التدمير الجاري – الثورة والقمع والتخطيط للحرب في سوريا (2011 وما بعد)  3/4

التدمير الجاري – الثورة والقمع والتخطيط للحرب في سوريا (2011 وما بعد)  3/4

معهد العالم للدراسات – ترجمة: يسرى مرعي.

التدمير والقمع:

 

منذ عام 2012، تكثّف النزاع المسلح. وبات يأخذ المزيد من الأرواح بينما تتضاعف حملات القصف والضرب بالقنابل على كل أنحاء سوريا. ويترافق هذا التكثيف مع استخدام تكتيكات الأرض المحروقة، في سياق العمليات العسكرية، كما في القصير. على أية حال، تحدث عمليات القصف في سياقات لا تتصل بعمليات عسكرية مباشرة.

 

وفي الواقع، فإن تحليل التدمير الناجم عن حملات القصف يعرض في هذا الصدد نمطاً مكانياً جديراً بالملاحظة. فيتسم أولاً بحقيقة أن معظم التدمير يحدث بعيداً عن الجبهات. وثانياً، مواقع التدمير متعددة (التأثيرات على المباني أو الحفر في المناطق المفتوحة)، وقريبة من بعضها، مثل السجادة، وتغطي مساحة واسعة من البيئة المبنية، كما يظهر في مثال بابا عمرو في حمص. ولا يدعم هذا التوزيع المكاني مقولة التدمير المتصل بالقتال، المركّز أكثر بشكل مكاني (نوع الجبهة). وثالثاً، كل المناطق المتأثّرة بالتدمير تشترك بأنها معاقل لانتفاضة عام 2011 و/أو تسيطر عليها القوات المعارضة.

 

تعطي حملات القصف بالقنابل على حلب منذ عام 2012 إحساساً واضحاً بهذا النمط المكاني للتدمير، كما يتّضح من خريطة مواقع التدمير الرئيسية التي حددتها هيومن رايتس ووتش بين ال 31 من تشرين الأول/أكتوبر 2013 وال 20 من شباط/فبراير 2014 (Human Rights Watch, 2014a) (الشكل 2). وتؤيد هذه الخريطة نتائج مماثلة لأبحاث حول حملات القصف في حلب منذ أيلول/سبتمبر 2012 حتى آذار/مارس 2013 (أجرى البحث الجمعية الأميركية لتقدّم العلوم AAAS)(17). إذ يبين بحث AAAS التوزيع المكاني نفسه لتأثيرات القصف (بعيداً عن الجبهات، ومنتشرة بشكل كبير). إضافة إلى ذلك، يخلص البحث إلى أن 99 بالمئة من هذا التدمير جرى في مناطق مصنّفة على أنها إما متنازع عليها، أو تحت سيطرة الثوار، أو غير معروفة، في حين لم يكن هناك سوى ست فقط من أصل 713 كانت تقع في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام.

 

المواقع الرئيسية للدمار في حلب 31 تشرين الأول - أكتوبر 2013 إلى 20 شباط - فبراير 2014

المواقع الرئيسية للدمار في حلب 31 تشرين الأول – أكتوبر 2013 إلى 20 شباط – فبراير 2014

 

ويشير التوزيع المفرد لمواقع التدمير في الأحياء المدنية، بعيداً عن مناطق القتال وخارج نطاق المدفعية، إلى أنه (التدمير) نتيجة لتكنولوجيات حرب محدّدة: القصف إما بالقذائف أو عن طريق الجو. ولهذه التكنولوجيات دقّة محدودة، وبالتالي فإن تأثيرها على بيئة مبنية لا يمكن أن يكون إلا ملحوظاً، كما هو موضّح في صور تدمير إعزاز، وهي بلدة تبعد 30 كم عن شمال حلب(18).

وفي سوريا، تتطابق أيضاً الممارسة الشائعة المتمثلة في إسقاط القذائف من طائرات الهليكوبتر مع الخراب المادي الكبير. بالإضافة إلى ذلك، تُسقط القنابل “من ارتفاع يجعل الاستهداف الدقيق مستحيل” (UNOHR 2013 p93). وفي حلب، بين تشرين الثاني/نوفمبر 2013 وشباط/فبراير 2014، فإن “غالبية المواقع المحدّدة (الشكل 2) فيها بصمات أضرار تتسق بشدة مع انفجار البراميل المتفجرة” (HRW 2014a).

 

آثار ما بعد القصف الجوي من قبل قوات النظام على إعزاز 2012

كما يثير النمطُ المكاني للتدمير على مناطق حضرية واسعة من أحياء مدنية، بعيداً عن مناطق القتال، من دون هدف عسكري مباشر، سؤالَ مكانة التدمير في سياسات الحرب التي يتبعها النظام. قد تكون بالفعل ترمي إلى تحويل سكان المناطق المستهدفة ضد مجموعات المعارضة المسلحة الناشطة محلياً، أو قد يُنظر إليها على أنها انتقام لدعمها المُفترض للمعارضة؛ وقد يكون كذلك بمثابة تحذير لسكان المناطق الخاضعة للنظام(19). وعلى أية حال فإنه يؤيد تشخيص القصف “العشوائي” للمناطق المأهولة بالسكان (وهو غير مشروع بموجب القانون الدولي الإنساني) كما أفادت “لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية” التابعة للأمم المتحدة (2013،2014) والتي وثّقت انتهاكات للقوانين الدولية الإنسانية وجرائم حرب(20).

