة من الأغنياء. هذا يعني أن الآلات مثلا تصبح رأسمالا عندما تملكها الطبقة الرأسمالية كملكية فردية، عندما تستخدم لاستغلال العمل المأجور ولإنتاج فضل قيمة. أما الشكل الذي تتخذه القيمة هنا فليس مهما. فقد تتخذ القيمة شكل السبائك الذهبية أو العملة الورقية التي يشتري بواسطتها الرأسمالي وسائل الإنتاج وقوة العمل. أو قد تكون على شكل آلات يعمل عليها العمال، أو على شكل سلع انتهى صنعها وباتت برسم البيع. المهم أن هذه القيمة تتحول إلى رأسمال عندما تستخدم لإنتاج فضل قيمة.

إن رأس المال تتحول مظاهره باستمرار. فلندرس كيف تتم هذه التحولات.

الرأسمالي لم يشتر بعد قوة العمل ولا وسائل الإنتاج. لكنه متحفز لاستخدام العمال وشراء الآلات والحصول على أجود المواد الأولية وعلى كمية كافية من الفحم، إلى آخره. إنه لا يملك إلا المال. وهنا نجد رأس المال بشكله الحالي.

يتجه الرأسمالي إلى السوق ومعه هذا المال (طبعا، إنه لا يذهب بنفسه إلى السوق لأنه يملك بتصرفه الهاتف والبرق ومئات الخدم). ويشتري في السوق وسائل الإنتاج وقوة العمل. ثم يعود الرأسمالي إلى المصنع وقد استبدل المال بالعمال والآلات والمواد الأولية والمحروقات. هذه الحاجيات لم تعد سلعا، لأنها لم تعد برسم البيع. فالمال قد تحول إلى وسائل إنتاج وإلى قوة عمل. وها أن رأس المال قد تخلى عن مظهره الحالي، واكتسى شكل رأس المال الصناعي.

ثم يبدأ العمل. الآلات تتحرك. الدواليب تدور. الرافعات تطلع وتنزل. العمال يرشحون عرقا. الآلات تهتلك. المواد الأولية تنضب. قوة العمل تتعب.

كل المواد الأولية بالإضافة إلى ما اهتلك من الآلات وإلى قوة العمل المبذولة تتحول تدريجيا إلى كمية من السلع.

وبذلك يكتسي رأس المال شكلا جديدا. فينزع عن جسده قشرته المعملية ليرتدي شكله السلعي. وها نحن أمام رأس المال في شكله السلعي. ولكن مع اكتمال دورة الإنتاج، نجد أن رأس المال لم يغير قشرته وحسب: فقد ارتفعت قيمته أيضا. لأن عملية الإنتاج أضافت إليه فضل القيمة.

الرأسمالي ينتج السلع ليس لاستهلاكه الخاص، وإنما السوق، للبيع. السلع التي تتكدس في مستودعاته يجب أن تباع. في البدء، ذهب الرأسمالي إلى السوق ليشتري. وها هو الآن يذهب إلى السوق ليبيع. في البدء، كان يحمل مالا وكان يريد شراء السلع (وسائل الإنتاج). وها هو الآن يملك سلعا ويريد تحويلها إلى مال. عندما تباع السلع، يتحول رأس المال مرة ثانية من شكله السلعي إلى شكله المالي. لكن كمية المال التي حصل عليها الرأسمالي تختلف عن كمية المال التي دفعها أصلا.

الزيادة على المبلغ الأصلي تساوي مقدار فضل القيمة الذي تحتوي عليه السلع.

إلا أن هذا لا ينهي دورة رأس المال. فرأس المال المتضخم هذا يبدأ دورة جديدة ويستحصل على كمية متزايدة من فضل القيمة. ثم يضاف قسم من فضل القيمة هذه إلى رأس المال ليبدأ دورة جديدة أخرى. إن رأس المال يتدحرج ككرة الثلج. ومع كل انقلاب، تضاف إليه كمية أكبر من فضل القيمة. ونتيجة ذلك فإن الإنتاج الرأسمالي يتسع باستمرار.

وهكذا فإن رأس المال يمتص فضل القيمة من الطبقة العاملة ويبسط سيطرته أينما كان. وهذا النمو المتسارع يجد تفسيره في خصوصيات رأس المال. إن استغلال طبقة لأخرى أمر يحصل منذ أقدم العصور. لنأخذ على سبيل المثال الإقطاعي في ظل علاقات القنانة أو مالك العبيد في العصور الغابرة. كان الإقطاعيون والأسياد يعيشون على ظهر العبيد والأقنان. ولكن كل ما كان ينتجه العاملون كان يستهلكه الإقطاعيون والأسياد أنفسهم على شكل مأكول ومشروب ولباس أو يستهلكه خدمهم وحاشيتهم الكبيرة. في ذلك الحين، لم يكن يوجد إنتاج سلعي واسع. لم يكن يوجد سوق. ولو أن مالك الأرض أو مالك العبيد أجبر أقنانه وعبيده على إنتاج كميات واسعة من الخبز واللحم والسمك وما شابه، لكانت هذه فسدت وتعفنت. لذا كان الإنتاج يقتصر في ذلك الزمن على سد الحاجات الحيوانية لمالك الأرض وأفراد أسرته.

الأمر مختلف كليا في ظل الرأسمالية. هنا الإنتاج لا يهدف إلى سد الحاجات المباشرة، وإنما يهدف إلى تحقيق الأرباح. تنتج السلعة، في ظل الرأسمالية، لبيعها، للكسب، لمراكمة الأرباح. وكلما ازدادت الأرباح، كلما كان ذلك أفضل. من هنا تجري الطبقة الرأسمالية كالمجنون وراء الربح. وجشعها لا حد له. الربح هو محور الإنتاج الرأسمالي. والربح هو الحافز الأول للإنتاج الرأسمالي.

  • Social Links:

Leave a Reply