 

التدمير و”التخطيط للحرب”:

منذ بداية النزاع المسلّح، وثّق الناشطون في سوريا إضافة إلى المنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية، العديدَ من حوادث “تجريف الأرض” لأحياء بأكملها سواء الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة أو المناصرين للانتفاضة (لجان التنسيق المحلية، 2012). يقدم الجدول (1) موجزاً عن سبع حوادث عمليات تجريف أشرف عليها النظام السوري وموثّقة من قبل هيومن رايتس ووتش (تحاليل أقمار صناعية في فترات زمنية مختلفة ومقابلات)(21). جرت كل العمليات في أحياء جميعها عبارة عن تطورات غير قانونية أو عشوائية مخالفة.

 

وفي هذه الحالات السبع، فإن التدمير محدّد تحديداً واضحاً على الرغم من اتّساع المساحات. ويحدث التدمير إما بعد حملة قصف: تنتقل الحفارات والجرافات بعدئذ إلى المكان وتزيل الأنقاض (الحالات 5 و6 و7)؛ أو تقوم الجرافات والحفارات التي تسوّي المنطقة بالأرض بالتدمير (الحالتان 6 و7). وإذا لزم الأمر، تُستخدم متفجرات متحكّم فيها لتدمير المباني الأكبر (بعضها يصل إلى ارتفاع 8 طوابق) (الحالات 1 و2 و3 و4). وتشرف قوات النظام (قوات الأمن والجيش) على العملية.

 

التجريف هو غالباً جزء من عملية عسكرية. يرمي إلى تحييد المناطق التي وقعت تحت سيطرة المعارضة المسلّحة خلال محاولة “معركة دمشق” في صيف عام 2012 (الحالتان 1 و3) و/أو التي تقع قرب الجبهة (1). كما يساعد التجريف في السيطرة على تحركات مقاتلي المعارضة بإزالة محاور التنقل الرئيسية (الحالتان 1 و6)، والطرق المؤدية إلى معاقل المعارضة (الحالة 3)، ومداخل مناطق مركزية (الحالات 1 و3 و6 و7). كما يعمل على حماية الأصول الاستراتيجية للنظام: مطار المزة العسكري (مقر المخابرات الجوية، وهي واحدة من أربع قوات أمن سورية أساسية، الحالة 4)؛ ومشفى تشرين في برزة (الحالة 3)؛ ومطار دمشق الدولي (الحالة 5).

 

على أية حال، تلجأ هذه الاستراتيجية أيضاً إلى حملات ترهيب لا لبس فيها. وكما شرحت امرأة تعيش في منطقة مجاورة لوادي الجوز في حماة (الحالة 6) أنه:

 

“بعد الهدم أتى الجيش إلى حيّنا، معلناً عبر مكبرات الصوت أنه سيهدم منطقتنا كما هدم وادي الجوز ومشاع الأربعين إن أُطلِقت رصاصة واحدة من هنا”. (هيومان رايتس ووتش. 2014b p17).

 

وفي هذا الصدد، فإن التفاوت بين الاستخدام القانوني للتدمير في الحرب (أسباب أمنية طويلة المدى، وأغراض عسكرية) والمدى الفعلي للعمليات السبع (145 هيكتار سُويِّت بالأرض، آلاف المباني، وعشرات آلاف المنازل) بالاقتران مع إهمال حقوق ورغبات السكان (مدة إنذار غير كافية، غياب آلية تعويض وما إلى ذلك)، يشير إلى أن عمليات التجريف تلك غير قانونية فيما يخص القانون الدولي الإنساني.

 

جدول (1): ملخص سبع عمليات “تجريف” قامت بها قوات النظام في سوريا.

 

                               ملخص سبع عمليات “تجريف” قامت بها قوات النظام في سوريا

 

هوامش المترجمة:

15- المصدر: حسابات المؤلفة استناداً إلى بيانات المكتب المركزي للاحصاء (المكتب المركزي للإحصاء، دمشق، 2011).

16- سُجِّل رقم قياسي بلغ 939 مظاهرة متزامنة في 1 حزيران/يونيو 2012 (فينيال 2012).

17- درس مشروع حقوق الإنسان والجغرافية المكانية التابع للرابطة الأميركية للنهوض بالعلم AAAS صور أقمار صناعية لحلب (أيلول/سبتمبر 2012-2013) (تحليل صور الأقمار الصناعية لتوثيق النزاع الحضري: حلب، سوريا).

18- نشرت هيومن رايتس ووتش عدة مقالات وتقارير حول الضربات الصاروخية في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في شمال سوريا. انظر على سبيل المثال “سوريا: صواريخ بالستية تقتل مدنيين بينهم الكثير من الأطفال” 5 آب/أغسطس 2013.

19- فعلى سبيل المثال يُعترف به صراحة بوصفه جزء من الحرب في حالة حملة الحصار، التي دعاها الضباط السوريون بأنفسهم بأنها “حملة تجويع حتى الركوع”. المصدر: رويترز “تحليل: التجويع تكتيك حربي في سوريا” الأربعاء 30 تشرين الأول/أكتوبر 2013. انظر أيضاً منظمة العفو الدولية (2014) ومكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان (2014).

20- وُثِّقت جرائم حرب أخرى، مثل حصار المدن والأحياء أو استخدام أسلحة غير تقليدية (من البراميل المتفجرة إلى الأسلحة الكيميائية).

21- وتفيد منظمة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أيضاً عن تدمير الأحياء كما ورد في تقرير عام 2013 للجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية. انظر على سبيل المثال صفحة 120 عن أحياء التضامن والقابون في دمشق.

 

  • Social Links:

Leave a Reply